نحو المؤتمر العام الرابع للمجلس الوطني الكوردي في سوريا ENKS
شاهين أحمد
بدايةً من الأهمية بمكان هنا التذكير والتأكيد على جانب هام في هذا الموضوع وهو : أن مطالبة المجلس الوطني الكوردي – الذي يتهيأ لعقد مؤتمره العام الرابع – بإجراء إصلاحات ، أوإحداث تغييرات على مختلف الصعد التنظيمية والسياسية والإعلامية …إلخ، تأتي من باب أهمية المجلس والاهتمام به كإطار جامع لشرائح واسعة من كيانات وأحزاب وشخصيات وفعاليات … إلخ. وكذلك نظراً للموقع الهام الذي يشغله المجلس كأحد مكونات هيئة التفاوض في العملية السياسية المتعثرة حول مستقبل سوريا . وبالتالي من حق كل من يجد نفسه معنياً بالمشروع الذي يحمله ويمثله المجلس، إطلاق مبادرات،وإبداء ملاحظات على أداء المجلس ودوره، ومعرفة الأعباء التي تثقل كاهله، والواجبات المطلوبة منه، للانتقال به إلى حقول أكثر نشاطاً وفاعلية. ولكن في الوقت عينه علينا – كمطلقي مبادرات أو ملاحظات في هذا الموضوع – أن لانجانب الموضوعية في مبادراتنا وملاحظاتنا، لأن الحكمة تقتضي معرفة الظروف التي تمر بها المنطقة بشكل عام وسوريا ومناطق كوردستان سوريا بصورةٍ خاصة، وبالتالي الخيارات الواقعية المتاحة أمام المجلس، وحجم الإمكانات الموجودة لديه، والاطلاع على نشاطاته، وتركيبة حلفائه في المعارضة السورية ،كي تنصب ملاحظاتنا في حقول البناء والمساهمة الإيجابية أولاً ، وتلامس مساعينا مساحة المنطق والواقع الموجود بعيداً عن العاطفة والأحلام ثانياً ، وبالتالي حجم توقعاتنا من محطة تنظيمية – سياسية لهذا الإطار الهام الذي ظل يعبر ” سياسياً ” بكل صدق وأمانة عن طموحات شعبنا بالرغم من كل الضغوطات والتحديات التي تواجهه ثالثاً . والحديث في هذا الموضوع ليس فقط هام وضروري فحسب ، بل يتطلب الجدية والجرأة والشعور بالمسؤولية . وسنحاول أن نثير بعض الجوانب التي نراها هامة وضرورية لتوليد أفكار وصياغة رؤى ” قد ” تفيد في إلقاء الضوء على بعض الزوايا المظلمة التي تخص كل المعنيين بالمجلس ومؤتمره ومستقبله كمظلة سياسية، وخاصة الذين يعلقون آمالاً عليه لأنهم يجدون أنفسهم جزءاً من مشروعه سواءً في جانبه القومي الكوردي أو الوطني السوري . ومن المفيد التذكير هنا بأن المجلس الوطني الكردي كإطار انبثق من المؤتمر الكوردي السوري الذي انعقد بمدينة قامشلو بتاريخ الـ 26 من تشرين الأول سنة 2011 ، ويتكون من أحزاب كوردية وازنة، إضافة لفعاليات مختلفة. ينطلق في نضاله من حقيقة وجود شعب يعيش على أرضه التاريخية ، حيث بقي هذا الشعب مع أرضه داخل الحدود الإدارية والسياسية المعروفة للدولة السورية التي تشكلت بنتيجة الاتفاقيات الدولية بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى مثل اتفاقية سايكس – بيكو لعام 1916 ، ولوزان لعام 1923 . ومن هذا المنطلق يتحمل المجلس مسؤولية قومية ونضالية تفرض عليه التعبير الصادق عن تطلعات الشعب الكوردي، في إطار سوريا الموحدة . وانطلاقاً من هذه الحقيقة انخرط في العملية السياسية حول مستقبل سوريا برعاية أممية، ويعمل مع ممثلي مختلف أطياف المعارضة من أجل إعادة إنتاج جمهورية سورية اتحادية، وإقامة البديل الوطني الديمقراطي الذي يجب أن يقف على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية . وبما أن شعبنا بشكل عام، ومنتسبي أحزاب حركته التحررية بصورة خاصة عانوا الظلم والاضطهاد والتهميش والإقصاء والسجن والملاحقة والقتل من جانب حكومات البعث المختلفة ، لذلك حسم المجلس خياره منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في منتصف آذار 2011 ، وشارك إلى جانب المطالبين بإنهاء الاستبداد، وإقامة البديل الوطني الديمقراطي المختلف عن البعث ،وأصبح جزءاً لايتجزأ من الحراك الثوري السلمي ، والمعارضة السياسية. وجدير ذكره هنا أن أحزاب المجلس كانوا قبل انطلاق الاحتجاجات أيضاً جزءاً من الحراك الوطني السوري السلمي المعارض، والجميع يعرف أن التعبير السياسي – التنظيمي الكوردي الأول الذي تأسس في سوريا في حزيران 1957 ، لازم دائماً بين القضية القومية الكوردية والقضايا الوطنية السورية ، وتعرض منتسبيه منذ تأسيسه لشتى صنوف التعذيب والملاحقة والسجن، وبالرغم من كل الظلم الذي تعرضت له الحركة الكوردية إلا أنها بقيت ملتزمة بقضايا الوطن السوري ولم تتمكن الأجهزة الأمنية من حرفها عن مبادئها وقناعاتها . ويناضل المجلس مع الشركاء الوطنيين لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية وفق بيان جنيف 1 والقرارات الدولية ذات الصلة وخاصةً القرار 2254 . وبدون شك أن الحديث عن المجلس ومؤتمره يشمل مختلف الجوانب السياسية والتنظيمية والإعلامية، وكذلك نشاطات المجلس ومشاركاته وتحالفاته ومفاوضاته وتطويره وتوسيعه وتنشيطه …إلخ . وبما أننا نعيش مرحلة الوجبات السريعة ، وكذلك نظراً لظاهرة الضخ المعلوماتي الهائل كل يوم على مختلف المنابر وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتجنباً للملل وتماشياً مع هذه المناخات، ومراعاةً للمزاج العام للقراء الأكارم، فإننا سنحاول قدرالمستطاع أن نجزء وننشر على حلقات بعض القضايا التي تخص الشأن العام والتي تتعلق بمؤتمر ENKS ، وكلنا أمل بأن تلقى هذه – المشاغبات المنضبطة على قولة أحد الأعزاء – اهتماماً وتفاعلاً من جانب جميع المهتمين سواءً الإخوة القائمين على التحضرات للمؤتمر العتيد أو المبادرين بإبداء الملاحظات حول دور المجلس وأدائه في مختلف المجالات .
أولاً : الجانب السياسي
الجزء الأول : وسنخصصه لمبررات وجود واستمرارية بقاء المجلس الوطني الكوردي ضمن صفوف المعارضة الوطنية السورية الرسمية المتمثلة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية .
يتلقى المجلس الوطني الكوردي انتقادات لاذعة ومستمرة جراء وجوده في صفوف المعارضة السورية بشكل عام، وفي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بصورة خاصة . ومن الأهمية هنا الإشارة إلى أن وجود الحركة التحررية الكوردية بصورة عامة في صفوف المعارضة ليس بجديد ، كما أنه ليس اختيار أو اجتهاد من المجلس بل هو الموقع الطبيعي للحركة وللمجلس نتيجة الظلم الذي مارسه نظام البعث طول ستة عقود بحق شعبنا وحركته التحررية ، ومحاولاته الممنهجة ومشاريعه الأمنية – السياسية التي هدفت محو هوية الشعب الكوردي القومية ، من خلال تهجيره وتغيير ديموغرافية مناطقه ، وحرمانه من شغل المراكز المهمة في مؤسسات الدولة المختلفة. وجدير ذكره هنا أن انضمام المجلس لـ صفوف الائتلاف قبل نحو تسعة أعوام تم بإجماع الأحزاب الكوردية قبل فصل ثلاثة أحزاب من المجلس على خلفية حادثة انتخاب المستقلين المعروفة، وانسحاب الديمقراطي التقدمي من المجلس لاحقاً. وجدير ذكره أيضاً أن انضمام المجلس الى الائتلاف كان بنتيجة اتفاق بين الطرفين بموجب وثيقة سياسية ،وبرعاية سفراء أمريكا وفرنسا وبريطانيا . حيث تحفظ المجلس الوطني الكردي على الفقرة التالية من البند الثالث من الوثيقة المذكورة والتي تنص ” واعتماد نظام اللامركزية الإدارية بما يعزز صلاحيات السلطات المحلية “، ويرى – المجلس – بأن أفضل صيغة للدولة السورية هي صيغة الدولة الاتحادية، وسيعمل المجلس الوطني الكردي على تحقيق ذلك . حيث وقع على الوثيقة المذكورة من جانب المجلس كل من : المرحوم الاستاذ عبد الحميد درويش ، الدكتورعبد الحكيم بشار ، الاستاذ ابراهيم برو ، الاستاذ مصطفى سينو ، والاستاذ هوشنك درويش . ومن طرف الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية: الدكتور نذير الحكيم ، الشيخ سالم المسلط ، الاستاذ أكرام العساف .
وكي نكون منصفين فإن الوثيقة المذكورة وبالرغم من بعض الثغرات الموجودة فيها إلا أنها المرة الأولى التي تم فيها الاعتراف والإقرار بوجود الشعب الكوردي، واعتبار قضيته القومية العادلة إحدى أهم القضايا الوطنية التي تخص جميع الوطنيين السوريين، وذلك من قبل إطار وطني سوري معارض، كان يضم طيف متنوع وواسع من مختلف مكونات الشعب السوري ، وكان يحظى بإعتراف أكثر من 100 دولة ، وهي وثيقة هامة وقابلة للتطوير . ولايمكن إنكار حقيقة أن المجلس بعد انطلاقة الثورة السورية كان الحامل الأبرز في موضوع تدويل القضية الكوردية في سوريا وذلك بفضل وجود المجلس في المعارضة الرسمية المتمثلة بالائتلاف الوطني ، حيث كان المجلس حاضراً في كافة المؤتمرات والاجتماعات التي عقدت حول مستقبل العملية السياسية في سوريا بين النظام والمعارضة برعاية أممية، وكذلك في اللجنة الدستورية، ويسجل للمجلس هذه الخطوة التي أخرجت القضية الكوردية في سوريا من حقول الإنكار إلى مساحات الفعل والمشاركة حول سوريا ومستقبلها ، وأصبح المجلس أحد أهم مكونات العملية السياسية حول سوريا . ولكن من جهة أخرى ، ونظراً للتحولات التي طرأت على الميدان السوري ، وكذلك تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وتداخلاتها مع الملف السوري ، والانحرافات التي حصلت في صفوف بعض مكونات المعارضة ، والتخاذل الذي تعرض له الشعب السوري من جانب ماكانت تسمى بـ ” مجموعة أصدقاء الشعب السوري “، فإننا جميعاً كمعنيين بالمجلس ومؤتمره نرى أن الإجابة بموضوعية على الأسئلة التالية كفيلة بتحديد الموقع الطبيعي للمجلس :
من هم أصدقاء المجلس وحلفائه ؟ لماذا انضم المجلس إلى الائتلاف الوطني المعارض ؟ وماهي مبررات استمرار ENKS في الائتلاف وخاصةً بعد توسع الهوة بين الطرفين إثر دخول الفصائل العربية السنية المعارضة برفقة الجيش التركي إلى المناطق الكوردية بدءاً بـ عفرين وانتهاءً برأس العين / سري كاني ،والانتهاكات التي ارتكبتها ولا تزال تلك الفصائل المحسوبة على الائتلاف، وكذلك عدم التزام الجهاز التنفيذي المتمثل بالحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف بمضمون الوثيقة المذكورة ؟ ماهو المقياس الذي يعتمده المجلس في علاقاته وتحالفاته ؟هل يجوز وضع فيتو على أي طرف فيما يتعلق بمسارات الحوار والتفاوض والعلاقات في حقول السياسة ؟ هل الائتلاف بتركيبته الحالية مؤهل وقادرعلى تقديم بديل مقبول وطنياً وإقليمياً ودولياً لنظام الأسد ؟. ماهي مبررات الائتلاف في توفير الغطاء السياسي للفصائل العسكرية المعارضة التي تحولت ” بغالبيتها ” إلى راديكاليين إسلاميين تابعين فكراً وعقيدةً ومشروعاً لتنظيم القاعدة ؟. لماذا فشلت مختلف الأطر المعارضة ،من المجلس الوطني إلى الائتلاف ومختلف المنصات في صياغة مشروع وطني سوري واضح يأخذ بعين الاعتبار وجود وحقوق كافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية ؟. من كان وراء توريط الائتلاف في الصراعات المذهبية والدينية والسياسية الاقليمية ؟. هل هناك آفاق أمام تحول جبهة السلام والحرية إلى إطار وطني شامل وبديل للإئتلاف الوطني كونها تتكون من معارضة معتدلة ؟. عندما سُئِل أحد المسؤولين الإيرانيين عن رأيه في كل من بايدن وترامب ، أجاب : الاثنان مثل ” البيبسي كولا والكوكا كولا ” ، مضيفاً بأن السياسة الأمريكية تجاه إيران لن تتغير إلا في اسلوب المعالجة والمعاملة . وهنا إلى أي حد يمكن إسقاط المقارنة المذكورة بين الرئيسين الأمريكيين المذكورين على الحالة الكوردية السورية فيما يتعلق بممارسات النظام والمعارضة في سوريا وموقفهما من قضية الشعب الكوردي وجوداً وحقوقاً ؟. ويبقى السؤال الأهم : ماهي الخيارات الواقعية المتاحة أمام المجلس الوطني الكوردي خارج الائتلاف ؟.
ملاحظة : سنخصص الجزء الثاني من الجانب السياسي بالمفاوضات المتوقفة بين المجلس الوطني الكوردي ENKS ، وأحزاب الوحدة الوطنية الكوردية PYNK ، وكذلك مدى واقعية عدم تجاوب المجلس مع مساعي التوجه نحو دمشق .