آراء
نصر الحريري..ومعركة الزعامة الحاسمة للمعارضة السورية
عقيل حسين
لم يكد يمر أكثر من شهرين على توافق الكتل الرئيسية في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” على إنجاز الانتخابات الداخلية بالسلاسة التي تناسبها، حتى بدأ الحديث عن خلافات ومواجهات بين هذه الكتل حالياً.
ومنذ انتخاباته الأخيرة في 10 تموز/يوليو، والحديث يتزايد حول ما إذا كان “الائتلاف” لا يزال ممثلاً حقيقياً للثورة السورية وقواها، ليس فقط بسبب الطريقة التي تبادل فيها رئيسا “الإئتلاف” و”الهيئة العليا للتفاوض” مراكزهما، بل وما تبع ذلك من تصاعد للخلافات بين الكتلة التي تدعم أنس العبدة في الائتلاف، وبين رئيسه الجديد نصر الحريري.
أثارت الطريقة التي أدار بها الطرفان الانتخابات الأخيرة حفيظة غالبية السوريين من حاضنة الثورة، وجميع المعارضين من خارج الكتلتين اللتين باتتا مهيمنتين بشكل كامل على الإئتلاف منذ نجاحهما في اقصاء غالبية الاسماء الوازنة بين المعارضين التقليديين من المؤسسة على مدار الأعوام الخمسة الماضية، والسيطرة عليها لاحقاً.
التوافق على انتقال أنس العبدة من رئاسة الإئتلاف إلى رئاسة هيئة التفاوض، بدلاً من نصر الحريري الذي استنفد دورتي رئاسته للهيئة فعاد للإئتلاف رئيساً مكان العبدة، بدا على ما فيه من استفزاز أنه مؤشر على استمرار التعاون والتنسيق بين ما يعرف بكتلة ال(G-4) وبين نصر الحريري وكتلته، إلا أن الأيام التالية أظهرت خلافات بينهما لم يكن بالإمكان إبقاؤها سرية.
فمنذ انتهاء الانتخابات بدأ نصر الحريري يتصرف كرئيس قوي للإئتلاف يريد أن يكون لمنصبه دور كامل لا يقبل المشاركة ولا يخضع للتأثير، وهو ما يتطلب بالطبع تفكيك مراكز القوى والتكتلات بما فيها تلك التي ساهمت في منحه هذا المنصب، بالإضافة إلى شخصيات أخرى تقود كتل أخرى أقل نفوذاً لكنها قادرة على التحرك والفاعلية، خاصة إذا ما ظلت متحالفة مع الأولى.
وإذا كان الأمر لا يعني للكتلة الثانية المحسوبة على جماعة الاخوان المسلمين خطراً كبيراً، على الأقل بالنظر إلى الواقع الحالي، فإن كتلة ال(G-4) فهمت تماماً أنها المستهدف الأول بتحركات نصر الحريري، التي تكمن خطورتها على هذه الكتلة في أنها تحركات ترفع شعار إصلاح الائتلاف واستعادة شرعيته، ما يجعل العمل على مواجهتها قراراً لا يقل خطورة عن التسامح معها.
والواقع أن الحريري بدأ تحركاته بخطوات ذكية، فبعد تشكيله لجنة التواصل التي أخذت على عاتقها ترتيب لقاءات لرئيس الإئتلاف مع القوى والشخصيات الثورية والمعارضة، داخل سوريا أو خارجها، والاجتماعات المكثفة التي عقدها من خلال هذه اللجنة، فقد أطلق أيضاً حملة علاقات عامة من خلال وسائل الإعلام المعارضة وعدد من الناشطين الثوريين البارزين على وسائل التواصل، الأمر الذي حقق له نجاحاً معقولاً على الصعيد الشعبي.
أما داخلياً، فقد بدأ بمتابعة رؤوساء اللجان والمكاتب التابعة للائتلاف ومطالبتهم بكشف دوري عن نتائج عملهم وإعداد تقارير عن نشاطاتهم، بما في ذلك الأسماء الكبيرة، ما مكّنه من استقطاب بقية أعضاء الائتلاف الذين كانوا يشعرون بالتهميش وعدم القدرة على التحرك والفعل، بسبب هيمنة هذه الأسماء وتحكمها بمفاصل المؤسسة وتقاسمها مراكز القرار والتأثير.
بدأ أعضاء الائتلاف بالاصطفاف إلى جانب نصر الحريري وإن بحذر في البداية، قبل أن يتضح هذا الاصطفاف أكثر مع إيعاز رئيس الائتلاف الجديد بتنشيط عمل المكاتب واللجان التي كانت مهمشة، مثل مكتبي اللاجئين والعلاقات العامة، بالإضافة إلى تشكيل لجان جديدة، لعل أبرزها اللجنة السورية-التركية المعنية بمتابعة شؤون السوريين مع حكومة انقرة، بالإضافة إلى تشكيل لجنة لدراسة واقع الشمال السوري وإعداد مقترحات لإصلاح الوضع فيه، بالتنسيق مع الجانب التركي.
نجاحات سريعة ونتائج ايجابية بدأ الحريري يحصدها رغم مرور أقل من عشرة أسابيع على وصوله لرئاسة الإئتلاف، لكن ذلك لم يكن من دون محاولات الطرف الآخر مواجهة ذلك بطبيعة الحال، ولعل أبرز ما حدث على هذا الصعيد وقوف كتلة ال(G-4) وكتلة الفصائل المحسوبة على الإخوان، بصف “المجلس الوطني الكردي” في مواجهة إجراءات نصر الحريري وتصريحاته الأخيرة ضد المجلس بسبب مواصلة الأخير التفاوض مع حزب الاتحاد الديمقراطي، وهي مفاوضات وصفها رئيس الإئتلاف بأنها “غير مقبولة” لأنها تجري مع “منظمة إرهابية”، كما قرر استبدال ممثل المجلس في وفد الإئتلاف إلى هيئة التفاوض.
إلا أن مواجهة نصر الحريري في هذا الملف لم يكن بالأمر السهل على منافسيه داخل الائتلاف، وخاصة بالنسبة للكتلة المحسوبة على الإخوان، إذا بدا ذلك تحدياً لموقف أنقرة الذي يعول الحريري عليه كثيراً في مواجهته الداخلية بشكل عام، وموقفه من المجلس الوطني الكردي بالتحديد، خاصة وأن للحكومة التركية تحفظات سابقة على بعض أعضاء كتلة ال(G-4)، ما جعل موقف الكتلتين مع كتلة المجلس الوطني الكردي مهزوزاً إلى حد كبير في هذه الجولة من المعركة.
وقد استفاد الحريري بشكل مضاعف من جولة المواجهة هذه عندما أطلق قادة في المجلس الكردي تصريحات غاضبة ذهب بعضها إلى حد القول بأن العلاقات مع الائتلاف هي علاقة مرحلية وليست مبدئية، الأمر الذي وضع حلفاءهم من الكتل الأخرى في الائتلاف بموقف حرج أكثر، وخاصة الكتلة المحسوبة على الاخوان.
لكن بالنسبة للكتلة الأخرى، فإن تركيا ليست كل المجالات التي يمكن التحرك فيها، بل إن ما يميز هذه الكتلة ونقطة قوتها الأبرز هي علاقاتها الواسعة مع مختلف الدول الداعمة للمعارضة، وهو ما يدركه نصر الحريري جيداً، وهو الذي استفاد أكثر من مرة من هذه الميزة عندما كان حليفاً ل(G-4) حتى الأمس القريب، وهو المأخذ الكبير للكثير من شخصيات المعارضة على الحريري، والسبب الأول الذي يدفع للتشكيك بالهدف المعلن لتحركاته الأخيرة لمواجهة من يُعتبرون “المتنفذين” داخل الائتلاف، ويدفعهم للحذر من شعار حملة الحريري المعلن وهو إصلاح المؤسسة.
يتذكر المعارضون الذين أصبحوا خارج الائتلاف ومختلف مؤسسات المعارضة الرسمية حالياً، وكيف وقف نصر الحريري في صف كتلة ال(G-4) منذ منتصف العام 2014 خلال الانتخابات التي أعقبت نهاية الولاية الثانية لرئيس الائتلاف الأسبق أحمد الجربا، وبعد ذلك مع جولتي الحوار في جنيف الخامسة والسادسة عام 2016، وكيف دعم موقفها في إقصاء قادة الائتلاف وهيئة التفاوض والوفد المفاوض، وأغلبهم من الأسماء المشهورة على مستوى المعارضة، وفتح الباب أمام دخول منصتي موسكو والقاهرة إلى هيئة التفاوض، لصالح تقاسمهم السيطرة على هذه المؤسسات منذ تلك اللحظة حتى اليوم.
وإلى جانب التشكيك بنوايا نصر الحريري بناء على ما سبق، فإن التشكيك بقدرته على تحقيق الانتصار في هذه المواجهة، يبدو حاضراً أيضاً، بالنظر إلى امتلاك الطرف الآخر أوراق ضغط مهمة يمكن أن تساعده على كسب التحدي، وعلى رأسها إمكانية إقناع الدول المتداخلة في الصراع السوري بأن نصر الحريري يمثل الطرف المتشدد في المعارضة، سواء ضد الحل السياسي مع النظام أو في العلاقة مع قوى المعارضة الأخرى وخاصة الأكراد، وهو السلاح ذاته الذي تم استخدامه ضد قادة الائتلاف وهيئة المفاوضات سابقاً، وهو ما يعرفه نصر الحريري جيداً بطبيعة الحال.
وهنا سيكون على الأخير أن يفكر ملياً بالنقاش المتوتر الذي خاضه مع المبعوث الأميركي للخارجية الأميركية إلى سوريا جويل رايبرن في أنقرة نهاية الشهر الماضي، عندما عبّر الحريري عن غضبه من توقيع الاتفاق النفطي بين الإدارة الذاتية الكردية وإحدى الشركات الأميركية، ما أغضب رايبرن الذي طالب الائتلاف بالعمل على توحيد الجهود لإسقاط النظام بدل التركيز على “قسد”، وهو ما يخشى مؤيدو الحريري داخل الائتلاف حالياً، والذين يزداد عددهم بشكل أكبر، من أن يستخدمه خصومه في تأليب الولايات المتحدة عليه.
رغم كل ماسبق، ينظر البعض بتفاؤل إلى توجهات رئيس الائتلاف الحالي، ويعتقدون أنه اتخذ القرار الشجاع بإصلاح المؤسسة، وانطلق بخطوات جريئة من أجل ذلك رغم المخاطر التي يعرف أنها ستكون بانتظاره جراء ذلك، بينما يرى البعض أن ما يجري ليس سوى صراع على السلطة بين كتل وشخصيات بينها الحريري ذاته، أسهمت في وصول المؤسسة إلى واقعها البائس اليوم والذي لا يمكن إصلاحه الا من خلال رحيلهم جميعاً، بينما يطالب آخرون بالتمسك بخيار الحفاظ على الائتلاف بالتفاعل مع هذه الجهود، ويرون أن سقوط الإئتلاف يعني عملياً سقوط آخر الرموز التي تمثل الثورة وهو ما لا يجب السماح به.