الكُرد والمعارضة والنظام
فؤاد عليكو
منذ بداية الثورة السورية في 2011 لم تتردد الأحزاب الكردية ذات المنشأ السوري الانخراط في الثورة السلمية باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي ذو المنشأ القنديلي (عقد مؤتمره الأول في قنديل 2003) الذي نأى بنفسه عن الثورة السورية بداية، ثم رفع بعد ذلك شعارات لا تمت إلى الثورة السورية لا من قريب او بعيد .
وقد نالت نشاطات الكرد المعبرة عن طموح الشعب السوري في الحرية والكرامة ثقة وإعجاب القوى الثورية العربية، لدرجة اطلقت أسماء بعض أيام جمع الثورة ب(جمعة أزادي) و(جمعة الوفاء لانتفاضة الكرد2004) تعبيراً عن تضامن الشارع الثوري السوري مع الشعب الكردي.
ثم بدأ بعد ذلك مرحلة الاستقطاب السياسي وعقد اللقاءات والمؤتمرات السورية في دمشق وتركيا والقاهرة وأروبا وكان الحضور الكردي لهذه المؤتمرات أصبحت ضرورة وواقعاً للمعارضة السورية، وأثيرت نقاشات جادة حول ماهية وجوهر القضية وانضمت بعض الأحزاب الكردية نتيجة ذلك إلى هيئة التنسيق الوطني في بداية تشكلها وبعض القوى الاخرى إلى المجلس الوطني السوري، لكن وبعد أن تم تشكيل المجلس الوطني الكردي في 26/10/2011م وانسحاب جميع الأحزاب الكردية من هذه الأطر باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د الذي بقي خارج إطار المجلس الوطني واحتفظ بموقعه في هيئة التنسيق ولازال ، إضافة إلى أن المؤتمرالكردي قدرفع من سقف مطالب الحركة الكردية للمطالبة بحق تقرير المصير للشعب الكردي وفق العهود والمواثيق الدولية ضمن اطار الدولة السورية وهذا يفسر سياسياً في حده الأدنى بالدولة اللامركزية (الاتحادية) وأن يكون للكرد إقليماً خاصاً بهم بالاشتراك مع المكونات القومية المتعايشة معهم في تلك الجغرافية والممتدة من ديريك حتى عفرين كالعرب والآشوريين والتركمان، ثم تم تفسير المبدأ في المؤتمر الثاني للمجلس الكردي بالدولة الاتحادية صراحة واقليما للكرد في هذه الدولة, وترافق ذلك بحملة جماهيرية مكثفة لتعزيز هذا الشعار شعبياً وتسبب ذلك في عدم قبول المجلس الانضمام إلى الائتلاف في بداية تأسيسه 2012م ثم أعيد فتح الحوار مع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وتوج بتوقيع الوثيقة السياسية بين والتي تتضمن الاعتراف الدستوري بالحقوق القومية للشعب الكردي وحل قضيته وفق العهود والمواثيق الدولية وتغيير اسم الدولة الى الجمهورية السورية وازالة آثار كافة السياسات والإجراءات التي طبقها النظام بحق الشعب الكردي طيلة نصف قرن وان تكون سورية المستقبل دولة لامركزية ادارية وتحفظ الكرد على كلمة الإدارية واستبدالها باللامركزية السياسية وبقي هذا التحفظ قائماً حتى اليوم، ولم يتم احراز أي تقدم في هذا الاتجاه رغم اجراء الكثير من الحوارات المستفيضة في هذا الجانب مع القوى السياسية العربية والاسلامية سواء في الائتلاف أو في مؤتمرات القاهرة بسبب سيطرة شعور الريبة والشك اللذان يحيطان بالطرح من قبل المعارضة السورية واعتباره مقدمة لتقسيم سورية، كما حصل ويحصل الآن في كردستان العراق ووصل الأمر إلى درجة مطالبة الفرنسيين والأمريكيين لنا بالابتعاد عن هذا الطرح الآن وأن الظرف لم ينضج بعد لمثل هذا الطرح وعليكم ممارسة الحوارات الثنائية الهادئة مع القوى السورية وليس عبر المؤتمرات ودع غيركم يطرحونها لان طرح الموضوع في كل مرة ينعكس سلباً في مردوده عليكم، وكان واضحاً ذلك أثناء طرحنا لمقولة اللامركزية السياسية في مؤتمر الرياض، حيث لم يناصرنا أحد في طرحنا رغم وجود الشخصيات المؤيدة للموقف في قاعة المؤتمر وقد توصلت إلى نفس قناعة الأوربيين بأن الظرف السياسي الحالي لا يسمح باختراق سياسي سوري في التعبير عن جملتين ترددها الحركة الكردية باستمرار (اللامركزية السياسي) و( كردستان سوريا) مهما كان براعة المتحدث وقوة منطقه، وبالتالي علينا أن نقنع شارعنا بذلك على أن الطرح استراتيجي وليس مرحلي وسوف نستمر بإثارته كلما تسنى لنا ذلك وفي أي محفل سياسي، لكن هذا لايعني عدم الموفقة عليه من قبل المعارضة يعتبر فشلا للمحاورين الكرد كما حصل معنا في مؤتمر الرياض حيث أثيرت ضجة في الشارع السياسي الكردي لأننا لم نتمكن من تثبيت هذا المصطلح في البيان الختامي رغم طرحنا له وهذا لايعني بأن ينتابنا الإحباط بعدم صوابية الطرح لكن النضج السياسي السوري لم يصل بعد إلى مرحلة تقبله اليوم، إلا أنه قد يصبح مقبولا بعد شهر أو بعد سنة أو أكثر فالحوار الهاديء ومناقشة الموقف بهدوء سوف يحدث هذا الاختراق، وهناك قوى بدأت تتقبل الطرح بشكل مقبول لكن لم تصل بعد الى مرحلة تبنيه سياسياً.
أما بالنسبة للنظام فلا زال على نفس موقفه القديم ويرفض فكرة وجود قضية كردية في سورية أصلا على الرغم من تخلي النظام عن معظم المناطق أمنياً لصالح ب ي د دون التنازل عن الجانب الإداري لهم، وبقيت قوانين النظام هي المعترفة به أصولا كوثائق معتمدة لدى الجهات المحلية والدولية، رغم أن ب ي د أسس إدارة مدنية في جميع المناطق لكن دون أي اعتراف من النظام أو جهة دولية وبقيت تلك الإدارة قفزة في الهواء لامعنى لها في الجانب الدستوري والقانوني وكان من الممكن أن تضغط ب ي د أكثر على النظام لانتزاع الاعتراف بها مقابل الحماية الأمنية لها في القامشلي والحسكة، إذ لولا هذه الحماية لما كان هناك وجود للنظام في المحافظة، علماً أن رد فعل النظام يكون قاسياً عند أي محاولة منهم لتغيير المسار الإداري المرسوم، كما حصل في إغلاق المدارس من قبل النظام بعد اصدار قرار تعليم المناهج الكردية من قبل ادارة ب ي د وهذا يعني حرمان آلاف الأطفال الكرد من التعليم، وهكذا ينسحب هذا الواقع على جميع الإدارات المدنية وينعكس مردودها سالباً على المواطنين، وكان الأحرى بحزب الاتحاد الديمقراطي الضغط على النظام وانتزاع الاعتراف القانوني بسلطته الإدارية قبل الإقدام على أي خطوة عملية دون توفير هذه الأرضية، لأن من شأن عدم توفير هذا الغطاء القانوني يعقد وضع المواطنين الحياتية اليومية أكثر وكيفية التعامل مع جهتين إدارتين يملك احدها الشرعية الدستورية وليس له وجود فعلي وأخرى لها وجود فعلي لكن دون أية شرعية دستورية، وعلى ب ي د ان تعيد النظر في هذه السياسة وذلك إما بالضغط على النظام وانتزاع الاعتراف الدستوري منه بشرعية إدارته للمناطق الكردية وهذا ممكن ولم يستنفد الوقت بعد وب ي د يملك من أوراق الضغط اللازمة لذلك والمناخ مناسب أيضاً، أو إعادة النظر في إدارته الوهمية والتراجع عن القرارات الصادرة منه والتي أضرت بالمواطن الكردي قبل كل شيء بدلا من نفعه.
في الختام أستطيع القول بأن مشوارنا طويل أمام تحقيق انتزاع الاعتراف الدستوري بحقوقنا القومية كقومية ضمن صيغة الفدرالية وكقومية ثانية في البلاد سواء أكانت من المعارضة أو النظام ورحلة الالف ميل تبدأ.بخطوة