لقاءات وحوارات

الشخصية السياسية والاجتماعية البارزة وابن كوباني البار مصطفى بكر في حوار خاص مع يكيتي …

١– الأستاذ مصطفى بكر قامة نضالية ووطنية تمتدّ لعقود في الساحة السياسبة الكُردية بسوريا…حبذا لو نبدأ ببدايات عملك الحزبي ؟

ج١:

في بداية العام الدراسي ١٩٦٦ / ١٩٦٧ ، انتقلت إلى مدينة ” منبج ” لدراسة المرحلة الإعدادية حتى الأول الثانوي في ثانوية بنينها حتى العام الدراسي ١٩٦٩ / ١٩٧٠ ؛ حيث انفتحت أمامي أبواب أوسع على عالم جديد أغنى من عالمي الصغير في مضافة قريتي / قولا / وفي مدرستي الإبتدائية في ” الشيوخ ” …

– هامش أكبر من الحرية الشخصية .

– عدد أكبر من الأصدقاء من كُرد وعرب وتركمان وشراكسة .

– بداية تبلور الفكر القومي الكُردي لدي ، من خلال التعرف ربيع العام ١٩٦٧ على المرحوم ” مصطفى محمود بكنادي ” الذي كان يدرس وقتها البكالوريا ، حيث أطلعني وقتها على النظام الداخلي والبرنامج السياسي ، للبارتي الديمقراطي الكُردي / اليساري / في سوريا ، بقيادة ” أوسمان صبري ” ، ثم رفعت عن طريقه طلب انتسابي لذاك الحزب .

– صيف عام ١٩٦٧ وخلال العطلة الانتصافية ، عرّفني المرحوم على ” مصطفى جمعة ” وأوصاه بأن يتولّى الإشراف على ( تربيتي ) الحزبية طيلة غيابه لأداء الخدمة الإلزامية العسكرية .

حقيقةً كان ارتباطي التنظيمي بحزبي هشاً ومناسباتياً … ! ، حتى خريف عام ١٩٧٠ حيث انعقد في ” ناو پردان أوگلالة ” في كُردستان العراق وبمبادرة شخصية من البارزاني الخالد ، المؤتمر التوحيدي بين جناحي الپارتي المعروفين ٱنذاك ب / اليمين واليسار / .

بانتقالي للدراسة في حلب ١٩٧٠ / ١٩٧١ وبالتزامي بقرارات المؤتمر الوطني ( التوحيدي ) ، عملت بنشاط وبشكل تنظيمي منظم في صفوف ” القيادة المرحلية ” للبارتي .

في خريف عام ١٩٧٢ ، اختارني الرفاق كممثل لكوباني إلى جانب السيدين ” مصطفى إبراهيم وبكر قادر شدو ” إلى المؤتمر الأول للقيادة المرحلية ، الذي انعقد في كُردستان العراق تحت إشرافٍ مباشر من ممثلي البارزاني الخالد .

ناضلت بدأب ونشاط في صفوف القيادة المرحلية حتى صيف عام ١٩٧٥ ، حيث دبّت الخلافات بين من تبقّى من قيادة الحزب خارج السجن ؛ ففضّلت الإستقالة على التناحر والمهاترات ، دون ذكر التفاصيل …

عام ١٩٧٨ حين كنت طالباً في السنة الثالثة بكلية الٱداب قسم اللغة الفرنسية ، اتصل بي الرفيق الصيدلاني الشهيد ” عبدي قادر نعسان ” الذي كان يخدم العسكرية في مشفى ” هنانو ” بحلب ، محبذاً ( عودتي ) إلى صفوف حزبي الأول ( اليساري ) بقيادة المرحوم ” عصمت فتح الله ” ، فلبّيت طلبه .

خريف عام ١٩٧٩ وفي مؤتمر الحزب المذكور ، انتخبت والرفيق عبدي لعضوية لجنته المركزية إلى جانب صبغت سيدا وعبد الباسط سيدا وٱخرين …

سرعان ما دبّت الخلافات الفكرية والمواقف السياسية في القيادة بين فريقنا المكون مني ومن عبدي وصبغت وعبد الباسط سيدا وبين من تبقّى من الرفاق الذين اتخذوا بحقنا قرارات جائرة مفضلينها على مبدأ ( الوحدة والإختلاف ؛ مما حدى بنا إلى تأسيس حزب الشغيلة الكُردي في سوريا شتاء عام ١٩٨٢ بعد أشهر من المناقشات والتحضيرات .

عقد مؤتمر الشغيلة في منزل الرفيق عبدي بقرية ” علبلور ” وانتخبت للجنة المركزية إلى جانب الرفاق عبدي وصبغت وعبد الباسط سيدا وعبد الصمد يوسف وشريف شيخي وشيخموس كرمو .

اغتيل الرفيق عبدي في ١١ / ٥ / ١٩٨٥ ، ثم اختطفت في ٨ / ٣ / ١٩٧٨ من قبل مفرزة الأمن السياسي في “كوباني” ونقلت فوراً إلى حلب ، ضمن خطة استخبارية مدروسة .

بعيد إطلاق سراحي من السجن بعد ثلاثة أشهر ، وبعد فشل محاولتي للخروج من البلاد عن طريق لبنان، وبعد قناعتي باستحالة استمراري في حياتي السياسية بحرية معقولة نسبياً ؛ فضّلت الاستقالة من الحزب .

عام ٢٠٠٢ وعن طريق الرفيق ” ويس شيخي ” الذي لم تنقطع علاقاتنا الاجتماعية والسياسية قط ، حضرت مؤتمر حزب ” يكيتي … ” كضيف ومن ثم رفعت إليه طلب انتسابي لأنتخب مسؤولاً تنظيمياً لمنظمة ” كوباني ” في اللجنة المركزية ، ثم عضواً في اللجنة السياسية لدورتين متتاليتين .

أعمل الٱن عضواً في اللجنة المنطقية لمنظمة حزبنا في كوباني ، إذ أعتبر وجودي ذاك مرتبة شرف لا يضاهى …

حتى أواخر الثمانينات ، كانت مطبوعات جميع أحزابنا الكُردية ، تعتمد في صدورها على الٱلات الكاتبة وورق الحرير ومن ثم سحبها على ٱلات ( الجيستتنر ) ، مما يجعل صدورها شاقاً وكذلك كان نقلها وتوزيعها صعباً – أمنياً على الأقل – ويتطلّب مزيداً من الوقت والجهد ؛ إذ كانت الطباعة تشكّل للقائمين عليها ، هماً نضالياً شاقاً، في جميع المراحل .

أما في أيامنا هذه ، فقد وفّرت وسائل التواصل الاجتماعي سرعة و” أمانة ” الانتشار الإعلامي .

٢- بحكم تجربتكم الحزبية الطويلة وبمختلف المراحل والمنعطفات…هل من مقارنة بين وضع الحركة السياسبة الكُردية في سوريا بين الماضي والحاضر ؟ وبحكم خبرتكم الطويلة ماهو سبب غياب أو عدم بلورة الشخصية الكارزمية لكُرد سوريا ؟

ج٢ :

كمايُقال ( لكلّ زمان دولة ورجال ) ، فإنّ لكلّ مرحلة من مراحل النضال نجاحات وهفوات وإحباطات ، الحراك السياسي الكُردي ، مسبباتها ومسوغاتها و( نكهتها ) الخاصة ، كجزء من صيرورة التاريخ الذي لا يتوقف ؛ غير أنه يتميز مع مرور الزمن، وبفعل تراكم الخبرات المكتسبة جراء تعاقب التجارب ، بوضوح اله‍دف وشفافيته وواقعيته .

منذ أن أانتظمت في البارتي اليساري الكُردي في سوريا ، عام ١٩٦٧ مررت حتى يومنا هذا بكثير من المراحل المختلفة من ( الأمل ) الواعد مع كثير من الصعوبة والإحباطات الناتجة عن الأحلام المبنية على العواطف فقط ، وشيئ من الإهمال المتعمد وغير المتعمد من قبل بعض الرفاق هنا أوهناك ، إلا أنّ الإيمان بعدالة القضية الكُردية ونبل أهدافها ووسائلها والسير نحو هدف سامي وواضح وممكن ، يجعلني أكثر ثقةً بنجاح حركتنا المبنية على وضوح القضية ووضوح معالجتها الممكنة كهدف .

أما عن الشخصية الكاريزمية في كُردستان سوريا وعدم تبلورها ، فإنّ لذلك أسبابه كما أعتقد :

هنالك العشرات بل المئات من الشخصيات الكُردية التي يشهد لها التاريخ والواقع ، بكامل صفاتها ومزاياها ( الكاريزمية ) ، إلا أنها كانت ولا زالت محاربة بلا هوادة ، مما أعاق تبلورها ونجاحها :

– محاربة النظام لها ، من خلال الاحتواء أو تشويه السمعة ، في سبيل عدم ظهور شخصية محورية يلتفّ حولها ” الشعب ” .

– الصراع ( البيني ) بين الأحزاب الكُردية بمختلف المناشئ والمشارب والأهداف ، حال دون ظهور تلك الشخصيات المطلوبة .

– التدخلات من قبل الأجزاء الكُردستانية ( الأكبر ) ، حال دون ظهور تلك الشخصيات .

٣- هناك تفريط في تعدد الأحزاب الكُردية السورية…برأيكم إلامَ يعود ذلك ؟

ج٣

عندما أسّس بعض من خيرة مناضلي شعبنا الكُردي في سوريا تنظيمهم السياسي الأول ، أطلقوا عليه اسم ” البارتي الديمقراطي الكُردستاني في سوريا ” ، غير أنهم أجبروا على تغيير اسمه بعد أشهر إلى ” البارتي الديمقراطي لكُرد سوريا ” ، جراء الضغوط الهائلة التي تعرّضوا لها من قبل السلطة ، وقناعتهم بعدم قدرتهم على حمل هذا الاسم الكبير – من ناحية التبريرات على الأقل – ؛ ثم حصل الانشقاق بذات الاسم تقريباً عام ١٩٦٥ ، بين جناحي الحزب المتناحرين حول عددٌ من شعارات ومهام وسياسات البارتي ، ليحمل أحدهما شعبياً اسم “اليساري ” ليسمّى الٱخر ” اليمين ” شعبياً وبشكل غير رسمي .

خريف عام ١٩٧٠ ، عُقِدَ في كُردستان العراق المؤتمر الوطني لكُرد سورية ، بهدف توحيد جناحي الپارتي ، على أن يتحقّق الدمج بالمساعدة الفعالة من قبل (الوطنيين ) .

مع الأسف الشديد فشل هذا المشروع ” البارزاني ” الخالص ، لعدة أسباب أذكر منها ، تدخل النظامين العفلقيين في سوريا والعراق ؛ ليصبح هناك ثلاثة ” محاور ” متصارعة سياسياً على الساحة ألكُردستانية السورية .

بعد ذلك حدثت الانشقاقات ( السرطانية ) المتتالية ، بين الأجيال اللاحقة بدون انقطاع وإلى يومنا الحاضر ، مما حدا بأحد الظرفاء إلى القول :

” كَردي زائد مطبعة يساوي حزب ” .

أعتقد أنّ لكلّ تلك الانشقاقات ( المرضية ) أسبابها الواضحة ، دون التنظير والشرح الذي يجلب المزيد من العداوات .

٤- ثلاثة عشر عاماً ومعاناة الشعب السوري مستمرة، رغم التضحيات وتعدد الجولات الأممية للحل…

برأيكم أستاذنا العزيز، أين تكمن استمرارية معاناة السوريين؟ ومن يتحمّل ذلك ؟ وفي ظل قراءتكم للواقع واللوحة السورية…أي مستقبل ينتظره السوريون ؟

ج٤

عندما اندلعت شرارة ” الانتفاضة ” من درعا ٱذار ٢٠١١ ، سارعت جميع المدن السورية لنصرتها ، ٱملة بتحقيق دولة ديمقراطية يتحقّق فيها العدل والمساواة بين جميع مواطنيها ، بغضّ النظر عن مناطقهم أو أديانهم أو طوائفهم أو قومياتهم ، كما أسرعت جميع المدن الكُردستانية السورية للمشاركة الديمقراطية فيها، من خلال المسيرات والمظاهرات السلمية ، في سبيل تحقيق سوريا ( اتحادية ) لا مركزية ، ورفعوا شعار ( الفيدرالية هي الحل الأمثل لسوريا المستقبل ) .

غير أنّ تلك ” الانتفاضة ” سرعان ما تحوّلت إلى ( نزاع ) مسلح أقرب ما يكون إلى الحرب الأهلية بين طائفتين ، إحداهما ( سنية ) بقيادة الإخوان المسلمين والأخرى ” علوية ” تتمثّل بالسلطة وبمؤازريها ، كما أنّ جميع الدول ( ذات المصلحة ) دفعت بأنصارها للتدخل في الشأن السوري – أصالةً أو وكالةً – ؛ مما أفقد ( الثورة ) الكثير من مؤيديها …

مع الأسف الشديد ، كلما طال زمن ” الفلتان ” في سوريا ، زاد مدى معاناة السوريين .

في ظلّ انشغال العالم بالحرب الأوكرانية – الروسية وبحرب غزة لاحقاً ، لا أرى في الأفق المنظور فرصة للحل ، وستبقى الأمور بين مد وجذر نسبيين بين ( أسياد ) أطراف الصراع في سوريا المنهكة من كثرة التدخلات ، وسيبقى الشعب السوري بجميع شرائحه وقومياته دافعاً لضريبة ذاك ” الفلتان ” .

٥- المجلس الوطني الكُردي، كإطار سياسي، يمثّل شريحة واسعة من أبناء شعبنا، ومنخرط في المعارضة السورية الوطنية، وله تمثيل في المحافل الدولية ذات الصلة بالشأن السوري…كيف تقيّمون دور المجلس الوطني الكُردي كإطار سياسي وحيد للكُرد ضمن العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة ؟

ج٥

المجلس الوطني الكُردي في سوريا ، إطار سياسي عريض مكون من ٥١ ./ . من المستقلين ومن ٤٩ ./ . من ممثلي الأحزاب الكُردية المنخرطة فيه ، وله نظامه الداخلي الصارم وبرنامجه السياسي المرن ، كما أنّ باب العضوية فيه مشرع لانضمام أعضاء جدد ، على أن يلتزموا بنظامه الداخلي وببرنامجه السياسي ، كما أنه حر في الدخول في تحالفات سياسية مع أي أطراف وطنية أخرى ، تسعى للعمل على الإتيان بنظام تشاركي سياسي جديد لسوريا المستقبل .

على هذاالأساس ، انضمّ المجلس الوطني الكُردي إلى ” الإئتلاف ” السوري ، وفق برنامجه السياسي الواضح ؛ الذي حاز على موافقة الإئتلاف ، المتحفّظ على بند ” الفيدرالية السياسية لسوريا ” وقبل عوضأ عنها “بالفيدرالية الإدارية ” .

لقد حقّق المجلس الوطني الكُردي بإنضمامه إلى الإئتلاف ، نصراً سياسياً كبيراً حيث أنه أمن لكُرد سوريا مخاطبة المجتمع الدولي ومؤسساته الرسمية ، كممثل شرعي لهم .

أودّ أن أنوّه هنا ، إلى أنّ المجلس لا يشترك في مؤسسات الإئتلاف التي لا يرضى عن أدائها ، لذا فنحن غير مسؤولين عن تجاوزاتها ، كما أننا نتمثّل في ” لجنة التفاوض ” ككيان كُردي مستقل .

أما بصدد تحالفاتنا وتفاهماتنا المحتملة مع الإدارة الذاتية المؤقتة و قسد و پ – ي – د ، فلا تعارض لها مع تحالفنا الحالي مع الإئتلاف ؛ إذ أنّ الإدارة ذاتها ، تعبّر دوما عن رغبتها ومحاولاتها المستمرة للانضمام إلى ” الإئتلاف ” .

٦- إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي أرست تقسيمات إدارية لمناطق سيطرتها وتمّ طمس اسم كوباني وقامشلو ببدائل الفراتوالجزيرة .. كيف تقرؤون ذلك ؟

ج٦

أعتقد أنّ اسم ” الإدارة الذاتية المؤقتة لشمال وشرق سوريا ” ، يحمل بين طياته الكثير من الإشكالات المثيرة للجدل :

– فهو خالي من أي تسمية كُردية تشير إلى وجود الكُرد على أرضهم التاريخية منذ مئات بل ٱلاف السنين ، لا من قريب ولا من بعيد ؛ مما يمنعهم قانونياً من المطالبة بحقوقهم ” كشعب مقيم على أرضه التاريخية

– ترك عبارة ” الإدارة الذاتية ” دون تحديد وتفسير ، يجعلها قابلة لعشرات التأويلات ( العاطفية) ، على مبدأ ” المعنى في قلب الشاعر ” ، غير أنها تبقى على العموم دون مفهوم ” اللامركزية السياسية ” .

– كلمة ” المؤقتة ” ، توحي بعدد الاستفسارات والاستفهامات اللامتناهية ، التي يأتي في مقدمتها سؤال : إلى ( أيييييييييييين ) …؟

– أما عن عدم تسمية الأقليمين الكُرديين البارزين ” قامشلو ” و ” كوباني ” باسميهما الحاملين لأكثر من معنى سامي ، فأعتقد أنه جاء لطمس الاسمين المذكورين وإخفائهما في ظل اسمي ” الجزيرة ” متعددة الأطياف و ” الفرات ” البعيد عن ” كوباني ” بعد ” الحبيب الجافي ” … ! ؟ .

كلمة أخيرة…..

أرى أنّ عمرنا قد انقضى ، حيث مررنا بتجارب كثيرة أغنت فينا حكمة الشيوخ ، ؛ لذا أرى أنه من الحكمة أن نفسح المجال أمام الجيل الصاعد لقيادة الحراك السياسي والمجتمعي الكُرديين ، متسلحين بسلاح العلم ثم العلم ثم العلم …

” داؤنا هو الجهل ودواؤنا هو العلم ” …

– أحبّوا بعضكم واسمحوا لأخيا ركم بقيادتكم …

– استشيروا بعضكم واعملوا بالرأي السديد …

– لتكن لكم في البارزاني الخالد وتضحيات الپيشمرگة الميامين ، ” القدوة الحسنة ” …

– أحبكم ثم أحبكم ثم أحبكم…

الحوار منشور في جريدة يكيتي العدد “320”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى