آراء

الحركة الكُردية في سوريا والتنظيم النسوي

ليلى قمر – ديريك

كان لتعرّض الحزب الى حملة اعتقالاتٍ عنيفة ، على إثرها دخل في حالة ركودٍ ، وهيمن نوع من الرهبة ، كما الملاحقة الشديدة لغالبية أعضاء وكوادر الحزب ، رغم كلّ ذلك ، لا بل وفي هذه الظروف ، ورغم وجود السكرتير وغالبية القيادة داخل المعتقل ، كان الحزب بحدّ ذاته بنيوياً ، يمرّ بأزماتٍ تنظيمية حادة ، ومعها شبح الإنشقاق لا في الخارج فقط ، بل حتى داخل المعتقل ، وبالفعل وكما استذكر من أحاديث العم الراحل – محي كوجر – لقد كان أو أصبح الحزب منشقّاً عملياً ، كان هناك شرخٌ كبير بين الداخل والخارج ، زاد فيها الخلاف داخل قيادة الداخل ، ووسط هذه الأجواء ، وأمام الملاحقة العنيفة ، وحالات اختباء مَن بقي من القادة والكوادر ولم يُعتقل ، طفت ملامح خلافات حادة بين أطر قيادية ، وبات واضحاً بأنّ الحزب يتجه نحو التشظي عملياً ، وذلك منذ أواسط الستينيات، وبات واضحاً أنّ هناك عملياً ثلاث توجهات ، اثنان منهما تبلورا ( اليمين واليسار ) تنظيمياً وبقيت هناك كتلة واسعة ممن استنكفوا تنظيمياً، وهي الكتلة الصامتة والتي انحازت فيما بعد إلى كتلة المعارضة للطرفين والتي ارتبطت بشخص الراحل كنعان عكيد ، هذه الكتلة التي ضمّت عملياً كلّ مَن أراد أن يبقى الحزب موحداً من جهة ، ومتمسكة كما داعمة حقيقية لثورة كُردستان العراق ، وهنا وعلى ما أذكره وما ينقل على لسان عم والدي محي كوجر اليساري – فقد انعكست خلافات القيادة في كُردستان العراق بين القائد مصطفى البارزاني ممثلاً عن الثورة الكُردستانية وغالبية كوادر الحزب وجماعة المكتب السياسي وبشخص ابراهيم احمد وجلال الطالباني وملا ماطور ، وبرز واضحاً انحياز المجموعة التي قادها الراحل عبدالحميد حاج درويش مع جماعة المكتب السياسي – جناح ابراهيم احمد – وكتلة المعارضة ومجموعة الخامس من آب طبيعي أنّ ولاءهم كان للثورة وقائدها الملا مصطفى البارزاني ، وبات الرهان في طبيعة المآل على موقف القائد من أي الطرفين ليصبح هو الشرعي ، وجاء كونفرانس الخامس من آب التي شرخت الحزب عملياً ، وأمام هذا الواقع والتشظي ، وكذلك حملة الاعتقالات التعسفية عام 1966 ، طبيعي أنّ مجرد التطرق لوضع المرأة تنظيمياً سيكون نوعاً من الترف ، بقدر ما بقيت محافظة على ذات النسق أي وفق ولاء وتوجهات العوائل التنظيمية ، كأن نقول بأنّ الأسرة الفلانية هم من أتباع جلال أو البارزاني ، ورغم أنّ كونفرانس الخامس من آب كان قد اتخذ مساراً أو توجهاً يسارياً ، ومالبث أن التزم بالماركسية ، وهنا واختصاراً ، أرى لزاماً علي العودة إلى صلب الموضوع ، ونتساءل ببساطة : وأين كانت المرأة الكُردية ؟ والتي بطبيعة الحال كانت لم تزل على هامش التنظيم الحزبي ، وظلّت مرهونة بتابعية أسرتها ، وإن كانت بعضهنّ قد اشتهرن أسرياً ضمن الاتجاهين ،

ومع بداية ظهور بعض النيّات المطالبة بوحدة الحركة، والذي بات مطلبها جماهيرياً ملحاً ، ومع الأيام والظروف ، مالبث أن ساهم ذلك الحراك لابل أخذت ملامح توجهٌ ثالث يظهر وأدّت إلى ظهور القيادة المرحلية ، ومعها بدأ المشهد ينكشف عن حراكٍ سياسي نسوي وببطءٍ، ولكن سرعان ماتمّ إلغاء الأطر التنظيمية النسوية ، نتيجةً للضغوطات الأمنية الكبيرة ، وصوناً للعادات والتقاليد ، وإن لم يمنع هذا الأمر من ظهور حلقات أو مجموعات نسوية محسوبة على الأحزاب عائلياً ، ومع تنامي التنظيمات وتطور التعليم وزيادة وانخراط الفتيات في المدارس ، مالبثت أن ظهرت مجاميع منهن كمؤازرات ومؤيدات للأحزاب ، وتطورت فيما بعد وتأطّرت ضمن خلايا وفرق ، وإن بقيت على نطاقٍ ضيق ولم تتأطّر ، ولكن بعضها وخاصةً التوجه اليساري منه مالبث أن نمت بُناها التنظيمية وبعضها أسّست منظمات نسوية خاصة على هامش التنظيمات ، وإن كان كلّ منها ضمن حلقاتها النسائية ولتخطو مع الأيام بعضٌ من الأحزاب خطواتٍ عملية أكبر ، فافرزت حلقات وفرق حزبية خاصة بالمرأة ، ساهمت في دعمها أنشطة الفرق الفولكاورية وأيضاً زيادة نسبة المتعلمات ، ولكن ظلّت تلك التنظيمات بهيكلياتها مستقلة ، وأمام النجاح وأيضاً روح التفاني والإيمان بالقضية القومية ، ورغم كثير من العثرات والصعوبات ، وكعامل هام تجسّد في إيمان المرأة الكُردية بنديتها للرجل وشراكتها له في حمل همّ القضية القومية ، ومنذ أواخر السبعينيات أخذت المرأة تتأطّر ضمن هيكليات التنظيمات الكُردية ، في البداية كفرق وبأعداد متواضعة مالبثت أن تطورت عدداً ونوعاً وبات انضمام الفتاة ، وبعبارةٍ أدق انخراطها في العمل التنظيمي أمر شبه مفرّغ ، ومع تقدم الوعي السياسي والتنظيمي ، برزت منهن وجوه قيادية ، وأقلام برعت في توصيف وتشخيص الواقع السياسي والتنظيمي ، لابل ظهرت منهنّ قيادات نسوية – سياسية وبات العمل التنظيمي مسألة جدّ اعتيادية للمرأة تخوض مجالاتها وعلى أرضية الإنخراط التنظيمي السياسي ، باتت الآفاق مفتوحة للنسوة وفي مجالات عدة إجتماعية وسياسية ، ودخلت التنظيمات وتدرّجت صعوداً أيضاً في منظماتها وأطرها ، وتبوّأت مناصب عديدة ، فلم يعد غريباً مثلاً أن تُرى سكرتيرةً لحزب أو قياديةً من النسق الأول ، ناهيك عن المشاركة في معظم الأنشطة ابتدأت من الأعمال الميدانية كالاحتجاجات والاعتصمات ، لابل وكلّ الوسائل النضالية ، وباتت لها هيكلياتها وبُناها التنظيمية ، وإن ارتقت فيما بعد – نسبياً – إلى نوعٍ من التشارك التنظيمي المختلط ، وكلّ ذلك وفقط لهدفٍ رئيس تجسّد في السعي وبدأب في التشارك النضالي لتأمين الحقوق القومية المشروعة للشعب الكُردي . وقد أثبتت المرأة الكُردية في انتفاضة قامشلو 2004 عن عظيم شجاعتها وكذلك في كلّ المراحل التي تلتها وصولاً إلى أيامنا هذه ، والمخاض الذي يعيشه السوريون جمعياً ، حيث أثبتت المرأة ، بأنها لم تكن أقل شجاعةً من الرجل في أي مجال أو ساحة نضال سياسي كان منه أو عسكري ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى