آراء

هل أصبح الإتحاد الديمقراطي كبش الإتفاقية الرّوسية التركية بمباركة أمريكية؟!

جيان عمر
في علم السياسة تنطلق معظم نظريات العلاقات الدولية من أنّ العلاقات الدولية تقوم فقط بين الدول، في حين يكمن دور وأهمية الأشخاص والأحزاب والجماعات ضمن تلك الدول في مدى تأثيرهم على قرارات الدول المُعترف بهم في منظومة المجتمع الدولي والتي هي اليوم الأمم المتّحدة. بقية الأشخاص والأحزاب والمجموعات عبارة عن أدوات مهما بلغت قوتهم وشعبيتهم ولا يُسمح لهم بالمشاركة في العلاقات الدولية كلاعب أساسي بين الدول وينحصر هؤلاء في لعب دور الوسيط التفاعلي في المعادلة الكيمائية ومهما كبر دورهم لا يتعدى كونه عنصر مرحلي مؤقّت في المعادلة الدولية يُستخدم لعملية الإبتزاز التي تتم بين تلك الدول والتي تتفق كافة النظريات السياسية على أنّ الدول تتصرف وفقاً لمبدأ “التصرف العقلاني خدمةً للمصالح الذّاتية”.
على ضوء ذلك ولكي لا أطيل أود الإشارة إلى أنّ الإتحاد الديمقراطي إرتكب خطأً قاتلاً في تبنّيه لنظريات الأمة الديمقراطية والكونفدرالية إعتماداً على كتابات زعيم حزبه الأم العمال الكُردستاني عبدالله آوجلان والتي نسخها بدوره نسخاً من نظريات غرامشي وغيره من المفكريين الغربيين، مع العلم هذه النظريات فشلت في أوربا ولم تلقى النور ولم تخرج من إطارها النظري الطوباوي كما المدينة الفاضلة لأفلاطون.
حزب الإتحاد الديمقراطي ومنذ بداية انطلاق الحراك الشعبي السوري ضدّ نظام الأسد إعتمد على تحالفه مع نظام الأسد معتقداً أنّه قادر على بناء قوةٍ عسكريةٍ وسياسيةٍ عبر إضعاف الحركة السياسية الكُردية من باقي الأحزاب الكُردية المتمثلة في المجلس الوطني الكُردي والتنسيقيات الشبابية للتفرّد بالقرار الكُردي السوري والإنتظار إلى حين سقوط نظام الأسد بيد المعارضة السورية ليهيمن هو على المناطق الكُردية ويفرض فكرة الأمة الديمقراطية على عموم سوريا، وبعض الجهات غرّرت بهم لتتوسّع أحلامهم السرابية إلى التطلع إلى توسيع أمتهم الديمقراطية بالإعتماد على حزبه الأم العمال الكُردستاني لتشمل كامل تركيا وأيضاً بالتوازي مع ذلك التخطيط لإجتياح إقليم كُردستان العراق عبر مناطق الإزيديين وحركة التغيير (كوران) لضعف إرتباطهم بالحكومة التي يترأسها الرئيس مسعود بارزاني. بعض الجهات الدولية استغلّت هذه السذاجة في تفكير حزب صالح مسلم ووجدّت في كبشاً يمكن تغذيته وتسمينه للتضحية في الوقت المناسب في المفاوضات بين الدول ذات الشأن، في حين صدّق حزب الإتحاد الديمقراطي أكذوبة أنّه بات الحليف الوحيد لروسيا وأمريكا في آن واحد وانتشى بإنتصاراته المرسومة دولياً مسبقاً، متناسياً أنّ دولاً وأحزاباً أكبر وأقوى منه لم تفلح في ذلك خلال القرن الماضي.
إذاً حزب الإتحاد الديمقراطي أوقع نقسه ومعه الشعب الكُردي في سوريا في لعبةٍ دوليةٍ كبيرةٍ جداً ومتشابكة الخطوط والمصالح مليئة بالتناقضات وبما أنّه يعتبر نفسه حزباً سوريا كان الأنجح له أن يتحرك ضمن أحد الإطارين السوريين، حلف نظام الأسد أو حلف معارضيه، والأفضل بطبيعة الحال تجنب التحالف مع نظام الأسد كونه في مراحله الأخيرة وسيسقط لا محال مهما طال الزمن ولا مستقبل له في سوريا الحديثة، وكان عليه الإنخراط في أي كيان معارض حقيقي للأسد والعمل بجدية ودون ضبابية على إبراز أهداف واقعية قابلة للتحقيق وفقاً للشروط السائدة في الحالة السورية. حيث ضبابيته وطوباوية مشاريعه وتطلعاته العابرة للحدود والتي سماها بالطرف الثالث أثبتت بعد المقايضة الأمريكية التركية الروسية الأخيرة والمباركة الأمريكية لها، عدم نجاعة أفكاره وبُعدها عن الواقع وعن طبيعة المجتمع السوري عموماً والكُردي على وجه الخصوص. حيث تخلّت عنه روسيا بوتين بعد زيارة الرئيس التركي أردوغان لها وتمّ حل الخلاف الحاصل على خلفية إسقاط تركيا للمقاتلة الرّوسية التي إخترقت أجوائها، كما تخلّت أمريكا عنهم وعلى لسان رجل مهامها الصعبة جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي في محاولةٍ لإرضاء تركيا بعد فشل الإنقلاب الذي تتهم تركيا الداعية فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا الأمريكية بالوقوف خلفه وتُصرّ على ضرورة تسليمه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
تغيّرت كل قواعد اللعبة في سوريا وتبدّلت التحالفات ونشأ تحالف جديد روسي تركي سارعت أمريكا لكي تكون جزءاً منه وهذا اللحاق الأمريكي بالتحركات الرّوسية أصبح سمةً من سمات السياسة الخارجية لأمريكا في عهد باراك أوباما. في ظل هذه المتغيبرات يتفق جميع المحللين السياسين والخبراء العسكريين في أنّ الضحية والخاسر الأكبر للأسف سيكون الشعب الكُردي الذي تم ربط مصيره بقوة السّلاح بحزب الإتحاد الديمقراطي والذي إذا استمر بعقليته هذه سيخسر كل شيء بعد كل التضحيات التي أَجبر الشعب الكُردي على تقديمها وجعله رأس الحربة في مواجهة أشرس تنظيم عرفه العالم وتتحاشى الجيوش البرية في العالم الاصطدام به بشكل برّي وتكتفي بقصفه جواً لتجنب خسائر بشرية كبيرة بسبب إعتماد التنظيم غلى الإنتحاريين، وتمّ تصنيفه في قوائم الإرهاب لدى جميع دول العالم.
ما هي الخيارات المتبقية أمام حزب الإتحاد الديمقراطي الذي يترأسه صالح مسلم لكي يُنقذ نفسه من المحرقة الحقيقية التي أوصل نفسه إليها؟ بمنتهى الصراحة لم تعد الخيارات المتبقية كثيرة لأنّه استنزف الكثير من طاقاته في حروب الوكالة العبثية عن الغير وأنهك معه الشعب الكٰردي أيضاً وخلق الكثير من الأعداء داخلياً وخارجياً حيث استعدى الحركة السياسية الكٰردية السورية والتنسيقيات والنشطاء المستقلين أيضاً، كما أدخل نفسه في حالة عداوة مع ثورة الشعب السوري عسكرياً وسياسياً وداعمي الثورة من دول الخليج أيضاً، إضافةً إلى استعداء إقليم كُردستان العراق والرئيس مسعود بارزاني ومن ثم دخل في عداوةٍ مع تركيا بتوجيهات وآولمر من حزب العمال الكُردستاني.
إذاً هو مطالب بالعودة عن كل ما سبق والبدء بمصالحة شاملة وعاجلة وتقديم تنازلات للشعب الكُردي وممثليه من المجلس الوطني الكُردي، كما مطالب بفك إرتباطه بنظام الأسد وأيضاً بحزب العمال الكُردستاني والتحرك كحزب سيسي كُردي سوري بعيداً عن العقلية المليشياتية ومحاسبة المجرمين في صفوفه وإنتهاج سياسة جديدة أكثر حكمة ملائمة للمرحلة والسعي لتقليل الأعداء وصنع الأصدقاء قدر المستطاع وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى