الأمة الكُردية عام مضى.. عام قادم
محمد زكي أوسي
عام مضى وها هو عام جديد قَدِمَ إلينا، والسؤال هو ماذا يحمل العام الجديد إلينا؟ لاحظ هيغل الفيلسوف الألماني يوماً (أنّ التاريخ لم يُعَلِّمْ أحداً أيَّ شيء بعدُ) وهذا صحيح،، ولكنّ الأصح هو أنه يُعلّم البشرية دروساً حكيمة ومفيدة، وأضعف الإيمان هو أن يتعلّم المرء استخلاص الدروس والعبر، ولو لحين ، وألّا يرتكب نفس أخطاء الأسلاف، وبهذا الشكل فإنّ المسألة لا تكمن في دروس التاريخ، وإنما في قدرة المرء على استيعابها، وهذا ينطبق تماماً على تاريخ الأمة الكُردية، الذي يحقّ لنا إبداء الملاحظات المفيدة حوله، مع الأخذ بعين الاعتبار، جميع العوامل الموضوعية والذاتية المؤثرة في سيرورة تاريخ هذه الأمة.
أولاً: خلق الوضع الجيوسياسي لكُردستان ظروفاً غير ملائمة لتطور الشعب الكُردي قومياً منذ القِدَم، وقامت في طريق العمليات الاثنو ثقافية والاثنو سياسية حواجز صعبة كانت سبباً رئيساً لعدم قيام دولة مركزية كُردية التي من دونها يستحيل عملياً تجاوز التخلف الذي تَكَوَنَ تاريخياً، وأعاق التطور القومي للكُرد، ووضعهم في مواجهة وضع يصعب اختراقه، إلا أنّ ذلك ممكن، وهذا لا يرتبط فقط بالتغييرات التي ترتدي طابعاً دولياً ، بل بالتوجه السياسي الخارجي للحركة التحررية الوطنية الكُردية.
ثانياً: تكونت تحت تأثير عوامل صعبة للكُرد ذات منشأ خارجي، عوامل داخلية صعبة جداً، فالتاريخ الكُردي جرى تحت شعار الانقسام، فالكُرد أمة مجزّأة سياسياً وعرقياً، فهم يشكّلون في كلّ بلد من البلدان الغاصبة قومية مختلفة ويسكنون المناطق الريفية، وتعرّضوا طيلة حياتهم للاضطهاد القومي والتمييز العنصري من السلطات المحلية والغزاة على حدٍ سواء، هؤلاء الذين ألحقوا بالأرض الكُردية وسكانها أضراراً فادحة للغاية, وأثّرت نوعياً على مختلف جوانب حياة الأمة الكَردية الروحية منها والمادية، ومن هنا يتأتّى أنّ نيل الحرية السياسية وتوحيد الأرض الكُردية هما مهمتان أساسيتان من المهام القومية للشعب الكُردي، ومن دون حلهما سيبقى الشعب الكُردي محكوماً بالتخلف إلى الأبد.
ثالثاً: إنّ الحد الأقصى في ما يتعلّق بالأهداف المثلى التي تعدّ فعلاً كذلك أم تبدو للمرء سواءً في الحياة أم في السياسة غاية صعبة المنال، وخاصةً إن كانت مجموعة أهداف مرغوبة معاً، وهذا واضح في قضية مسألة مصير الشعب الكُردي، ولئن حقّقت الحركة القومية التحررية للشعب الكُردي، رغم إخفاق عدد كبير من الثورات، نجاحاتٍ مهمة مثل إدراج المسألة الكُردية في جدول أعمال الحياة الدولية المعاصرة، وإقامة بؤرة للاستقلال في جنوب كُردستان، فإنّ النضال في سبيل وحدة كُردستان كان نصيبه الإخفاق، لأنه يمسّ المصالح الحيوية للدول الشرق أوسطية والغربية الكبرى، ومن هنا :الإستنتاج الضروري وهو أنّ النضال لتحقيق الأهداف ينبغي تقسيمه زمنياً وخوضه على مراحل، وهذا يتعلّق بمستويات تقرير مصير الكُرد القومي، ولا بدّ في المقام الأول التوصل إلى ضمان الحقوق السياسية والثقافية للكُرد في كلّ بلد من البلدان الغاصبة على حدى، والتي جزّأت كُردستان ويجب أن يكون هذا البداية، وثمة شواهد من القرنين التاسع عشر والعشرين على تعايش دول أو إدارات تتمتّع بحكم ذاتي على أرض قومية واحدة، علماً أنّ العلاقات تتشكّل بينها على نحوٍ مختلف من العلاقات العدائية إلى العلاقات الودية تماماً، وأحياناً ينتهي الأمر بالوحدة مثل (فيتنام – ألمانيا) وليس بعيداً أن يسلك التطور السياسي – الحكومي للكُرد هذا السبيل.
رابعاً: البيئة الخارجية دائماً كانت غير مناسبة للكُرد، وعلى هذا الأساس تَكَوَنَ مصيرهم التاريخي، وكذلك العلاقات الداخلية الكُردية أيضاً لم تكن على ما يرام في الماضي والحاضر على السواء، ومرد هذا أسباب موضوعية وأخرى ذاتية دخلت عضوياً في الذهنية الكُردية النمطية، التي تكوّنت خلال قرونٍ من تاريخ تطورهم مكوناً وحدة اثنو سيكولوجية متميزة، ومصيبة الكُرد الأساسية في انقسامهم الأزلي، الذي ظلّ قائماً على شكل رواسب حتى يومنا هذا، حينما أصبحت العلاقات بين المجموعات القبلية -العشائرية كمؤسسة مكونة لبنية المجتمع الكُردي قد أصبحت في الماضي، لكنها دخلت إلى التقليد الذي يترك تأثيراً ضاراً على الثقافة السياسية المعاصرة للكُرد، فالتشتت يضعف الحركة التحررية القومية للكُرد، الأمر الذي يستغلّه أعداء حرية الكُرد واستغلالهم على أوسع نطاقٍ في الدول التي تقتسم كُردستان، هذه التجليات تجري سواءً أفقياً لأسبابٍ موضوعية تكمن في الجغرافيا واللغة إلى حدٍ ما بالانقسام الديني للأمة الكُردية، أم بشكلٍ عمودي يكمن في الأسباب السياسية والاجتماعية المحضة. إنّ الحياة السياسية لكُردستان التاريخية المعاصرة قد شخّصت بقوة (سمة شرقية وكُردية أيضاً) إنّ مسألة القيادة في الحركة الوطنية التي كثيراً ما تشغل موقع الصدارة، وأحياناً تلحق الضرر الفادح بالمصالح الكُردية العامة.
وهكذا يمكننا صياغة الدرس الأساسي للتاريخ الكُردي وبالشكل التالي، وتجاوز رواسب الانقسام الرجعي عملياً وتحقيق الوحدة السياسية – المهمّة المركزية والوطنية العامة للشعب الكُردي الذي يكافح بنجاحٍ منقطع النظير في الشرق الأوسط في سبيل حريته واستقلاله، إنّ بوسع الكُرد في ظلّ الظروف هذه الاستفادة من الامكانيات المناسبة التي وفّرها لهم الوضع الدولي، المتشكّل منذ نهاية القرن العشرين، عندما يمّم الغرب والرأي العام الدولي وجههما شطر كُردستان، الفرصة الذهبية التي ترقّبها الكُرد طويلاً، متّجهين نحوها بكلّ السبل والوسائل كما فعل الحزب الديمقراطي الكُردستاني في جنوب كُردستان.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 294