آراء

الثورة السورية في ذكراها الحادية عشرة…..بانوراما

فؤادعليكو

تمرّ هذه الأيام الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية، بكلّ نجاحاتها وإخفاقاتها و مآسيها، التي تُعتبر بحق من الثورات التاريخية الرائدة في مقارعة الاستبداد والقمع العاري، بحثاً عن الحرية والكرامة، ولازال الشعب السوري يدفع الثمن باهظاً يومياً، عدا عن تدمير مئات الآلاف من المنازل والمرافق الحيوية كالمدارس والمستشفيات، واستشهاد ما يقارب المليون إنسان ،إضافةً إلى تهجير نصف السكان، بين نازح ومهجّر ومع كلّ ذلك لم يتمكّن النظام من القضاء على الثورة أو السيطرة على كامل الجغرافيا السورية بعد كلّ الدعم الروسي والإيراني السياسي والعسكري ، إذ لا يزال ما يقارب 40% من الجغرافيا السورية خارج سيطرة النظام، وهذا يقودنا إلى القول بأنه من الصحيح أنّ الثورة لم تنتصر بعد، ولكن الصحيح أيضاً أنّ النظام لم ينتصر ايضاً .

لكنّ كلّ ذلك لا يعفينا من القيام بمراجعةٍ موضوعية لمسيرة الثورة، أين نجحنا وأين اخفقنا؟.وهذا يتطلّب من كلّ باحثٍ ومتابعٍ سياسي أن يدلو بدلوه في تقييم تلك المرحلة، وعليه يمكننا القول بأنّ الثورة السورية مرّت بأربع مراحل أساسية ( السلمية والعسكرة والأسلمة والتدويل ).

ففي مرحلة سلمية الثورة، كانت الأجواء السياسة في العالم العربي، خاصةً بعد ثورات تونس وليبيا ومصر، تنبّىء بقيام ثورة في سوريا، وأن غلياناً يجري في الشارع السوري، خاصة وأنّ النظام كان أكثر قسوةً من النظم الدكتاتورية الآنفة الذكر، ومع ذلك لم تقم المعارضة السورية التقليدية بإجراء تقييم موضوعي للمرحلة، وتحضير جيد لما هو قادم ، لذلك انتفض الشارع السوري متجاوزاً أطر المعارضة المعروفة، لكنه لم يتمكّن من تشكيل قيادة موحدة لإدارة ذلك الانفجار الكبير، الذي توسّع بشكلٍ غير مسبوق، متجاوزاً المحافظات والمناطق والنواحي إلى القرى، حيث تشكّلت على إثر هذا التوسع الكبير تنسيقيات لاحصر لها، دون وجود رابط موحّد بينها، ودون وجود صلات حقيقية بينها وبين القوى السياسية التقليدية، لذا أصبحت لكلّ حارة وحي قيادة خاصة بها، وهذا ما شكّل مقتلاً للثورة لاحقاً، إذ كيف يمكن للثورة أن تنجح بدون قيادة تنظّم العلاقة بين الثوار، إضافةً إلى فقدان الرؤية السياسية لسوريا المستقبل، سوى إسقاط النظام والمطالبة بالحرية والكرامة، الأمر غير الكافي لثورةٍ تهدف لإحداث تغييرٍ سياسي جذري في بنية النظام.

لكن في الجانب الآخر تحرّكت القوى السياسية مؤخراً للملمة الوضع وإيجاد رابط مشترك بينها، فكانت ولادة المجلس الوطني السوري بعد ستة أشهر من الثورة، وهذا التأخير غير المبرّر انعكس سلباً على أدائها فيما بعد ، حيث لم تتمكّن من توسيع دائرة تمثيلها الشعبي والسياسي كما يجب، وحملت معها جنين فشلها، لذلك لم يطل عمره لأكثر من عام حتى ابتدأ البحث عن تشكيل إطار جديد، فكان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في الدوحة في نهاية 2012 كبديل سياسي مقبول، ثم تمّ انضمام المجلس الوطني الكُردي إليه في 2013 فأعطاه طابعاً أشمل لتمثيل الشعب السوري ،لكن في الجانب الآخر، وفي تلك المرحلة، دخلت الثورة مرحلة العسكرة، ولم يتمكّن الائتلاف من السيطرة على الحالة العسكرية، وكانت نقطة ضعفه الأساسية ولا يزال.

مرحلة العسكرة : نتيجةً للقمع العاري من قبل أجهزة النظام بالرصاص الحي وزجّ الجيش في الصراع لقمع المظاهرات السلمية ، دفعت الكثير من الضباط وضباط الصف والجنود وكذلك قوى الأمن الداخلي إلى الانشقاق، و أعلنوا عن رفضهم المشاركة في قمع الشعب، مما دفع والحالة هذه بالعديد من الضباط إلى الإعلان عن تشكيل الجيش الحر ، لكن ومما يؤسف له أيضاً لم تتمكّن تلك القيادة من تشكيل قوة عسكرية موحدة، وأصبح لكلّ تنسيقية قوة عسكرية خاصة بها وشعارات متباينة بعيدة عن الهدف السياسي العام للثورة السورية، الأمر الذي كان مقتلاً اساسياً ثانياً للثورة السورية ،فكيف تنجح ثورة دون وجود قيادة عسكرية موحدة ، وقد أدرك الائتلاف متأخراً هذا المأزق، وحاول في 2015 توحيد هذه الفصائل، ولوحظ أنّ تعداد أسمائهم كان مذهلاً، حيث ورد للائتلاف 1163 اسماً ، كما لوحظ أنّ معظم تلك الأسماء كانت تحمل عناوين إسلامية أو لشخصيات تاريخية إسلامية، وعمل الائتلاف على توحيدها تحت مظلة وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، لكنه فشل عملياً، وبقيت الوزارة اسماً، ليس إلا، في الواقع العملي وحتى الآن.

مرحلة الأسلمة: لم تولِِ القوى الديمقراطية و اليسارية والعلمانية الليبرالية الأهمية المطلوبة لهذا التحول الكبير في إتجاه الثورة من السلمية الى العسكرة، علماً أنّ جميع الضباط وضباط الصف والجنود وهم بعشرات الآلاف كانوا بعيدين عن التوجه الإسلامي نتيجة إبعاد النظام الإسلاميين من صفوف الجيش بشكلٍ ممنهج، وبالتالي هؤلاء الضباط والجنود لم يجدوا مَن يحتضنهم سوى التيار الإسلامي الذي كان حاضراً ونشطاً في الاهتمام بالجانب العسكري، واستوعب العديد منهم ضمن صفوفه بطريقةٍ انتقائية تخدم توجههم السياسي إلى حدٍ ما، لكنّ الغالبية العظمى منهم أصبحوا في المخيمات يعانون ظروف العيش القاسية، فكانت الهجرة الى الغرب الملاذ الأفضل لهم للخلاص من هذه المعاناة، وفقدت القوى الديمقراطية أكبر مخزون داعم لهم على الأرض، في المقابل استفرد الاسلاميون بالساحة العسكرية كلياً، ومارسوا سياسة الاستحواذ على القرار السياسي والعسكري للثورة أو تهميش دورها، متأثراً بما حصل في تونس ومصر ، وكان هذا خطأً كبيراً ارتكبه، فقد استغلّ النظام هذه الوضعية بتصنيف الثوار بأنهم إرهابين إسلاميين، خاصةً وأّن التيار الإسلامي المعتدل لم يقم بإبعاد منظمة القاعدة المتمثلة بجبهة النصرة من المشاركة في الثورة، ثم خرجت من رحم النصرة منظمة داعش الأكثر تطرفا والتي حاربت الجميع واستحوذت على نصف الجغرافيا السورية بطريقةٍ وحشية، ولم يدرك التيار الإسلامي المعتدل خطأهم إلا مؤخراً، لكن بعد أن فقد الكثير من قواه وجغرافيته لصالح هذه المنظمات الإرهابية وفقد معها سمعته كقوة فاعلة مع القوى الديمقراطية لبناء سوريا المستقبل.

مرحلة التدويل: بدأت مرحلة التدويل بالتدخل العسكري الإيراني وحزب الله والفصائل العراقية الموالية لإيران إلى ساحة الصراع في سوريا منذ 2013، وبلغ الذروة بالتدخل العسكري الروسي الكبير 2015 لصالح النظام تحت ذريعة محاربة الإرهاب ، ثم أعقب ذلك التدخل العسكري الأمريكي من نفس العام لمحاربة داعش ثم التدخل التركي 2017 تحت نفس ذريعة محاربة الإرهاب، وبذلك تحوّلت الجغرافيا إلى مناطق نفوذ لهذه الدول إضافة للتدخل العسكري الإسرائيلي الجوي في الصراع مع إيران، ولازال الوضع مستمراً حتى اليوم، وبذلك تحوّل الصراع في سوريا إلى صراعٌ على سوريا بين القوى الإقليمية والدولية، مما خلقت الوضعية هذه اصطفافات إقليمية ودولية واضحة وفقدت القوى السورية، سواءً النظام أو المعارضة الكثير من قرارها المستقل، وتعقّد الوضع أكثر أمام إيجاد مخرجٍ للأزمة على الرغم من تعاقب أربع ممثلين دوليين حتى الآن وانعقاد العديد من الجلسات منذ 2014 دون أن يسفر عن أي تقدمٍ حقيقي، أو حتى بوجود بوادر أمل، وأصبح الحل السياسي للأزمة السورية مرهونا بتوافقات الدول الإقليمية والدولية وتحديداً التوافق الروسي/الأمريكي وهذا لايزال بعيد المنال، خاصةً بعد التدخل العسكري في أوكرانيا.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 296

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى