آراء

ومن جديد : المظلومية الكُردية رد على المدعو نارم سن الورقي

إعداد : ليلى قمر – وليد حاج عبدالقادر

القسم الثالث

استعرضنا في الأقسام السابقة أهم المراحل التي تتالت مع بدء التطبيق العملي لاتفاقية لوزان ومتواليات التقسيم الخرائطي وفق مقررات مؤتمر سان ريمو بين بريطانيا وفرنسا ، وحينها كانت القوات البريطانية مشاركة مع القوات العربية بقيادة الأمير فيصل ين الشريف حسين موجودة في سوريا ، ومع انكشاف اتفاقية سايكس بيكو وتنكّر بريطانيا لوعودها ، وكردّ فعلٍ على ذلك قام السوريون بتنصيب الأمير فيصل ملكاً على بلدهم ، لكنّ فرنسا اعترضت على ذلك ، وطالبت بتنفيذ اتفاقية سان ريمو، والمتضمّنة سيطرتها على سوريا ، ولبّت بريطانيا طلبها وانسحبت من سوريا ، وعلى إثرها وجّهت فرنسا إنذاراً لفيصل، طالبته بسحب قواته والاعتراف بالانتداب الفرنسي على سوريا ، ولكنّ فيصل رفض ذلك ، وعلى إثرها حدثت معركة ميسلون التي هُزم فيها فيصل ، ولتخضع سوريا للانتداب الفرنسي بصورةٍ فعلية .

قامت سلطات الانتداب الفرنسي بتقسيم سوريا الى أربع دويلات ، وهي ( دولة سوريا وعاصمتها دمشق ، دولة العلويين وعاصمتها اللاذقية ، دولة جبل الدروز وعاصمتها السويداء ، دولة لبنان الكبير وعاصمتها بيروت . ) .          ( الموسوعة الجزائرية تاريخ 14/12 / 2015 ) .      وأدناه اختصاراً تعريفياً لتلك الدول :

–دولة حلب ( 1920-1925 ):

وهي واحدة من خمس دويلات أسّسها الانتداب الفرنسي في سوريا ، وضمّت عدة مدن وكانت عاصمتها مدينة حلب ، وشملت دولة حلب الأغلبية من المسلمين السنّة . وغطّت شمال سوريا بالإضافة إلى منطقة حوض نهر الفرات في شرق سوريا . وتُعتبر هذه المنطقة من أكثر المناطق خصوبةً ووفرةً بالمعادن . وأضيفت منطقة الحكم الذاتي سنجق الإسكندرونة إلى دولة حلب في عام 1923 ، ومدينة حلب كعاصمة تواجدت فيها تجمعات مسيحية ويهودية إضافةً إلى المسلمين السنّة . وأيضاً أقليات من الشيعة والعلويين . وسكنت العرقيات الأرمنية (وخاصةً المهجّرين أيام الإبادة الأرمنية) الكُردية ، الشركسية والآشورية في شمال حلب جنباً إلى جنبٍ مع العرب . وفي عام 1922 وحسب الإحصائيات كان الأرمن يشكّلون 12% من عدد سكان حلب ، أغلبية سكان دولة حلب كانوا من المُسلمين السُنَة ، كان معظمهم من العرب ، وكان هناك أيضاً مجتمعات من الأكراد ، خاصةً في المناطق الشرقية ، إلى جانب أعراق أخرى متنوعة التي تمّ نقلها خلال الفترة العثمانية ، وأبرزها الشراكسة والألبان والبوشناق والبلغار والأتراك والقبرديين والشيشانيين وغيرهم . وكذلك عدد كبير من المسلمين الشيعة خاصةً في مدن مثل نبل والفوعة والزهراء وكفريا ومعرة مصرين . وكان هناك غنى بالمجتمعات المسيحية الشرقية مثل المسيحيين الذين ينتمون إلى أكثر من عشرة تجمعات مختلفة (مع انتشارٍ بارزٌ لأتباع الكنائس الرسولية الأرمنية وكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك والسريانية الأرثوذكسية) ، و .. ( .. يلاحظ التعمد في تجاهل الانتشار السكاني المكثّف للأكراد وفي مناطقهم ونحن نوعز ذلك الى فشل المقاربة ولو تدليساً بين الحقيقة الموجودة ومحاولات التزييف الممنهَج لوقائع التاريخ والجغرافيا … المعدّان ليلى قمر و وليد ح عبدالقادر )

– دولة دمشق ( 1920 – 1925 م ) :

هي الدويلة التي أقامها الانتداب الفرنسي في سوريا سنة 1920 وانتهت عام1924 ، وهي تعدّ من أهم الأجزاء الستة وكانت تشمل: مدن حمص وحماة ووادي نهر العاصي. وفي المقابل فقدت الدولة الجديدة أربعاً من أقضيتها الفرعية، التي كانت من ضمن دمشق في الفترة العثمانية وضُمّت إلى جبل لبنان ذي الأغلبية المسيحية من أجل تكوين دولة لبنان . المقاطعات الأربعة المنزوعة هي صيدا وطرابلس الشام وبيروت وسهل البقاع تمثّل الآن محافظات بيروت والبقاع وشمال لبنان وجنوب لبنان والنبطية. دولة دمشق – من بعدها الدولة السورية – ظلّت تطالب بعودة هذه المقاطعات إلى الأم سورية، واستمرّت هذه الاحتجاجات على الفصل طوال الانتداب. كما عارض سكان هذه المقاطعات عملية الفصل .

– دولة جبل العلويين 1920 – 1936

أقيمت على الساحل السوري ( تشمل اليوم محافظتي اللاذقية وطرطوس ) . سكانها هم من العلويين في الجبل ومن السنّة في بعض المدن الكبيرة ومن المسيحيين كذلك وقليل من الإسماعيلية . عاصمتها اللاذقية وبنظام حكمٍ غير محدود، وعدّت اللغة الفرنسية كرسمية لها . وذلك من 1920 الى 1936 ، وأخذت فرنسا حق انتداب “إقليم العلويين” من عصبة الأمم في 2 سبتمبر 1920. في البداية عدّ الإقليم ذي حكم ذاتي تحت الحكم الفرنسي ، وأدمجت في1يوليو 1922 مع مناطق الانتداب الفرنسي في سوريا . وكان قد تمّ في 29 سبتمبر 1923، إعلانها كدولة عاصمتها مدينة اللاذقية ، وفي 1 كانون الثاني 1925 تمّ تغيير اسمها رسمياً إلى الدولة العلوية . وفي 22 سبتمبر 1930 ، أعيدت تسميتها سنجق اللاذقية .

يوم 5 ديسمبر 1936 ( اعتباراً من عام 1937) تمّ اندماجها نهائياً مع سوريا .

و ( .. نتيجة للحرب الأهلية السورية ، في عام 2012 كانت هناك تكهنات حول احتمال حدوث أعمال انتقامية ضد العلويين مما أدّى إلى التفكير بإعادة إنشاء الدولة العلوية كملاذٍ لبشار الأسد وقادة الحكومة، إذا سقطت دمشق، وصف الملك عبد الله الثاني ملك الأردن هذا الاقتراح بأنه “أسوأ الحالات” في الصراع، خوفاً من تأثير الدومينو، وهو تجزئة البلاد على أسس طائفية، مع عواقب على نطاق المنطقة . ويُعتبر الشيخ صالح العلي أحد أهم أعلام هذه الدولة وهو ممن شاركوا في الثورة السورية الكبرى .. ) .

– دولة جبل الدروز من 1921 حتى 1936 :

أعلِنت من قبل الانتداب الفرنسي على سوريا ، وهي في الواقع كان يحكمها الموحّدون الدروز وبرقابةٍ فرنسية . وشملت وقتها جبل الدروز والقرى المحيطة بها ، وأيضاً أجزاء من إمارة شرق الأردن ، بين جبل الدروز والأزرق إلى سنة 1930 حين تمّ ترسم الحدود بإشراف بريطانيا. وقبلها رغب الفرنسيون في إعادة إخضاع الثوار الدروز الذين انتقلوا إلى الأزرق ( وهي ضمن وادي السرحان ) حيث تسكن عائلات من بني معروف حول القصر الأموي في الأزرق ، بمعنى آخر : اعتبر الفرنسيون أيّ مكانٍ في شرق الأردن مأهول بالسكان من بني معروف جزءاً من سوريا التي يسيطرون عليها فشملوا منطقة الأزرق بدولة جبل الدروز . وعاصمتها السويداء – نظام الحكم : غير محدّد اللغة الرسمية : العربية ، والفرنسية .

– دولة / جمهورية هاتاي :

ككيان سياسي وانتقالي وجِدت هاتاي رسمياً في 7 سبتمبر 1938 حتى 29 يونيو 1939 . وكانت في الأصل تابعة لسنجق إسكندرونة التي اتُّبِعت للانتداب الفرنسي على سوريا ، وتمّ ضمّها إلى تركيا في 29 يونيو 1939 وتحوّلت إلى محافظة هاتاي ، وعاصمتها المدينة التاريخية انطاكية . اللغة الرسمية كانت التركية ، والفرنسية، ولهجات شامية . علماً أنّ هاتاي كانت أصلاً جزء من محافظة حلب ، وبعد أن احتلّت فرنسا سنجق اسكندرونة أصبحت جزءاً من الانتداب الفرنسي على سوريا بعد احتلال فرنسا سنجق سعدون . وحصلت على حكم ذاتي نتيجة لمعاهدة فرنسية تركية وقّعت في 20 أكتوبر 1921الى 1923 ، نظراً لوجود جالية تركية هامة جنبًا إلى جنب مع الجاليات العربية والأرمنية. وضمّت إلى حلب ، وأعلن في عام 1925 تبعيته على دولة سوريا ،مع اعتبار وضعها الإداري الخاص . وبذلت تركيا مساعٍ لضمّها بعد انتهاء الانتداب الفرنسي لسوريا في عام 1935. وأطلق عليها اتاتورك اسم هاتاي عام 1936، وأثار قضيتها في عصبة الأمم ، فأعدّ ممثلو فرنسا والمملكة المتحدة وهولندا وبلجيكا وتركيا دستوراً لها ، في عام 1938 أجريت انتخابات الجمعية التشريعية المحلية ، واعتُمِد دستور الدولة – هاتاي – في 6 أيلول 1938 ، دولة مستقلة تسمّى “هاتاي” وتنقسم إلى أربع مناطق (أنطاكيا، اسكندرون، وأوردو، وقيريخان، وأعلنت التركية كلغة الدولة، بينما الفرنسية لغة ثانوية كما ستواصل المدارس تعليم اللغة العربية .

وفي اختصارٍ لخاصية الدولة السورية وكتعريف يمكن بها إحاطة ما تمّ استحداثه في كنف الانتداب الفرنسي على سوريا عام 1925 ، واستمرّ حتى تأسيس الجمهورية السورية الأولى عام 1930 ، هو الكيان المتشكّل خلفاً للاتحاد الفيدرالي السوري . شملت حدود الدولة الفيدرالية حدود دولة دمشق ودولة حلب، بما فيها مقاطعة الجزيرة، دون حكومتي اللاذقية والسويداء . وأديرت مباشرةً من قبل رؤساء وحكومات معيّنين من قبل المفوض الفرنسي السامي، وفي عهدها اندلعت الثورة السورية الكبرى بين 1925 – 1927 ، وقُصٍفت دمشق خلالها بالطائرات، كما تمّ إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية لعام 1928. توالى في ظلّ الدولة السورية حكم ثلاثة رؤساء، حملوا لقب “رئيس الدولة” هم: صبحي بركات ، وأحمد نامي ، وتاج الدين الحسني.

بقي هناك أمر جدّ هام وهو تصدي كلّ المكونات التي حوّطت في الخارطة السورية وثوراتهم ضدّ الاستعمار الفرنسي وكُردياً سنستذكُر ثورة ابراهيم هنانو الكُردي وكذلك ثورة بياندور قرب القامشلي بقيادة حاجو آغا ولن ننسى مطلقاً – طوشة عامودا – والقصف الفرنسي للبلدة بالطائرات ، وكذلك المشاركة الحثيثة لكُرد الشام وبثورات عديدة ، والإختصار هنا على هذه الثورات ليس تجاهلاً لثورات كبرى في سوريا، بقدر ماهو المهم تسليط الضوء عليها ردا على تهميش نضالات الكُرد أو تجاهلها ونفيها ..

ولابدّ من ذكر إضافات أخرى نقلاً عن – .. السيد سليمان ابو خضر من غوغل سوريا مابين الحربين .. – .. ( .. نرى بأنه ولمجرد موافقة عصبة الأمم وإقرارها بصكّ الانتداب ومنح الشرعية الدولية لفرنسا في الوصاية على سوريا ، حتى هبّ الوطنيون السوريون ضدّ تجزئة سورية، وتوالت الثورات على السياسة الفرنسية في إدارة البلاد كثورة حوران ” وثورة صالح العلي ” ” وثورة إبراهيم هنانو” وأهمها كانت ثورة سلطان باشا الأطرش فاضطرّت فرنسا للإعلان عام 1922 عن دولةٍ اتحادية في سوريا دون لبنان الكبير التي أصبحت جمهورية مستقلة اتّخِذت هذه الخطوة للتوحيد من أجل تهدئة الشعب السوري والحركة الوطنية، فبقي المفوض السامي الفرنسي صاحب الكلمة العليا في الدولة حيث استبدّ بالشعب السوري .. ) ومع اشتداد الثورات .. ( .. لجأت فرنسا إلى أسلوب الحوار واللين فمنذ عام 1926 حتى 1936 حاولت فرنسا تهدئة الوضع في سوريا عن طريق إشراك وطنيين في إدارة شؤون الدولة ، فسمحت بإجراء انتخابات للجمعية التأسيسية ، وبهذا وصلت حكومة وطنية برعاية هاشم الأتاسي زعيم الكتلة الوطنية وضع دستور للبلاد، أضاف إليه المندوب السامي عدة قرارات أفقدته قيمته، ووافقت الحكومة الفرنسية على أثر الإضراب العام في البلاد على التفاوض مع وفدٍ سوري لعقد معاهدة بين البلدين، تمّ توقيعها وسُميت معاهدة 1936 أعطت السوريين بعض الاستقلال وأصبحت سوريا ولبنان عضوين في عصبة الأمم، ولكن رفض البرلمان الفرنسي المعاهدة فيما بعد .

وتعدّ اتفاقية سنة 1936 بين فرنسا وسوريا لمدة 25 عاماً بمثابة خطوة أولى لتحقيق استقلال سوريا وأيضاً الاعتراف بوجود دولة لبنان، إلا أنّ نشوب الحرب العالمية الثانية سنه 1939 واشتراك فرنسا في الحرب أدّى إلى تأجيل الاتفاقية حيث لم تصل التنفيذ .

كان الاتحاد السوري الذي تأسّس بموجب إعلان في 28 يونيو 1922 هو في الأصل اتحاد فدرالي تأسّس في مرحلة الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، ومهّد لتأسيس الدولة التي تُعرف الآن باسم سوريا . وكان يشمل ثلاثة كيانات هي دولة حلب ودولة دمشق ودولة العلويين كما أسلفنا اعلاه ، وهذه الكيانات تغطّي كل مناطق الدولة السورية الحالية باستثناء محافظة السويداء .

وعليه فإنّ الاتحاد يُعتبر الصيغة الفيدرالية الوحيدة التي تمّت في تاريخ سوريا الحديث ، واستحدثها غورو تحت ضغط المعارضين السوريين المعروفين باسم الوطنيين . ورغم أنّ الاتحاد الفيدرالي بين دمشق وحلب وجبل العلويين قد لاقى استحسان السوريين، إلا أنه لم ” يُعتبر كافياً ” حسب رأي المؤرّخ يوسف الحكيم ، لا من حيث الصيغة فقط ، وحلّ الاتحاد السوري في 5 ديسمبر 1924 على أن تخلفه الدولة السورية المركزية بين دمشق وحلب ، أما جبل العلويين فقد حافظ على استقلاله السابق .

الجمهورية السورية الأولى :

ويُعنى بها الجمهورية التي قامت على الأراضي السورية بين عام 1931 وحتى 1963

الجمهورية السوريّة ( 1932 – 1963 ) وتعرف أيضًا باسم الجمهورية الأولى ، ويمكن تقسيمها لفترتين الأولى بين 1932 وحتى 1946 وهي الفترة التي كان الانتداب الفرنسي على سوريا فعّالاً وتخلّله إعلان ” استقلال سوريا ” عام 1941 ، والفترة الثانية بين 1946 و ‌1963 والتي تخلّلتها فترة الجمهورية العربية المتحدة بين 1958 و‌1961، أما من الناحية الدستوريّة يمكن التمييز بين فترتين هما دستور 1932 و‌دستور 1950 والذي عُطِّل بعد انقلاب حزب البعث الذي عُرِف باسم ثورة الثامن من آذار عام 1963 .

– الجمهورية السورية الأولى:

رئيس الجمهورية : محمد علي العابد (الأول) 1932 – 1936 – وناظم القدسي الرئيس الأخير : 1961 – 1963 :

بعد تقسيم البلاد إبان الانتداب الفرنسي إلى ثمانية كيانات ومن ثم الحكم المباشر ، حيث تمّ رفضها من قبل غالبية الشعب السوري وقواها السياسية ، فتمّ استحداث الاتحاد السوري عام 1922 واستُبدِل بالدولة السورية عام 1925، بين حلب ودمشق والجزيرة، والتي رافق تأسيسها انطلاق الثورة السورية الكبرى التي طالبت بالوحدة ، وانتخابات جمعية تأسيسية تضع دستوراً للبلاد “يعتمد مبدأ سيادة الأمة حيث استطاعت فرنسا قمع الثورة عام 1927، وتمكّن الرئيس تاج الدين الحسني من تنظيم انتخابات جمعية تأسيسية لكتابة الدستور وترأس لجنة صياغتها هاشم الأتاسي عام 1928 ، حيث نصّ الدستور على اعتماد نظام جمهوري ، وفق نظام برلماني يشبه نظام الجمهورية الفرنسية الثالثة ، ونصّ على اعتماد اسم البلاد الرسمي بكونه – الجمهورية السورية – .

غير أنّ المفوض الفرنسي السامي رفض نشره “لمخالفته صكّ الانتداب وحقوق الدولة المنتدبة”.في عام 1930 نشر المفوض الفرنسي الدستور بعد أن أقرّته الجمعية التأسيسية تحت ضغط الشارع والقوى السياسية ، ونظّمت انتخابات نيابية ، بإشراف حكومة سالومياك المؤقتة . بإقرار دستور 1930 واعتماد اسم رسمي جديد وعلم جديد ، ومؤسستي مجلس نيابي ورئاسة منتخبتين ، تأسّست الجمهورية السورية الأولى ، لتكون ثاني دولة عربية تتبنّى النظام الجمهوري وثالث دولة شرق أوسطية بعد تركيا و‌لبنان . ووصل محمد علي العابد ، وهو أحد وجهاء دمشق الأثرياء إلى رئاسة الجمهورية بتوافق الكتل النيابية الثلاث الكبرى ، كتلة الشمال برئاسة صبحي بركات ، وكتلة الجنوب برئاسة حقي العظم ، و‌الكتلة الوطنية برئاسة هاشم الأتاسي . والصفقة ذاتها نصّت على انتخاب بركات لمنصب رئيس البرلمان، وأن يشكّل العظم الحكومة مناصفةً بين الوطنيين والمعتدلين أو “الانتدابيين”، أما العابد فكان مستقلاً محايدًا .

مع شرارة الإضراب الستيني لعام 1936. عُقِد أول اتفاق من نوعه بين الكتلة الوطنية والمفوضية الفرنسية، نصّ على تشكيل حكومة محايدة للإشراف على الانتخابات ، وسفر وفدٍ سوري إلى باريس للتوصل إلى معاهدة استقلال . مكث الوفد برئاسة هاشم الأتاسي في باريس ستة أشهر ، وتوصّل لمشروع المعاهدة السورية الفرنسية 1936، ولدى عودة الوفد جرت انتخابات نيابية ، أدّت إلى فوز الكتلة الوطنية بأغلبيةٍ ساحقة ، وتوحيد البلاد السورية بالشكل المعروف عليه اليوم ، ورغم أنّ النظام الأساسي كان فيدرالياً ، إلا أنّ نواب المحافظات الفدرالية أعلنوا إلغاء الفيدرالية واعتماد دولة مركزية لتحقيق ” المساواة ” مع سائر المحافظات السورية . وفي أول جلسة للبرلمان الجديد استقال العابد لأسباب صحية ، وحسب رأي مؤرّخين عديدين فإنّ العابد قد استقال لإتاحة الفرصة لحكم الكتلة الوطنية ، وبأكثريته الساحقة ، انتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية ، وتوحّدت البلاد بالشكل المعروف عليه اليوم في أعقاب الانتخابات ، وأقرّ المجلس المعاهدة السورية الفرنسية لعام 1936 التي نصّت على استقلال البلاد ، غير أنّ السلطات الفرنسية تلكّأت في إقرارها ، ومن ثم حالت الحرب العالمية الثانية في اعتمادها . سارت حكومة جميل مردم نحو خطوات إدارية هامة ، واعتمدت النشيد الوطني السوري . في العام التالي فُصِل لواء إسكندرون مجدداً ومنح حكماً مستقلاً ، وكان يُعتبر منذ 1928 جزءً من الدولة السورية.

أثار استقلال اللواء بقرارٍ من المفوض الفرنسي السامي احتجاجات ضدّ حكومة جميل مردم واتُّهِمت بالفشل في الحفاظ على وحدة البلاد أو إقناع الفرنسيين بإقرار المعاهدة ، في عام 1939 شكّل تعديل قانون الأحوال المدنية وضمّ لواء إسكندرون “المستقل” إلى تركيا ، أزمة سياسية – شعبية كبرى، فاندلعت احتجاجات 1939 التي استقالت في إثرها حكومة جميل مردم ، وفشلت حكومتا الحفار والبخاري في احتوائها، وبنتيجة الفشل الحكومي قدّم الرئيس الأتاسي استقالته في يوليو 1939، وفي أعقاب الاستقالة أصدر المفوض الفرنسي السامي قراراً أوقٍف به العمل بالدستور ، وحلّ المجلس النيابي، وشكّل حكومة مديرين وهي ظلّت حكومة ادارية ولم تقم بأيّ عملٍ سياسي ، وقد تشكّلت الحكومة من المدراء العامّين في الوزارات برئاسة مدير عام وزارة الداخلية بهيج الخطيب الذي تولّى أيضاً مهام رئاسة الدولة ، خلال رئاسة الخطيب أصبحت سوريا تابعة لحكومة فيشي الموالية لألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية .

فُرِض على سوريا منذ يوليو 1940 حصار اقتصادي من قبل الحلفاء، واستُخدِمت مقدرات البلاد في خدمة الجيوش الأجنبية، وأغلِق أنبوب النفط العراقي الذي يمرّّ في الأراضي السورية ويزوّد فرنسا بنحو ربع إيراداتها من النفط، وأوقِفت المبادلات التجارية بين سوريا ولبنان والبلدان المجاورة ، وتأسّست في حيفا إذاعة ناطقة باسم “فرنسا الحرّة” مهمتها تحريض السوريين على الثورة. الحصار الاقتصادي كان ذا نتائج وخيمة ، منها ارتفاع أسعار السلع الأساسية ، فعلى سبيل المثال ارتفع سعر الخبز أربعة أضعاف ما كان عليه عند بدء الحرب.

عام 1941 أنهِيت مهام الخطيب كرئيس للدولة وتشكّلت حكومة مؤقتة برئاسة خالد العظم استعداداً لإعادة العمل بالدستور، وتزامناً كان الحلفاء قد جرّدوا الحملة السورية – اللبنانية في الحرب العالمية الثانية لمنع ألمانيا من استخدام سوريا كمعبر لضرب مصالح الحلفاء في مصر أو العراق . نجحت الحملة من طرد الحلفاء ، ودخلت قوات فرنسا الحرّة معززة بالجيش البريطاني بعد معركة دمشق أواخر يونيو 1941. بعد مدةٍ قصيرة من دخول الحلفاء ، اختير تاج الدين الحسني رئيساً للجمهورية ، وفق الدستور الذي أعيد العمل به ، ومن ثم تمّ إعلان استقلال سوريا يوم 28 سبتمبر 1941، على أن تُجرى الانتخابات النيابية حالما سنحت الظروف الدولية بذلك. وفي أعقاب إعلان الاستقلال بات المندوب الفرنسي يُدعى «الممثل الفرنسي العام». في يناير 1943 توفّي الرئيس الحسني وهو على رأس عمله، فشكّّل المندوب السامي الفرنسي ، خلافاً للدستور إنما بالتوافق مع الطبقة السياسية لاسيّما الكتلة الوطنية ، حكومة مؤقتة برئاسة عطا الأيوبي للإشراف على الانتخابات النيابية .

معركة دمشق ( 18 – 21 يونيو 1941 )

كانت المرحلة النهائية لتقدم الحلفاء إلى دمشق في سوريا ، ففي 8 يونيو 1941 تقدّمت فيالق من الجيش البريطاني قادمة من منطقة الانتداب البريطاني على شرق الأردن، وفتحت الطريق لقوات فرنسا الحرّة للسيطرة على دمشق العاصمة . في 17 يونيو وقعت معارك عنيفة استمرّت في 18 يونيو بين القوات البريطانية وقوات فيشي في محيط دمشق ونظراً للتفوق البريطاني وتقهقر جنود فيشي تمّ توقيع اتفاق الاستسلام يوم 21 يونيو 1941، وسيطرة الحلفاء ودخول شارل ديجول إلى دمشق . وأعيد العمل السياسي وتشكّل إطار لنظامٌ جمهوريٍ برلمانيٍ . وقد شهدت البلاد في ظلّ الجمهورية الأولى أحداثاً هامةً منها النجاح في توحيد البلاد السورية بالشكل المتعارف عليه اليوم بعد انضمام دولة جبل العلويين و‌دولة جبل الدروز لها في ديسمبر 1936 وسلخ لواء إسكندرون عنها وإلحاقه نهائياً بتركيا عام 1939، وإعلان الاستقلال عام 1941 فالجلاء الفرنسي عام 1946، غير أنّ ما عكّر صفو تلك المرحلة تتالي ثلاثة انقلابات عسكريّة عام 1949 تمكنت البلاد بعدها من استعادة حياتها الديموقراطيّة فعلياً عام 1954 إثر تنحّي أديب الشيشكلي، كما شهد عهد الجمهورية الأولى انقلاباً عسكرياً قاده ضباط حزب البعث العربي الاشتراكي في 8 آذار 1963 على الرئيس ناظم القدسي ورئيس الوزراء خالد العظم ونفي الطبقة السياسيّة خارج البلاد والتفرّد بحكم البلاد . وليدخل البلد في أنفاق وظلمات البعث ومتحوراتها …

..

• البحث إعداد وقد اعتمدنا على مراجع كثيرة لغاية العرض السلس من جهة وكثافة كما وتداول معلوماتها والغاية الاساس هنا:  

1- إنّ فكرة الإتحاد هي ليست بدعة كُردية ولغاية انفصالية .                                       

2- الجزيرة كعنوان ومفصل حيوي لإستمرار أية دولة سورية وتحت أيّ مسمّى . 

3- الحقائق التي انكشفت عن دور حزب البعث وممارساته العنصرية في جعل سوريا خزّاناً للكراهية والتفرقة العنصرية وما أفرزته انقلاباته العسكرية من مقدمات حتى آلت بنا أوضاع سوريا لما هي فيه.

•• سيتبع في القسم الأخير تطورات كُردستان بعد لوزان ومتواليات ثورة الشيخ الشهيد سعيد بيران ودور الكُرد في وحدة سوريا ومن ثم الأنشطة الثقافية والسياسية لهم وصولاً إلى أيامنا هذه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى