أمريكا و المسار السياسي الجديد في سوريا
مزكين شوقي
بالكاد أن ينتهي عَقْد من سنوات الحرب الطاحنة في سوريا، ومازالت تلك الجهود الدولية لحلّ الأزمة شبه مستعصية أمام رغباتها، و خاصةً الدول التي تمتلك نفوذاً عسكرياً قوياً، و قرارات سياسية هامة في هذا الشأن ، و ذلك تماشيا مع هاجس الخوف المسيطر عليها للحفاظ على مصالحها داخل سوريا .
و من الطبيعي ان تسعى الدول الفاعلة في هذا الصراع لايجاد حلفاء لها من قوات محلية تدعمها بإمكانيات سياسية و عسكرية .
فالأستراتيجية التي كانت تتبعها أمريكا في السنوات المُنصرمة مع بداية تدخلها العسكري في سوريا، وخاصةً بعد تشكيل تحالفٍ دولي ضدّ الارهاب ( داعش ) ، لم تتوافق مخططاتها مع المدّ العسكري الإيراني في المناطق السورية، و الذي بلغ عدد الفصائل الايرانية فيها لأكثر من ( ٥٠ ) فصيلاً، يتوزّع معظمهم بين حمص و حلب و دير الزور و بالقرب من الحدود الإسرائيلية، و لكن كانت اهم مراكز تواجدها في مطار دمشق الدولي : قوات الحرس الثوري و فيلق القدس و حزب الله اللبناني و لم تسنح الفرصة لأمريكا لإنهاء تلك الفصائل حتى بعد هزيمة داعش .
و بالمقابل لم تقف تركيا مكتوفة الأيدي بل حاولت المناورة و الضغط على التواجد الأمريكي في سوريا و بتعاونٍ روسي واضح، لتعتبر من نفسها جزء من الحرب على الإرهاب، و حتى تضمن بأن تكون عنصر التوازن مع ايران .
فنالت هي الأخرى رغبتها في احتلال بعض المناطق من سوريا كالباب و جرابلس و عفرين و شمال ادلب و لاحقاً تل أبيض ( كري سبي ) و رأس العين ( سري كانييه ) و ذلك بعد انسحاب القوات الأمريكية من المنطقتين الأخيرين . و كان كلّ هذا برضى أمريكي ايضاً و خاصةً بعد زيارة المبعوث الأمريكي جيمس جيفري إلى أنقرة ليتجنّب الصراع مع أي دولةٍ تربطهم بها مصالح مشتركة خارج أو داخل سوريا .
أما عن الدور الروسي و تمسّكه ببقاء الأسد على كرسي الرئاسة حتى هذا الوقت كان بمثابة جدار يصعب خرقهُ أمريكياً نتيجة التفاهمات الحاصلة بين الروس و الأمريكان من جهة و إسرائيل و روسيا من جهةٍ أخرى و بقيت شمّاعة الروس في بقاء الأسد اصلاً لشرعنةً مصالحهم و تأمين حدود دولة إسرائيل حتى إن تمّ مؤخّراً تعيين ممثلٍ خاصٍ لبوتين في سوريا يُدعى الكسندر يفيموف كسابقةٍ خطيرة لأمن و سيادة الدولة السورية لأنّ هذه الخطوة الروسية نُفّذت حتى بدون شروط علنية أو عقد أي مفاوضاتٍ مع الأسد ليتحكّم الحاكم الروسي السوري بنفوذٍ كبير متمكّناً من توسيع قاعدة حميميم العسكرية و بسط نفوذه في مياه البحر المتوسط على كامل الساحل السوري و حتى يتسنّى للروس التحرّك داخل سوريا براً و بحراً و جواً .
و بعدما أمّن الروس ما يطمئنهم لمستقبل مصالحهم في سوريا صرّح الرئيس الروسي بوتين لصحيفة بيلد الألمانية ( بأنّ من حق روسيا منح اللجوء السياسي لبشار الأسد ولم يعد مهماً بقاء الأسد على كرسي الرئاسة في الدستور الجديد أو الانتخابات القادمة في سوريا ) . وبهذه النقطة بالذات يتضح لعموم الشعب السوري و حلفائهِ في المنطقة بأنّ بشار الأسد كان يمارس سياسة الكيل بمكيالين و المساومة على جميع المناطق في غربي سوريا و منح الروس كامل الصلاحيات للتصرف بالمنطقة مقابل حفاظ الروس على حياته و حياة عائلته .
ولكن على يبدو ابتغت روسيا مبتغاها و لم يعد يهمّها كثيراً بقاء الأسد من عدمه و ما يلاحظ من تناحر في العائلة المتنفّذة على السلطة السورية أوصل بهم الحال إلى خلاف علني وخاصةً بين رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار و الرئيس نفسه ليثبت بأنّ صلاحية بقاء بشار كرئيسٍ باتت محصورة ما بين قاب قوسين .
و بغضون العشر سنوات من الحرب الطاحنة في سوريا تحوّل شكّ الشعب السوري إلى يقينٍ تام بأنّ سياسة النظام السوري كان هدفها تثبيت أركانه و ذلك من خلال تعاونه مع الميليشيات الشيعية و بعضٍ من القوات الروسية المرتزقة بالإضافة إلى الدعم الروسي الرسمي عسكرياً و سياسياً ليكون بذلك قد قضى على البنية التحتية و البشرية و تحويل سوريا إلى بؤرة صراعٍ قل نظيره في العالم .
و الآن تحاول أمريكا جاهدة و خصوصاً بعد قرار عودة قواتها إلى سوريا ثانيةً، لترتيب بعض الأوراق و تكمن أساسيات استراتيجيتها في عدة نقاطٍ منها محاربة داعش و حماية النفط و الضد من الزحف الايراني نحو سوريا و تعطيل حلم الهلال الشيعي و تحقيق التقارب الكُردي – الكُردي و الضغط المتكرّر على النظام لقبول التسوية السياسية و الامتثال للقرارات الدولية ذات الشأن .
و لعلّ من أكثر الأوراق أهميةً و خصوصيةً هنا هي فقرة التقارب الكُردي – الكُردي لما له من اهمية بالغة، و إذا ما تمّ ذلك، فحتماً ستؤدّي هذه الاتفاقية إلى تغيّر جوهري في مسار و جوهر مستقبل سوريا برمتها و يعود ذلك لعدة أسباب :
اولا : الكُرد و شركاؤهم العرب الآن يسيطرون على ثلاث محافظات سورية تحت مظلة القسد و ستلحقها القوة العسكرية بيشمركة روج لاحقاً .
ثانيا : تحظى هذه المنطقة بنفوذٍ أمريكي سياسي و عسكري .
ثالثا : هذه المنطقة تُعتبر من أكثر المناطق السورية الغنية اقتصادياً .
رابعا : ستشكّل هذه المنطقة بدايةً جديدة لشكل الدولة السورية .
خامسا : الضغط السياسي المنتظَر الذي سيظهر لاحقاً على كلٍّ من النظام و المعارضة للاعتراف بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكُردي في سوريا كشعبٍ يعيش على أرضه التاريخية .
و ختاماً تحاول أمريكا رسم سياستها الجديدة في سوريا، لذلك فهي تحاول ان تخلق توافقاتٍ جديدة من جهةٍ و تضغط على كلّ الأطراف الغير مرغوبة لها من جهةٍ أخرى لانهائها تماماً و بذلك ستنتج حتماً النسخة المطلوبة لها في سوريا المستقبل .