قمة طهران… التمسك بصيغة أستانة رغم الخلافات
إسماعيل رشيد
بعد ترقّبٍ وانتظارٍ انتهت قمة طهران بنسختها السابعة من اجتماعات أستانة بتاريخ 19يوليو 2022 على مستوى الرؤساء دون نتائج ملموسة، أو على أقل تقدير لاتحمل إجابات واضحة لتساؤلاتٍ سبقت انعقادها لتكتفي ببياناتٍ مكررةٍ لمواقفها السابقة تجاه الملف السوري، الذي أثير إعلامياً كمحورٍ رئيسي من قبل الدول الثلاثة، إلا أنّ محللين اعتبروا أنّ الأسباب الحقيقية للاجتماع أبعد بكثير من التنسيق بشأن سوريا .
من الجدير بالذكر أنّ قمة طهران تُعدّ أول لقاءٍ ثلاثي على مستوى الرؤساء منذ عام2019 ضمن إطار عملية أستانة، بوجود العديد من الاختلافات بين الدول الثلاثة، حول هدفها في سوريا، وكلٌّ منها تتطلّع إلى زيادة النفوذ لأجنداتها الخاصة،
فقبل انعقاد القمة عمدت روسيا إلى عقد تفاهمات بين النظام وقسد ، وكذلك تحرّكت واشنطن لإيجاد تفاهماتٍ بين أنقرة وقسد ، ويبدو أنّ قسد تميل للتفاهم مع النظام السوري بضغطٍ روسي- إيراني على خلفية مصادرة قرارها من قبل حزب العمال الكُردستاني ، عملياً روسيا وإيران موقفهما منسجم لحدٍّ كبير، وخاصةً فيما يتعلّق بكيفية إخراج أمريكا من سوريا والتقليل من دورها، ومايهمّ تركيا هو وقف دعم أمريكا لقسد ، وبالتالي روسيا لن تقبل أن تكون حارساً لقسد، وبسبب الصراع الروسي- الأوكراني فإنّ واشنطن لن تترك فراغاً في سوريا تملؤه روسيا، وعليه ستقوم واشنطن بتقوية علاقاتها مع أنقرة، ومع حلفاء تركيا في المعارضة السورية، في ظلّ اللوحة الميدانية غير المريحة لواشنطن، حيث سيطرة النظام جغرافياً بشكلٍ أكبر مما كان عليه سابقاً.
لقد أرادت تركيا الحصول على مكاسب سياسية لدعم تهديداتها التي تمهّد لعمليتها العسكرية المرتقَبة في الشمال السوري ، إلا أنها لم تستطع إقناع الروس والإيرانيين بالموافقة على تلك العملية ، وقد أكّد كلٌّ من بوتين ورئيسي معارضتهما لها خلال المؤتمر الصحفي، فالرئيس الإيراني شدّد على الحفاظ على وحدة سوريا و أكّد على أنّ خطورة العملية ستعود بالضرر على تركيا والمنطقة، في حين بدا الموقف الروسي أكثر جديةً و وضوحاً من خلال الدعوة لعودة كافة الأراضي للحكومة السورية ( الشرعية ) ، على حد قولهم، بذريعة مساعدة السوريين ، فبوتين أراد توجيه رسائل للغرب، الذي يعارض حربها ضد اوكرانيا، مستغلّة الأزمة الغذائية والاقتصادية التي يعيشها العالم،
حيث لإيران أيضاً مصلحة استراتيجية فيما ستؤول إليه حرب أوكرانيا ، فهي تدعم جهود روسيا هناك ، لكنها تسعى إلى تجنب المواجهة المباشرة مع تركيا ، وقد أعلنت في وقتٍ سابق بأنها تتفهّم المخاوف التركية على حدودها الجنوبية .
أما أمريكا، فقد قلّلت من جهتها من أهمية قمة طهران، واضعةً إياها في إطار التحرك الاضطراري وليس التحالفي وقد سبقتها ( قمة طهران ) زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، التي شملت إسرائيل و الإدارة الفلسطينية والسعودية ومشاركته في قمة جدة للأمن والتنمية بحضور دول الخليج العربي ومصر والعراق والأردن،
وقد أكّد بايدن ، بالرغم من الانتقادات الداخلية لزيارته، بأنه سيسعى لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع حلفائه وخاصةً السعودية ،التي توتّرت، على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تشرين الأول 2018 ، ويبدو أنّ ملف زيادة إنتاج أوبك من النفط و تصدير الغاز قد تمّ الاتفاق عليه من خلال ربط شبكة الخليج العربي بالعراق وبالتالي تسهيل نقل الغاز لأوروبا، وتعهّد بايدن بمواصلة الانخراط الأمريكي النشط في المنطقة وبعدم السماح لروسيا والصين وإيران بملء أي فراغ، وهو ما أثير من مخاوف روسيا وإيران تحديداً .
وأخيراً فإنّ أقطاب قمة طهران تتفق على خطوط عامة ومكرّرة بالحل السياسي للوضع السوري ، إلا أنّ قواتها تتأهّب في الميدان للحصول على مكاسب لايمكن تحقيقها إلا بقواتها العسكرية، مستغلةً الاستراتيجية الأمريكية المبهمة في المنطقة .
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد (300)