أستانة 18…جولات متعددة بدون أفقٍ للحل
هيئة تحرير جريدة يكيتي، بقلم: إسماعيل رشيد
محادثات أستانة الأخيرة حول سوريا، هي محادثات حضرها ممثّلون عن النظام وعددٌ من قادة فصائل المعارضة، برعايةٍ روسية- تركية- إيرانية في يناير 2017 ، وعبّرت وفود الدول الثلاثة، وقتها، عن تقديرها للمشاركة والتسهيلات المقدّمة من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص إلى سوريا في تلك المحادثات، وأكّدت على التزامها بسيادة واستقلال ووحدة أراضي “الجمهورية العربية السورية ” ، وبكونها دولة متعدّدة الأعراق والأديان وغير طائفية وديمقراطية ، كما تمّ التأكيد على ذلك سابقاً من قبل مجلس الأمن الدولي ، وبأنه لا حلّ عسكري للأزمة في سوريا، وأنّ الحلّ الوحيد سيكون من خلال عمليةٍ سياسية مبنية على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 ، كما قرّرت إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة وضمان الالتزام الكامل بوقف إطلاق النار، ومنع وقوع أيّة استفزازاتٍ ، ووضع الآليات الناظمة لوقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد .
لنعد إلى محادثات أستانة الأخيرة بنسختها الثامنة عشرة، التي انعقدت في العاصمة الكازاخية نور سلطان بتاريخ 15 يونيو الجاري، بمشاركة ممثلي الدول الضامنة :روسيا – تركيا – إيران ، بالإضافة لوفدي المعارضة والنظام السوريين ، وروبرت دون، المسؤول عن القضايا السياسية لدى مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا بيدرسون ، إضافةً للوفد الأردني بصفة مراقب .
عُقدت هذه الجولة في ظلّ ظروفٍ صعبة وأكثر تعقيداً للوضع السوري دولياً، وحتى بين الدول الثلاثة الضامنة لأستانا، فروسيا منهمكة بالصراع مع الغرب من خلال حربها ضد أوكرانيا ، وربّما لزيادة العبء عليها في سوريا قد تضطرّ لانسحاباتٍ جزئية من سوريا، وبالتالي فإنّ إيران هي المرشحة لملء هذه الانسحابات، وبالتالي زيادة النفوذ الإيراني، الأمر الذي يقلق تركيا، وبالمقابل تركيا تزيد من انفتاحها على دول المنطقة كمصر و السعودية وإسرائيل ؛ وهذا ما يزعج إيران ، ناهيك عن عدم فتح تركيا لأجوائها أمام الطيران الروسي .
إنّ ماطغى على اجتماعات أستانة 18 هي التهديدات التركية بالقيام بعمليةٍ عسكرية في شمال سوريا، وقد أكّد ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، بأنّ : ( شنّ عملية عسكرية جديدة في شمالي سوريا ستكون خطوةً غير عقلانية) ، بمعنى روسيا لم تحسم الأمر بالضغط الكافي لثني تركيا عن خطوتها تلك ، ناهيك عن الرفض الإيراني المحسوم لأيّ عمليةٍ عسكرية ، وبالرغم من الحيّز الكبير الذي خُصّص لهذا المحور فإنّ البيان الختامي لم يتطرّق للعملية العسكرية التركية وتهديداتها .
إنّ الدول الثلاثة الضامنة، من خلال بيانها الختامي ، لم تركّز على محاور محدّدة، كما جرى في الجولة السابقة ( أستانة 17 )،حيث مكافحة الإرهاب ودخول المساعدات الإنسانية والتمسك بملف مناطق خفض التوتر ، فما جاء في البيان الختامي للجولة الأخيرة ، كان سرد وتكرار لمحاور عدة، من مكافحة الإرهاب، وسيادة الجمهورية العربية السورية، وملف عودة اللاجئين، ودخول المساعدات الإنسانية، وتفعيل اللجنة الدستورية، التي هي من مخرجات سوتشي ، وإدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية على سوريا ، فكلّ هذه المحاور (قديمة- جديدة) ولم تترجم أغلبها ، ولكنها بمثابة رسالة بأنّ اجتماعات أستانة تشكّل جزءاً مهماً من العملية السياسية حول سوريا ، فبالرغم من التأكيد الأممي بأنّ حلّ الأزمة السورية يتمثّل في مرجعية مؤتمر جنيف والقرار 2254 فإنّ الملفت في اجتماعات الجولة الأخيرة هو مقترح المبعوث الروسي بنقل اجتماعات جنيف إلى مكانٍ آخر ( عمان – الجزائر – الإمارات…) لعدم حيادية سويسرا بعد تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا، على حدّ زعم روسيا ، وهو مقترح روسي وحيد للضغط على الأطراف بأنّ روسيا ربّما لن تستخدم الضغوط الكافية على النظام لحضور الاجتماعات الدستورية في جنيف ، كون النظام منذ 2014 لم يكن ليحضر اجتماعات جنيف وخاصة مايتعلق باللجنة الدستورية منذ عام 2019 لولا الضغط الروسي ، مع العلم أنّ اللجنة الدستورية جزء من القرار 2254 والذي تم تقديمه على أولويات الحل السياسي ( هيئة الحكم الانتقالي ) ، وهناك تخوّف أممي من محاولة روسيا لاستخدام ( فيتو) حول آلية تمديد و توصيل المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا عبر معبر باب الهوى على الحدود التركية في بداية الشهر القادم ، لكنّ المراقبين يستبعدون الخطوة الروسية هذه نظراً للحاجة الروسية لتركيا في هذه المرحلة أكثر من أيّ وقتٍ مضى .
في ظلّ عدم جدّية المجتمع الدولي للتعاطي المطلوب مع الأزمة السورية والجولات الماراثونية المتكررة حول الشأن السوري وخاصةً عدم إحراز أيّ تقدمٍ عملي يُذكر في عمل اللجنة الدستورية ، تبقى محنة السوريين مستمرّة ومترقّبة بين جنيف وأستانة بمزيد من المآسي والإحباط، إن لم تكن هناك صحوة للضمير الإنساني و لفتة نوعية جديدة من المجتمع الدولي.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 299