من الصحافة العالمية

انتحرت القنبلة وهُزِم الممثلون

آزاد عنـز

انفجرت القنبلة الانتحارية في حرب مجهولة بين طرفين مجهولين على أرض مجهولة في الساعة الخامسة والعشرين بتوقيت المجهول، انتحرت القنبلة المتبنية للفكر الجهادي فسحقت جسدها لتبقى روحها لعنة تلاحق أجساد الأحياء من الآدميين. تقدمت القنبلة إلى امتحانها في اللحظة الموعودة لميعادها واستشهدت، كل قنبلة تنجح في امتحانها متى ما كانت روحها لعنة تسحق أجساد الآدميين وتفشل في الامتحان، متى ما كانت روحها بريئة خالية من الموت فتخسر جسدها و الامتحان معاً كأيّ رصاصة حية تُخطِئ الهدف فتُخطئ الموت أيضاً ليحافظ الجسد على حياته وتبقى الرصاصة فاشلة في برهانها.

كل جسد هدف يُخطئ الموت الهارب من الرصاصة في تجريده من روحه يبقى حياً منتصراً ويبقى البارود مهزوماً ومُخفقاً في الاختبار. انفجرت القنبلة ونثرت لعنتها على الأحياء فلم تمزقهم مزقاً تاماً وإنما عطلت أعضاءهم عن مزاولة مهامها فأصبح أحدهم أعمى البصر وأصبح الثاني أطرش السمع وكان نصيب ثالثهم في النطق فصار أخرس. لم يهزم أحد و لم ينتصر أحد لا القنبلة ولا الأجساد فحصلت القنبلة على نصف العلامة المقررة في الامتحان لعدم طحنها للأجساد فكان انتصارها ناقصاً غير كامل. قنبلة غريبة في أمرها حافظت على أجسادهم لتبقى حية مُعذبة. ثلاثة أشخاص تقمّصوا شخصيات ضحايا القنبلة العجيبة في أمرها فتقمّص ( جهاد ) شخصية الأطرش كي يُسعف أُذني الضحية إلى السمع و قَلّدَ ( سالار ) شخصية الأعمى كي يُنجد عين الضحية إلى البصر و حاكى ( عباس ) شخصية الأخرس كي يُغيث لسان الضحية إلى النُطق. ثلاثة فشلوا في إسعاف أعضائهم المُعطلة عن العمل فأُرغم كل واحد منهم على الاستعانة بالآخر في ما ينقصه من الأعضاء فكان الأعمى ينظر بعينيّ الأخرس والأخرس ينطق بلسان الأطرش والأطرش يسمع بأُذنيّ الأعمى. ثلاثة أجساد بأعضاء واحدة تُكمل بعضها البعض.

تدرّب الشُبان الثلاثة على أداء أدوارهم على خشبة المسرح التي تحضنها مدينة القامشلي في الشمال السوريّ، تقمّص كل واحد منهم دوره بإتقان بحثاً عن علاجٍ يعيد كل عضوٍ مُعطل إلى كماله من دون نُقصان، فلجأ الضحايا إلى حكيمٍ يُطبب الأعضاء في غابةٍ مجهولة حيث تقمّص شخصية الحكيم ( آزاد ) الفاشل أبداً في إتقان دوره و بعد الفحص والمعاينة كان العلاج ضحية جديدة لينتفع كل مريضٍ من عضو الضحية الذي ينقصه. عاد الثلاثة بحثاً عن ضحيةٍ تُنجدهم من خساراتهم فتأمل الأطرش جهاد عميقاً في الضحية الجديدة ولم يُسعفه تأمله إلى الصواب فأنجدته لعنة الأنا إلى قتل أحد أصدقائه ليستثمر أعضاءه الصالحة للعمل، وفي ليلة مظلمة هادئة طُعن الأخرس عباس عمداً بطعنةِ غدرٍ من الأطرش جهاد فأطلق الأخرس صهيلاً فسمع الأطرش صُراخ الأخرس فكانت الصدمة هي الدواء كما كانت هي الداء وليست الضحية كما وصف الحكيم. عاد السمعُ للأطرش وتحرر النُطق من اللسان الأخرس واسترجع العماء اللون الهارب من بصر الأعمى بعد الصدمة ولكن قُتل الأخرس لينتهي العرض بهذا الشكل. وقبل موعد العرض بيوم واحد قصد الممثلون خشبة المسرح لأداء آخر تجربة للأدوار قبل عرضها على الجمهور إلا أن القنبلة كانت تنتظرهم، قُنبلة توارت عن الأنظار فاختبأت في حاوية القمامة لتكون من نصيب فتاةٍ متسولة تبحث بين القمامة لعل القمامة تنجد بطنها الخاوي تماماً. انفجرت القنبلة بجسد المتسولة لتكون الضحية الحية المُسعفة لأعضاء الضحايا الممثلين. انتحرت القُنبلة لتبقى سِتارة المسرح مغلقة إلى أبد الآبدين. انتصرت القنبلة وحيدةً وهُزم الممثلون والجمهور المنُتظِر.

القدس العربي

 

 جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى