في الدستور و معاركه
ليلى قمر
لا يختلف اثنان في أنّ الحروب بمعاركها الضروس، وحتى كلّ الخلافات التي تتعقّد وتكبر كما الدمّلة التي تتقيّح وتبحث من خلال مسامات عقدتها عن متنفّس، هكذا هي مآلات كلّ المنازعات والخلافات الفردية منها و المجتمعية، التي تلجأ في المحصلة ، ووفق خصائصها وما راكمته تاريخياً من إرثٍ وأعرافٍ، فتبحث في مرحلة من مراحلها المتأخرة عن عقد أو عقود لتدوّنها كميثاق / عهد بيني ، على قاعدة ترجمة تلك الأعراف الناظمة للعلاقات البينية من جهةٍ، وآليتها في انعكاسٍ صريحٍ للعلاقات الخارجية أيضاً.
وهكذا وببساطة شديدة، نلاحظ أنّ كلّ الحروب والصراعات حتى لو دامت مئات السنين لا بدّ للمحاربين أن يجنحوا إلى السلم، وبالتالي دخول صراعات من نوع آخر تمهّد ومن ثم تؤسّس لصياغة اتفاقات أو معاهدات – نصوص يتمّ وضعها – صياغتها، وتكون بفعل قوة أشد من المدافع والدبابات وأقوى منها ، ذلك العقد الذي اتُّفِق على اعتباره شريعةٍ بين المتعاقدين، والتوازن فيها يخضع لإرادات المتعاقدين، وقد تميل بنودها لمنتصر إنْ وجد، أو لقوة وأكثرية مهيمنة ، وحينها ستبقى تلك المعاهدة – الاتفاق – العقد فريسة الخلل ومدخلاً لإعادة إنتاج أزماتها.
وهنا وفي شأن إعادة صياغة دستورٍ جديدٍ لسوريا أو تعديلها / إصلاحها بعد كلّ هذا الدمار والموت والتشريد الذي طال أكثر من نصف سكان الدولة، ورافقها أيضاً وكنتيجة لما آلت إليه طبيعة الصراع، تفكّك وعودة لتموضع الفئات – المكونات إلى خصوصياتها وترافقت مع ظاهرة التشظي البيني أيضاً، سواء كنتيجة طبيعية لمخرجات الصراع ، أو كردٍّ فعليٍ على نصوص وصيغ الدساتير المؤدلجة السابقة التي ساهمت بحدية في توسيع الانقسام المجتمعي وهيمنة رؤية – قومية – حزبية فرضت سطوتها وسيطرتها وبمواد دستورية صارمة قوننت لها، هذا الانقسام أرهق الدولة والمجتمع السوري الذي تشكّل مع التطبيق العملي لاتفاقية سايكس بيكو بمخاضات كثيرة، وكان أكثرها شرخاً لبنية المجتمع، هو الدستور الذي فرضه حافظ الأسد والذي ساهم وبفظاعة في زيادة التراكمات وتعقيد الخلافات البينية في سوريا، وساهمت بقوة في الدفع إلى ما نحن فيه وعليه الآن، ولذلك يجب ألّا نستغرب مطلقاً في هذه الظروف أن تصبح قضية الدستور أساسية، وكضرورة يجب العمل عليه.
وفي الأساس كانت الانطلاقة ومن جديد على أرضيتها حيث تمّت قصقصة المراحل، وتتالت معها مؤتمرات جنيف و توابعها، وبعد مخاض طويل وفي وضع مصيري وعسكري في استهدافنا كُردياً، انطلق مؤتمر جنيف في الواحد والثلاثين من أكتوبر الماضي، بكلمات بدت على غالبيتها وبوضوح، نبرة التفاؤل المطعم بالبروتوكول من ناحيةٍ، والضغط على الأعصاب من ناحيةٍ أخرى، كيلا تبدأ الخصومات والحروب الكلامية والصراعات التي لم يخلُ الأمر منها.
ومن الطبيعي أن نلاحظ ممارسات بعضاً من أعضاء وفد النظام وكعادتهم ممارسة – الغرق في التفاصيل – ، وباختصارٍ، وبعيداً عن التوصيفات هنا و تحديداً في الخصوصية الكُردية، وبالتدقيق في ورقة المجلس الوطني الكُردي المشارك في المؤتمر كمكون كُردي، تلك الورقة التي لخّصها د. عبدالحكيم بشار، لتبدو كورقة عملٍ في الكلمة التي ألقاها، حيث تضمّنت بنوداً طغى عليها مبدأ التلخيص الشديد، وسعت إلى تكريس قضايا، قد نختلف في كثيرٍ من النقاط التي يراها البعض دون الحدّ الأدنى من جهة، أو أنها تجاوزت في سقفها الأعلى كُردياً و أيضاً وفق بعض الأحزاب أو الفئات، أو لعلها لم ترتقِ لسوية سقف طموحات بعضهم أيضاً.
وبالتالي ما بالنا في عرض حال الآخرين الذين يتشاركون منصة المؤتمر، حيث سنرى في بعضهم أيضاً من يرى أنه ومجرد منح حقّ المواطنة للكُرد هي فائض قيمة لا بل و جريمة وطنية، ومن جديد، ودون الإسهاب في تفاصيل وشروحات الكلمة – الرسالة، لكنه يتوجّب التأكيد على أمرٍ آخر، وهو أنّ الكلمة قد تمّت صياغتها بتراتبية مهنية جيدة من حيث: التركيز بدايةً على المتشاركات المؤسّسة للبعد الوطني سورياً و من ثمّ البناء عليها في التأسيس للبعد القومي الكُردي والمكونات الأخرى التي يتألّف منها المجتمع السوري، ومن ثمّ البناء على ذلك في تحديد ما يتوجّب أو يتقاطع من قضايا جمعية وصياغتها بالوسائل العقدية المتوافقة مع وبين جميع المكونات، كلّ ذلك سيأتي كتفسير واقعي لمفهومي الوطني العام والقومي الخاص، وهذه النقاط كلها لن تمنعنا مطلقاً في تسجيل النقد على غياب أمور جوهرية أخرى، تمثّلت في غياب دقة التوصيف، وصريح العبارات بمدلولاتها القانونية الفصيحة أحياناً، والتي هي – لربما – كنتيجة طبيعية لغياب مختصين لغويين و قانونيين أثناء الصياغة، وعليه وفي هذه العجالة من الواجب علينا التركيز في البعد الوطني السوري، وخاصةً من البند الرابع إلى البند العاشر، لا بل وحتى في المفردات التي سبقتها و تلتها، وأيضاً تلك البنود التي وردت في حقل المطالب الكُردية الخاصة.
وهنا، لا بدّ من التأكيد وكردٍّ على الانتقادات التي لم ترتقِ إلى الواقع للكلمة وخاصة للبند المتعلق بالذين جُرِّدوا من الجنسية والمكتومين، الذي فسّره بعضهم بجهلٍ حقيقي المقصد، بحجة أنّ مرسوم بشار الأسد قد حلّ الموضوع وحسمه ، والواقع أنه حسمه شكلاً وتركه مضموناً بكلّ تبعاته وتأثيراته، من حيث التجريد من الأملاك والأراضي، و كلّ تبعات ذلك الإجراء العنصري ، الأمر الذي تجاهله مرسوم النظام، ولتبقى واحدة من أهمّ قضايا العدالة والمساءلة في سوريا المستقبل وكضمان فعلي وتثبيت لحقّ المطالبة قانونياً، وفي الخاتمة – متأكدة أنا – بوجود بعضٍ من التداخلات وربما تناقضات فيما بين بعضها و على سبيل المثال لا الحصر : في خاصية اللغتين العربية و الكُردية وآلية التعامل بهما في الدولة الاتحادية …