الحوار مع النظام.. والتهافت على وليمة السراب!!
عمر كوجري
بعد كل موقعة دامية، لا بد أن يركن الجميع إلى طاولات التّحاور، ويبدؤوا بنسج موضوع جديد بعيد عن قصص الدم والقتل والثأر، ومحاولة تناسي الآلام والمواجع الكبرى رغم صعوبة ذلك، وفي الهدن ووقف المعارك ثمة فريق يرى نفسه منتصراً، وفريق يشعر بمرارة الهزيمة.
في سوريا، دخلت الحرب عامها العاشر، ولا مؤشر مطمئن لوقف هذه المقتلة الرهيبة التي أتت على الحرث والنسل وحتى الحجر والشجر، إلى حد أنها صارت مقبرة كبيرة.
النظام أجرى مفاوضات وتسوية أوضاع مع بعض الفصائل العسكرية التي ألحقت حينما كانت في أوج قوتها ودعمها الدولي ضربات ماحقة بجيش النظام، وانتهت هذه المفاوضات بترحيلها مع عوائلها صوب ادلب ” قبل أن تحتضر هي الأخرى حالياً للحاق بركب جغرافيا النظام”.
هذه التسوية التي غالباً ما نكث بها النظام، فقد قتل الكثير من وجهاء العشائر الذين كانوا حلقة الوصل بينه وبين الفصائل المسلحة، وقتل العديد من الناشطين الذين سلموا أنفسهم، واعتقل العشرات ممن أعفى عنهم!!
كردياً، جرت محاولات حوار مع النظام في دمشق، من قبل أجهزة أمنية للنظام، وقوات قسد، لكن النظام لم يكن يرضى بأقل من إقرار قسد بالهزيمة، والمباشرة بعملية التسويات كما تمت سابقاً في أكثر من جبهة ملتهبة، والعفو عن المقاتلين، وانخراط “قسد” في جيش النظام ليقاتلوا معاً ” الإرهاب”!!
في أكثر من مناسبة، كتبت أن النظام حالياً، وبتنسيق تام من روسيا الاتحادية غائص في “وهم أو وحل الانتصار” وبالفعل لم يبق شيء يذكر من الأرض السورية بإمرة المعارضة السورية المسلحة، لهذا النظام غير مُهيّأ لعقد صفقات وحوارات مع الكرد، وأستغرب تهافت البعض منهم وترداد معزوفة أن الحل في دمشق، دون البحث عن توفر مقومات هذا الحل، وهل نوايا النظام متجهة الى فتح صفحات جديدة مع الكرد تحفظ لهم حقهم في إدارة غرب كوردستان بشكل أقرب لتجربة جنوب كوردستان، لا نظام المجالس المحلية التي استحدثها قبل أعوام طويلة، والتي تفرغ الخصوصية الكردية من أي محتوى فيما لو طبقت؟
حزبا الاتحاد الديمقراطي والديمقراطي التقدمي الكردي هما أكثر الأحزاب “تشجيعاً” للجلوس مع نظام إرهابي فاشي، قتل، وهجّر، ودمّر أكثر من نصف شعبه.. كيف يمكن أن يتنازل، ويجلس مع الكرد على طاولة واحدة ويعطيهم حقوقهم التي حرمهم منها منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى الآن؟
لقد تأكدت استحالة الحوار مع النظام ليس عبر تصريح مختار “حي المهاجرين” الأخير لوسيلة إعلامية روسية، بل من خلال مراسيم ومشاريع استثنائية من قبل حزب البعث الفاشي منذ اغتصابه للسلطة في سوريا أوائل ستينات القرن الماضي وحتى الآن.
نظام البراميل لم ينظر “لخدمات” الاتحاد الديمقراطي أكثر من كونهم وكلاء “حين الحاجة” مازلت أذكر اندفاعة وحماس أحد قادة الأحزاب الكردية ورجائه من رجل الدين القادم من دمشق أن يساهم بفتح “نوافذ” الحوار مع الكرد! ماالذي يستدعي مثل هذا الرجاء، والنظام هو ما عليه من غطرسة وتبجح بـ ” النصر على شعبه”!!
حال النظام هذه، لن يكون من المجدي تضييع الوقت معه في حوار هو لا يؤمن به أصلاً، فلماذا التهافت على وليمة السراب، ونحن في زمن الوضوح؟
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٢”