آراء

خلفية وأبعاد الهجوم الداعشي على كردستان العراق

عبدالباسط سيدا
الثلاثاء، ١٢ أغسطس/ آب ٢٠١٤ (٠١:٠ – بتوقيت غرينتش)

بعد سيطرة «داعش» وحلفائه على الموصل، ومعظم المناطق العربية السنّية في شمالي العراق وحتى وسطه، كانت هناك توقعات بأن «داعش»، بتوجيه من القوى التي أوجدته وتوجهه، سيدخل في معركة مع إقليم كردستان عاجلاً أو آجلاً، بخاصة بعد أن باتت حدود الإقليم على امتداد أكثر من الف كلم مع «داعش»، وليس مع العراق كما كان الحال قبل متغيّرات الموصل وما بعدها.
فمشروع «داعش» يقوم في الأساس على زعزعة الاستقرار، وإحداث حالة من الفوضى المنظمّة بمعنى من المعاني، وذلك بغية مصادرة احتمال استقرار الأوضاع في غير مصلحة الصانعين والمخططين للتنظيم المذكور. ولهؤلاء خبرة في هذا المجال منذ أيام ما بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق.
وقد أدّى «داعش» هذا الدور في سورية من خلال سيطرته على المناطق المحرّرة، والهيمنة على مواردها، وترهيب أهلها، ودفعهم نحو ترك ديارهم. كما دخل في معارك مع الجيش الحر، بغية إرباكه واستنزاف طاقاته، ومنعه من تركيز جهوده في مواجهة النظام. وفي السياق ذاته، عمل «داعش» بصورة حثيثة من أجل دفع الأمور نحو صراع عربي- كردي، وذلك عبر هجماته المتكررة على منطقة كوباني/عين العرب، وأماكن عدة في محافظة الحسكة.
واستفاد النظام السوري ميدانياً وإعلامياً من وجود «داعش»، بل إن العلاقة التناغمية بين الطرفين واضحة لا غبار عليها. فـ «داعش» في مرحلة ما قبل الموصل، لم يدخل معركة حقيقية مع النظام. كما أن هذا الأخير لم يهاجم المواقع «الداعشية» في المحافظات الشرقية، بخاصة في الرقة، مركز «داعش» الرئيس، بصورة جدية. وحتى المواجهات التي اندلعت، سواء بين «داعش» والنظام، أو بين «داعش» والقوى المتحالفة مع النظام، كانت مواجهات محدودة، ومرسومة بمقادير تؤدي الغرض المنشود.
أما على الصعيد الإعلامي، فاستفاد النظام من «داعش» بفعل الربط بين الثورة السورية والإرهاب «الداعشي»، وتسويق زعم زائف إلى الرأي العام العالمي، والأوروبي الغربي والأميركي تحديداً، مفاده أن ما يجري في سورية صراع بين قوى اسلامية متطرفة وإرهابية، معادية للأقليات والمرأة، وتعمل من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية بطرق بدائية وبين نظام مدني ديموقراطي، ضامن لحرية الأقليات وحقوقها، بخاصة الدينية منها، والمرأة، ويدافع عن الاعتدال والاستقرار.
أما في العراق، فاتخذ المشروع «الداعشي» منحى آخر من جهة سعي أصحابه الى التماهي مع مظالم المكوّن العربي-السنّي، وخطف ورقة الحقوق المشروعة للمكوّن المذكور، بل المزايدة عليه لخلق مناخ من التجييش والتشنج والفوضى المدروسة، وذلك منعاً لأي تفاهم فعلي مسؤول ومطلوب بين القيادات السنّية وقيادة إقليم كردستان، وهو تفاهم يضع قواعد جديدة للعملية السياسية في المرحلة المقبلة.
والأمر الهام الجدير ذكره هنا أن العلاقة الحكيمة بين الإقليم والثورة السورية، وبخاصة علاقة الرئيس مسعود البارزاني وقيادات المعارضة السورية، واحترامه تضحيات وتطلعات الشعب السوري، ومطالبته المستمرة بالمحافظة على العلاقة الودية بين الشعبين العربي والكردي، واحترام حقوق سائر المكوّنـــات ضمن نظام ديموقراطي، كل ذلك أثار ويـثير حفيظة رعاة «داعش» الذين يعتبرونه مهدداً لتوجهاتهم بخصوص ترتيب الأوضاع في المنطقة.
من ناحية أخرى، وجد المشروع «الداعشي» في العراق في التجربة الكردستانية نموذجاً يتناقض بالمطلق مع ما يعمل في سبيله. فسياسة الانفتاح على كل المكوّنات والتوجهات التي اعتمدها الإقليم، من جهة الاعتراف بخصوصياتها وحقوقها في إطار نظام ديموقراطي تشارك فيه سائر الأحزاب بتوجهاتها المختلفة، تعد من المحظورات «الداعشية». وكذلك حالة النهوض الاقتصادية الواعدة التي يشهدها الإقليم، وشعور الارتياح لدى مختلف شرائح المجتمع الكردستاني، والإنجازات الثقافية- المعرفية التي يحققها الإقليم بفعل الدعم المستمر للجامعات ومراكز البحث والدراسات، وتأسيس الجديد منها، وتشجيع حركة النشر، وهي انجازات تؤسس لثقافة مدنية ديموقراطية ستكون لها نتائج ايجابية ملموسة في المستقبل. وكل ذلك يتناقض مع المشروع «الداعشي» الذي يستهدف الأقليات الدينية والقومية ويسعى الى إدخال العرب والكرد في صراع مقيت لن يستفيد منه في المنطقة سوى أنصار الظلم والظلام.
لكن على رغم كل الجهود والرغبات «الداعشية»، فالمعطيات الواقعية على الأرض تشير إلى تباينات جوهرية بين الحالتين السورية والعراقية. فالنجاحات التي حققها في سورية كانت نتيجة ضعف امكانات الفصائل الميدانية للثورة السورية وسوء التنظيم، وذلك لأسباب تتصل بالسياسة الدولية المتبعة هناك، كما بفعل بعض الأخطاء التي ارتُكبت هنا وهناك، لكن يبقى العامل الأهم الذي تحققت النجاحات المعنية بفضله، هو تلك العلاقة التناغمية بين «داعش» والنظام.
أما في الحالة العراقية، الكردستانية تحديداً، فالأمور ليست كذلك. فصراع «داعش» مع الإقليم سيكون قاتلاً له لأنه يواجه قوة منظّمة وموحّدة لها خبرة قتالية متنوعة. وهي قوة مدعومة بكل الإمكانات من حاضنتها الشعبية التي قدمت تضحيات أسطورية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه. كما أن المعادلات الإقليمية والحسابات الدولية لا تسمح لأية قوة بأن تفصّل الأمور في العراق على هواها مثلما تجري الأمور راهناً في سورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى