آراء

نظرية الأمننة… قراءة نقدية

(الحلقة الأولى)
عبدالله جعفر كوفلي / باحث أكاديمي

للنظريات أهميةٌ بالغة في تطوير مجالها والنطاق الذي تشمله ،وتلعب دوراً بارزاً ، وتمثّل انتصاراً لأصحابها وثروة غنية لهم ،بل إنجازاً يفتخرون به وتفتخر بهم مجتمعاتهم ودولهم عبر التاريخ، وهذه النظريات دليل التفكير العميق والإخلاص و الاختصاص الدقيق، ورحلة وضع النظريات مستمرة ولا تقف عند حدودٌ ،لأنها ترتبط بالفكر الإنساني ، وما يراه مناسباً لواقعه وأيامه القادمة في المستقبل القريب على أقل تقدير.

من سمة النظريات البارزة عدم صلاحها لكلّ زمانٍ ومكانٍ، فما كان صالحاً لفترةٍ معينة لا يعني بالضرورة صلاحها للقادم من الزمان ، وكذلك بالنسبة للأماكن، لأنها تعتمد على بُعد نظر صاحبها وعمق تفكيره في ذلك المجال شملت النظريات مختلف جوانب الحياة ، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية … الخ وبرزت أسماء أصحابها كنجومٍ على المستوى العالمي، وكثيرٌ من النظريات أصبحت في طيّ النسيان لفترة قصيرة، أو ماتت قبل ولادتها ؛ لعدم واقعيتها ونفعها أو ظهور الأنسب منها. وأكثرها انسجاماً مع تطلعات الشعوب وآمالهم وواقعهم.

الجانب الأمني من حياة الشعوب لم يكن بعيداً عن وجود النظريات ، بل كان أهمها، وعمل الباحثون والمختصون في هذا المجال ليلاً و نهاراً ، وبذلوا جهوداً لا يُستهان بها، في سبيل وضع نظرياتٍ تكون أساساً لاستتباب الأمن للشعوب والدول حتى على المستوى الدولي، وكانت لهذه النظريات أهمية بالغة في مواجهة مصادر التهديد المتنوعة والمتعددة ،وبرز أصحابها نجوماً لامعين وبقيت أسماءهم خالدة في الذاكرة.

إحدى هذه النظريات هي نظرية الأمننة Securitization والتي تُعتبر من المفاهيم الأساسية المتداولة بكثرة في الدراسات الأمنية والعلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وهو ماجعل بعض المختصين يعتبرها نظرية مهيمنة – Mainstream في الدراسات الأمنية، ويرجع الفضل بشكلٍ عام في بناء مفهوم ونظرية الأمننة إلى مدرسة كوبنهاغن – Copenhagen للدراسات الأمنية وبشكلٌ خاص إلى الأستاذين أولي ويفر – Ole Wæver وباري بوزان – Barry Buzan
تعريف الأمننة Securitization:
الأمننة كمصطلح متداول في العلاقات الدولية، يعني قيام الفاعلين في الدولة بعملية تحويل المواضيع إلى مسائل أمنية ، بمعنى آخر هي نسخة معقدة من التسييس Politicisation تسمح بإستخدام معاني استثنائية باسم الأمن.

والقضايا التي تؤمنن لا تمثل بالضرورة قضايا أساسية لبقاء الدولة، بل ربما تمثّل قضايا متعلّقة بمشكلةٍ وجوديةٍ تمسّ الأفراد.

بينما تدرس الأمننة كيفية تحوّل بعض القضايا من فاعل إلى مشكلة أمنية، ثم اتخاذ هذا كذريعةٍ لاستخدام التدابير الاستثنائية لحلّها.

وكي يكون فعل الأمننة أكثر نجاحاً، يجب أن يكون أكثر قبولاً بين الجماهير، بغضّ النظر إذا كان موضوع المشكلة تهديداً حقيقياً أم لا.

وكما يقول تيري براسبينين بالزاك – Thierry Braspening-Balzac: : ” الأمننة هي ممارسة تحكمها القواعد نجاحها لا يعني بالضرورة اعتمادها على وجود تهديدٍ حقيقي، بل بالقدرة الاستطرادية لمنح دفعة تقدم الجانب العام للقضية” ، حيث يقول بوزان : ” الأمننة ليست مجرد تحركات أمنية بل تصبح من خلالها القضايا مؤمننة عندما يتقبّلها الجمهور.“
والجمهور قد يأخذ عدة أشكال منها: التقني، البيروقراطي، العام، وصنّاع السياسات والعديد من الجماهير المختلفة التي تؤدّي وظائف مختلفة من خلال تقبّلهم للأمننة.

عناصر عملية الأمننة:
لعملية الأمننة أربعة عناصر تقوم عليها:
1- الفاعل/ العنصر المُؤَمنِنْ: هو ذلك الكيان الذي يصنع الفعل أو الحركة المؤَمنَنَ/ة .
2- التهديد الوجودي: هو الموضوع المعرّف على أنَّه يمثّل ضرراً محتملاً.
3- الموضوع المرجع: هو الموضوع أو الفكرة المعرّض/ة للتهديد والذي يحتاج إلى حماية.
4- الجمهور: وهو هدف الخطاب/ الفعل المؤمْنَنْ والذي يجب إقناعه بخطورة قضيةٍ ما..وتقبّلها على أنها تهديد أمني.
تابعوا تكملة الموضوع في الحلقة الثانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى