هل الفينيقيون من الأقوام السامية أم من أسلاف الكُرد؟
مهدي كاكه يي
بينما كنتُ مُنكبّاُ على كتابة دراسةٍ عن ابتكار أسلاف الكُرد الخوريين أول أبجديةٍ (حروف) في تاريخ البشرية، والتي هي أصل الأبجدية الآرامية التي اشتقّت منها الأبجدية العبرية والعربية وغيرهما وكذلك فإنّ الأبجدية الخورية هي أصل الأبجدية الفينيقية التي اشتُقّت منها الأبجديات السلاڤية والإنگليزية وغيرها من الأبجديات الأوروپية الحالية، وأنا أدقّق في المصادر المختلفة فيما يتعلق بكيفية نقل الفينيقيين للأبجدية الخورية الى أوروپا، اكتشفتُ أنّ الفينيقيين ما كانوا إلا من أسلاف الكُرد الخوريين وأنّ الأبجدية التي نقلوها إلى أوروپا كانت الأبجدية الخورية التي أُُدخِلت عليها بعض التغييرات لتُناسب النطق اليوناني.
للدلالة على كون الفينيقيين من أسلاف الكُرد والادّعاء الكاذب للعرب بأنّ الفينيقيين كانوا من الأقوام السامية، نلجأ الى الأبحاث العلمية التي تؤكّد على مصداقية ما نقوله.
1. دراسات الحمض النووي (DNA): قام الدكتور (بيار زلّوعة (المختص بالحمض النووي والأستاذ في الجامعة اللبنانية الأميركية بإجراء دراسة ضمن المشروع الجينوگرافي التابع لمؤسسة ( ناشيونال جيوگرافيك) لدراسة حركة هجرة الشعوب تاريخياً. اكتشف الدكتور (زلّوعة) في بحثه أنّ البصمة الفينيقية الموجودة في الحمض النووي المستخلص من بعض الآثار الفينيقية، في الجينات الصبغية (Y) عند نسبة كبيرة من الذكور الذين يعيشون حالياً في المناطق القديمة لتواجد الحضارة الفينيقية في محيط البحر الأبيض المتوسط، هي (هاپلو گروپ J2). الشعب الكُردي يحمل نفس هذه المجموعة من الجينات (هاپلو گروپ J2) وهذا يؤكّد أنّ الفينيقيين والكُرد ينحدرون من شعب واحد. كما أنه تمّ اكتشاف الجين (J2) في كلّ المدن التي استخدمها الفينيقيون في حوض البحر الأبيض المتوسط ، من قرطاج إلى صقليّة ومالطا وغيرها من المدن، والتي يعود تاريخ وجودهم فيها إلى سنة 2000 قبل الميلاد[a].
كما وجد أنّ حاملي هذه البصمة الفينيقية (هاپلو گروپ J2) وصلوا إلى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط قبل نحو (10000) عشرة آلاف سنة، أي مع بداية عصر الانتقال من حالة الترحال إلى حالة الإقامة، حيث أنهم سكنوا في هذه المنطقة وأنشأوا قراهم ثم مدنهم، وهاجر بعضهم إلى أماكن أخرى من حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث قاموا هناك ببناء قرى ومدن للعيش فيها. هذا يشير بوضوحٍ الى أسلاف الكُرد الزاگروسيين الذين نتيجة زيادة نفوسهم وعدم كفاية الإنتاج الزراعي لمعيشتهم في مناطق سلسلة جبال زاگروس، اضّطروا إلى النزوح من موطنهم الأصلي إلى المناطق السهلية على ضفاف نهرَي دجلة والفرات والتمدّد إلى المناطق الواقعة في حوض البحر الأبيض المتوسط.
هناك دراسات أخرى تدلّ على أنّ جينات (هاپلو گروپ J2) ليست منحصرة في الفينيقيين فهي أقدم عمراً من تاريخهم وموجودة بكثرةّ في جميع منطقة الهلال الخصيب، وبصورةٍ أكبر بكثير في منطقة القوقاز[b]. هذه إشارة واضحة الى انتشار أسلاف الكُرد في المنطقة ووصول النفوذ الخوري إلى منطقة القوقاز. كما أنّ انتشار هذا النوع من الجينات التي نستطيع تسميتها بالجينات “الكُردية” إلى القوقاز ومنها إلى الهند وأوروپا، يُشير الى انتشار هذا النوع من الجينات مع انتقال الزراعة واللغة من كُردستان إلى تلك المناطق.
2. موطن الفينيقيين: يعتقد المؤرخ اليوناني (سترابو) أن الفينيقيين نشأوا في البحرَين[c]. ويعتقد كذلك (هيرودوت) أنّ الموطن الأصلي للفينيقيين كان البحرين.[d][e]، إلا أنّ (الطبري) يرى أنّ هناك القليل من الأدلة على وجود استيطان في البحرين خلال الفترة التي كان من المفترض أن تحدث فيها هذه الهجرة[1]. إنّ سبب إعتقاد كل من (سترابو) و(هيرودوت) بأنّ البحرَين كانت موطن الفينيقيين يعود الى اعتقادهما الخاطئ بأنّ منطقة (دلمون) التي كانت الموطن الأصلي للفينيقيين، تقع في البحرَين، إلا أن دراسات حديثة تُفنّد أقوال (سترابو) و(هيرودوت) وتعضّد ما ذهب اليه الطبري، حيث يذكر الدكتور مؤيد عبدالستار في مقاله القّيم المعنون ( دلمون أرض السعادة السومرية … من جبال زاگروس الى البحرين)[f] بأنّ الباحث (ديفد رول)، في هامش رقم 1 في صفحة 241 من دراسته المعنونة (Legend)[g]، يشير الى دراسة الباحث الكبير (صموئيل نوح كريمر) المنشورة في مجلة المدارس الأمريكية للبحوث الشرقية عدد ديسمبر/كانون الأول عام 1944 والمعنونة (دلمون أرض الأحياء)، حيث أن كريمر يستنتج من خلال نتائج بحثه المذكور بأنّ منطقة (دلمون) تقع جنوب غرب ايران (جبال زاگروس) [h]. يستطرد الدكتور مؤيد عبدالستار في مقاله المذكور بأنه يتمّ ذكر (دلمون) باسمها (جبل دلمون Akk Kur – Dilmun) وهذا يدلّ على أنّ (دلمون) هي منطقة جبلية. كما هو معروف، فإنّ كُردستان هي المنطقة الجبلية الوحيدة في بلاد ما بين النهرَين. الملاحم السومرية تذكر أيضاً بأنّ منطقة (دلمون) تقع عند مشرق الشمس، وهذا يشير الى أنّ موطن الآلهة السومرية (دلمون) موجود في جبال زاگروس المُشرفة على سهول بلاد ما بين النهرَين. يضيف الدكتور مؤيد بأنه في شرق كُردستان، توجد قرية صغيرة تقع بين بحيرة أورمية ونهر ميدان تُدعى (دلمان Dilman) و التي قد تكون لها علاقة بمنطقة (دلمون) السومرية.
3. اللغة: إنّ الأبجدية الفينيقية هي الأبجدية الخورية التي ابتكرها أسلاف الكُرد الخوريون في مدينة أوگاريت. بعد انتقال قسم من الفينيقيين الى أوروپا، أحدثوا بعض التحويرات في الأبجدية الخورية التي نقلوها الى أوروپا والتي انبثقت منها الأبجديات الأوروپية الحالية[2].
مما تقدّم يتوصّل المرء إلى أنّ الفينيقيين كانوا من أسلاف الكُرد، وبالأحرى كانوا من الخوريين. من المرجح جداً أنّ اليونانيين أطلقوا على الخوريين اسم (فوينيكيس) ويُكتب باليونانية (Φοίνικες) الذي يعني (أرجواني أو قرمزي) نتيجة اللون الأرجواني أو القرمزي للمنتجات التي كان الفينيقيون يتداولونها وبذلك أُطلِق عليهم الاسم (فينيقيون). كما أنّ المصادر العلمية تذكر أنّ اسم (الكنعانيين) هو كلمة خورية وهذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستقلة سنقوم بها في فرصة سانحة.
ملاحظة: اللون الأحمر في الخريطة هو المناطق التي خضعت لسيطرة الفينيقيين.
المصادر
1. الطبري. تاريخ الطبري.
2. خالد سالم إسماعيل. الكنعانيون من الأقوام العربية القديمة في بلاد الشام – الوطن العربي النواة والإمدادات. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2003 م، صفحة 54.
a. Balanovsky، O.؛ Dibirova، K.؛ Dybo، A.؛ Mudrak، O.؛ Frolova, S.; Pocheshkhova، E.; Haber، M.; Platt، D.; Schurr، T. (2011). “Parallel Evolution of Genes and Languages in the Caucasus Region”. Molecular Biology and Evolution. 28 (10): 2905–20. PMID 21571925. doi:10.1093/molbev/msr126.
b. Zalloua et al., Identifying Genetic Traces of Historical Expansions: Phoenician Footprints in the Mediterranean,The American Journal of Human Genetics (2008 .(
c. R. A. Donkin (1998). Beyond Price: Pearls and Pearl-fishing : Origins to the Age of Discoveries, Volume 224 .20
d. Bowersock, G.W. (1986). “Tylos and Tyre. Bahrain in the Graeco-Roman World”. In Khalifa, Haya Ali; Rice, Michael. Bahrain Through The Ages – the Archaeology. Routledge. pp. 401–2.
e. Arnold Hermann Ludwig Heeren. History of Ancient Civilizations. Göttingen, Germany, 1799, p. 441.
f. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=231521
g. Rohl, David M. LEGEND Volume: 2, London, 1999, pp.237.
h. Kramer, Samuel Noah (1944). Dilmun, the Land of the Living. Bulletin of the American Schools of Oriental Research.