نوروز ومآلاته في الوضع السياسي السوري الراهن
نزار موسى
كما المعتاد نرى سنوياً مظاهر الاحتفال برأس السنة الكُردية في عيدهم القومي نوروز سواءً في المنطقة عموماً أو حتى في المغترب، تجمعات تستذكر فيها مآثر نوروز ومعانيه لابل ورسائله للكُرد أنفسهم، كما وللشعوب المتعايشة معهم ومنها تلك المغتصِبة لحقوقهم بدورها في المنطقة، الدينية منها أو القومية في ماهية سلطتها، والتي بدورها لم تلتزم وللأسف ليومنا هذا، بما تمليها نوعية هذه الكيانات من تعاليم بنوعيها تجاه الشعب الكُردي المسالم عبر تاريخه المتعايش وبكلّ وئامٍ مع غيره.
ربما فات البعض منا في المنطقة أنّ ديمومة وقوة أيّ دولةٍ وغناها تكمن بتنوع مكوناتها وإحقاقهم جميعاً، لكن ما نلمسه إلى يومنا هذا هو أنّ هذا المبدأ لم يترسّخ بعد، وينادى للوطنية بمفهوم بعضنا ودون الالتفات لمنطق بعضنا الآخر ورؤيتهم تجاه ذلك، ما يؤسف حقا أننا في كلّ مراجعة للنقطة التي نقف عندها وفي كلّ محطة نوروز سائرة، لا نلاحظ المأمول الذي طال انتظاره في الهلال الخصيب الذي يجمعنا.
على الصعيد السوري، كانت التجربة قبل أحد عشر عاماً كافية حتماً للاستفادة من أخطاء الماضي في هذا الصدد، رغم أنّ الوضع سياسيًا لم يتبلور بعدُ في تفاصيله، لكن وحقيقةً لم تبادر الأطراف الحاكمة قطُّ، كما ولم تصل مبادرات الأطراف المعارضة لمستوى الطموح لدى المراقب الكُردي، فبناء الوطن يحتاج للجرأة والوضوح كذلك كما ولمواقف جريئة، ومن الجميع ليكسب الجميع.
فالفرصة لم تفت بعدٌ، حتى بعد هذا المخاض السوري، علّها تكون سبيلاً إن لم تكن كفيلاً في بلورة الرؤى، ولمح بصيص أمل وبأياد سورية، قادرة بالتالي على تشخيص الحالة السورية جذرياً، حتى وإن اعتبرناها من بادرات حسن النية تجاه بعضنا، للدفع ببعضنا نحو بعضنا أكثر، عنفواناً كما نميّز به شعوباً في المنطقة، هذا إن لم نكن قد بالغنا من وجهة نظر تفائلية.
تقييماً للحالة الكُردية سورياً، ودور النخب الثقافية كانت أم الدينية أو حتى السياسية منها، كان لها الدور الفاعل في البناء السوري، وكانت قطعاً خير تجربة على تلك الإضافات المثمرة والقادرة على أن تتكرّر بنمطها الجديد وفضائها الحر، تاركةً البصمة، على العكس من التركة المغلوطة وعبر السنين، والتي تمّت أدلجتها بصور نمطية عن شعبٍ توّاق لألوان الحرية والتعايش المثمر، والتي لاتزال ترى من آثارها وبكلّ أسف على البعض من النخب السورية.
أما الدور الذي لعبه بعض الوكلاء لهذه المنظومات الاستقصائية التي لم ترد الخير حتى لغير الكُرد من المكونات في المنطقة، تحديداً تجاه الكُرد وبتلميحات كُردية موجّهة، آثرة في خلق بدائل لكلّ مقدّس ذا قيمةٍ عند الشعب الكُردي، فما هو إلا الوجه غير المباشر في التمادي، وذلك بالضرب من المصلحة المشتركة لكلّ الشعوب في المنطقة ومشتركاتهم.
وهذا ما يتمّ مجابهته في كلّ استذكار لنوروز من قبل المحتفلين سنوياً، مشخّصين ما يُحاك ضد هذا الشعب الأصيل وقضيته، ومزيداً في إصراره على المساواة والعدل في نيل ما يحقّ له كما لغيره من حقوق، كفلتها له الشرائع والقوانين في بقاع الأرض، ما يمكن اعتباره أسلوباً دام عشرات السنين، ويختتم به ما تمّ ممارسته على المكون الكُردي في كلّ بلدٍ يعيشون فيه في مناطقهم.
ما قد يعوّل عليه، فهم المكونات لبعضها وإدراكها للغنى المشترك من التعايش مع بعضها، كتجمع الرئيسية من مكونات الجزيرة السورية مؤخراً مثالاً، والتطلع لإغنائها أكثر كإحدى حالات التصالح المجتمعي في سوريا، لتشكّل بفحواها مشاريع سياسية بحد ذاتها تمضي بالمتعثر في الواقع السوري الحالي، فنوروز واكيتو.. و غيرها من تلك المشتركات وما تحملها في جعبتها من قيم، كفيلة بالضرورة في أن تكون المنطلق في إقناعنا جميعاً بمصيرنا الواحد عدالة في تقريره.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد 296