الأخوة الكُردية العربية في وسائل التواصل الاجتماعي
عبدالله كدو
عندما انطلقت الحركة السياسية الكُردية، قبل أكثر من ستةعقود، للدفاع عن الوجود الكُردي وتأمين حقوق الكُرد في سوريا، في ظلّ بروز نزعة الاستعلاء القومي العروبوي وإقصاء الكُرد، لا بل تعريبهم ، حينئذٍ رفعت الحركة الوطنية الكُردية شعار “الاخوة العربية الكُردية” واعتبرته ركناً أساسياً من أركان الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية التي كانت – و لا تزال – الحركة الكُردية تعمل للانتقال إليها.
إنّ من شأن المتتبع للعلاقة القائمة بين نسبة كبيرة من من المواطنين العرب والكُرد السوريين ، وخاصةً من المعتمدين على وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ أساسي وخاصةً الفيسبوك ، ملاحظة حالة الشك وعدم الثقة تشوب العلاقة بين الطرفين.
نرى نسبة كبيرة من تلك الشريحة، من الكُرد السوريين المهتمين بالشأن السياسي العام، محبطون من خطابِ العرب السوريين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية، حيث يتمّ أخذ جميع المواطنين العرب بجريرة المواقف العنصرية أو الممارسات العدوانية للأنظمة التي تعاقبت على سدة الحكم في البلاد، منذ الاستقلال تجاه الكُرد، من جهة، ومواقف شوفينية حاقدة لنسبة معينة من السياسيين والمثقفين المعارضين من العرب السوريين تجاه الكُرد، قبل الثورة السورية وبعدها، من جهة أخرى، إضافة إلى انتهاكات فردية أو جماعية أحياناً، بحق الكُرد أو بعض منهم، منسوبة إلى فصائل مسلحة ممن تسيطر على عفرين وسري كانييه/رأس العين وتل أبيض، في مرحلة الثورة، و هناك حالة مشابهة في الضفة الأخرى، حيث هناك التشكك أو حجب الثقة عن كُرد سوريا بسبب انتهاكات منسوبة لجهات تابعة للإدارة الذاتية أو قوات سوريا الديمقراطية ” قسد” التي يعتبرها العرب بأنها كُردية ، ذلك بحق مواطنين عرب، في مرحلة الثورة.
وعليه أعتقد من الضروري أن يتصدّى جميع المثقفين والسياسيين الوطنيين السوريين، بمختلف مشاربهم من العرب والكُرد وغيرهم من السوريين، ممن يتبنّون حقوق كلّ أفراد ومكونات الشعب السوري، عليهم إيلاء الاهتمام اللازم بهاتين الشريحتين اللتين ” تنفخان في اللبن خوفاً من الحليب ” و العمل على معالجة هذه الحالة الضارة والمتنافية مع هدف تعزيز الانتماء الوطني السوري الجامع لتحقيق الاستقرار في سوريا، [انطلاقاً من استتباب الأمن والاستقرار داخل جميع المكونات السورية ،] الذي سيقوم على التعددية السياسية والقومية والدينية وغيرها كما هي عليه الحال في كل الدول الساعية بشكل جاد للاستقرار والتطور، حيث يتمّ زجّ جميع الطاقات والموارد البشرية وغيرها في معركة التنمية المستدامة ، هذا الاهتمام الذي يَعتبر مهمة لا بل هدفاً أساسياً للثورة السورية وأحد شروط نجاحها، ففي الجانب الكُردي، المتعارف عليه كانت نسبة كبيرة من العرب السوريين، قبل الثورة على الأقل، كانوا يستكثرون على الكُرد، الاعتراف بأنهم ينتمون إلى الأمة الكُردية، و أنّ وطنهم التاريخي اسمه كُردستان، كما لجيرانهم أوطان على نفس الوزن باسم عربستان و تركستان و بلوشستان و باكستان و غيرها…
و قد تجزّأ وطنهم بين سوريا و العراق و تركيا و إيران، ويحقّ لهم الحفاظ على روابطهم القومية مع أبناء جلدتهم أينما كانوا، حيث يؤكّد الكُرد، كغيرهم من السوريين، على صيانة وحدة البلاد أرضاً و شعباً، ولا بدّ من القول لتلك الشريحة المشار إليها من الكُرد، بأنّ الصحيح هو أنّ المواطنين العرب، كأفراد و جماعات، يختلفون في قضايا كثيرة، منها القضية الكُردية، و بالتالي لا يجوز أخذ البعض بجريرة غيرهم، بل يجب السعي الحثيث لإجراء حوار وطني مسؤول مستمر، خاصةً عبر تلك الوسائل، أعني وسائل التواصل الاجتماعي، لإزالة اللبس والغموض، وتعزيز الثقة وروح المسؤولية الوطنية بين جميع الوطنيين ، بمختلف انتماءتهم، أولئك الذين لا قائمة للبلاد بدونهم.
وان يوجَّه نفس الكلام للعامة من المواطنين العرب لتصحيح النظرة للكُرد، وكذلك الأمر بالنسبة للمواطنين التركمان و السريان الآشوريين و الأرمن و الشركس و غيرهم من المكونات ، حيث لا يجوز اختزال شعب أو منطقة في فصيل أو تيار أو حزب، والتأكيد، بأساليب مختلفة، على أنّ لا حلَّ أمام السوريين سوى الحوار الوطني واعتراف جميع الأفراد و الجماعات بالبعض، فعلى أهمية جميع الروابط الدينية والقومية والثقافية لدى المواطنين، إلا أنّ الرابطة الوطنية التي تقوم على أساس حدود الدول، حيث خضوع جميع المواطنين ضمن حدود الدولة، لنفس السلطة والقوانين، هي الرابطة الأساس التي سيرتكز عليها الدستور والعقد الاجتماعي للمجتمع السوري في مرحلة زوال الاستبداد القائم.
الرابطة الوطنية هي أساس التعامل القانوني بين المواطنين ، مع احترام منزلة بقية الروابط التي تغني الاستقرار و تطوّر الاندماج المستند على العلاقات الاجتماعية المتطورة .
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “319“