الإدارة الذاتية في المناطق الكردية في سوريا بين الاعتراف والتهميش
نزار موسى
توالت الأحداث في سوريا لعشر سنوات منصرمة ، وبرزت أشكال مختلفة من تصارع القوى على الأرض للبحث عن نفوذ لها في المنطقة ، وذلك عبر وسطاء محليين ، أما الملفت للإنتباه وبعد فشل التحالف الدولي في تشكيل قوة عسكرية معارضة يعتمد عليها في محاربة داعش في المنطقة ، بادرت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها بالتفكير في الإعتماد على قوة محاربة قريبة من النظام السوري ، هادفة من ذلك إبعادها عن توجهات النظام السوري من ناحية، والإستعانة بها من ناحية أخرى، في تحقيق هدفها المعلن على الأرض ، في محاولة منها أن تدير التناقض بين هذه القوة و الحليف التركي ، تلك القوة التي لها إرتباط أيديولوجي مع حزب العمال الكردستاني التركي ، فعملت أمريكا على تطعيمها ببعض القوى الأخرى من الشخصيات و الفصائل العسكرية العربية و غيرها من مكونات المنطقة ، لتلقى نوعا من السكوت التركي المؤقت ، إلى أن تحقق الغاية من تشكيلها بمسماها الوليد (قوات سوريا الديمقراطية) .
بعد الآلاف من التضحيات التي قدمتها هذا الجسم العسكري خلال عدة سنوات من القتال ضد داعش ، تمكنت من طردها من ربع مساحة سوريا تقريبا ، لتعمل كل من قسد وحزب الإتحاد الديمقراطي في التحضير للإعلان عن إدارة لهذه المناطق الخاضعة لسيطرتها عام 2018 ، دون التعمق في العوامل الضرورية لتشييد بنيانها التنظيمي والسياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وبشكل أحادي ومنعزل عن الحالة السياسية الكردية السورية ، متكلين على الواقع العسكري على الأرض ووفرة موارد الاقتصادية للمنطقة ، ناهيك عن ورقة أسرى داعش والدعم اللوجستي والعسكري الأمريكي ، في جلب نوع من الإعتراف الخارجي لترسيخ بنيان الإدارة على الأرض كما كان مخططا له .
ولكن ما لبثت أن مرت المنطقة بعدة عمليات عسكرية قطعت أوصال المنطقة جغرافيا ، واستهدفت تقويض هذه الإدارة غير المستقرة .
فقد عملت تركيا على إنشاء ممرات عازلة على حدودها ضمن توافقات مع القوى الفاعلة في الملف السوري ، فانتزعت بذلك ثلاثة مدن من جغرافية تلك الإدارة ، عبر فصائل تابعة لها عاثت فسادا وأساءت للوجود الكردي في تلك المدن الواقعة في الجغرافية ذات الأغلبية الكردية ، وتمادت مؤخرا ومضت نحو معقل الإعلان عنها ( عين عيسى ) لتعينها كهدف قادم .
تقييما لحالة إدارة الذاتية في المنطقة وجدواها وبشكلها المعلن ، كان الأجدر بمؤسسي هذا الكيان البحث عن مقومات أساسية رصينة ، محققة بها الاستقرار المنشود وذلك عبر لملمة البيت الكردي أولا ، وإرساء قواعد هذا الكيان بحاضنة قوية، كمكون أساسي في المنطقة ، ومعبر أيضا عن الحالة الكردية السورية ، وليس ككيان يتصرف و كأن جغرافيته تقع ضمن تركيا نفسها . كما أن حوارا مكوناتيا حقيقيا في المنطقة كان السبيل الأفضل لإنجاز التنوع المعني لأية إدارة ، بعكس البحث عن قوى نفعية من هذه المكونات وغير معبرة عن واقع حال مكوناتها .
أوراق القوة الجالبة للإعتراف بمنظور مؤسسي لذاك الهيكل لم تكن مجدية ، ولم تحقق أي تواصل رسمي مع الخارج ، خارج أطر التنسيق الأمني واللوجستي مع تلك الأطراف الداعمة لها في مجابهتها لداعش ومنه ظهورها من جديد ، فلم ترتق بعض الزيارات لمناطق الإدارة الذاتية، إلا على مستوى بعض المتعاطفين من البرلمانيين الأوربيين والنشطاء ومحبي الإطلاع لأدنى مستوى مطلوب ، ولم تتعد بعض المكاتب التمثيلية لها في الخارج عن كونها جمعيات تمثيلية غير رسمية ،
أما القوة البشرية وأداؤها ومحاولة إستحداث كفاءات للنهوض في عملية الإدارة لم تمض بعجلة التنمية ، حيث إن التشريعات المستندة للعقد الاجتماعي المؤدلج لم تتمكن من أن تنظم حياة تشريعية صحية ، ولم تلب الطموح في تحقيق الرقابة على أي جهة تنفيذية ، فغلب الفساد ، وتهالكت البنى التحتية دون ترميم حقيقي لها مع الزمن ، وعدت بالتالي ضعيفة أمام التحديات الاقتصادية والصحية والمعيشية والمجتمعية مؤخرا ، والتي أثقلت بدورها كاهل سكان المنطقة ، وزادت من بؤسهم في عدم توفر أساسيات الحياة الكريمة.
ناهيك عن ضياع السبيل لإيجاد أرضية معقولة في إنتزاع أية مشتركات مع الحكومة السورية في دمشق ، وعدم التمكن من تحييد مسوغات الساسة الترك في تقييمهم لتلك الخصوصية الإدارية المجاورة لها ، عبر العجز عن تحقيق الطلاق الإيديولوجي والسياسي عن العمال الكردستاني التركي ، ناقلا بذلك حالة الصراع التركي الداخلي إلى المنطقة الواقع تحت نفوذها .
إذا الدخول في مقايضة دولية على مناطق سورية كلاعب ضعيف مقارنة مع بقية اللاعبين ، دون أرضية أو مشتركات مع أية قوة فعالة ورئيسية في الواقع السوري ولا حتى مع وكلائها سواء في المحيط أو في الداخل ، ساهمت وبشكل واضح في أن تكون الكعكة التي ستحضر لأن تقسم في نهاية اللعبة ، في ظل الواقع الحالي بمعالم غير واضحة في مصيرها ، ومدى جدواها إن لم تجر لها عملية ترميمية في الصميم ، مع إجراء تقييم واقعي لإستراتيجية المضي بها ، والبحث في إمكانية تطبيق أهم عوامل إنجاحها في الاستقرار والتوازن و مشاركة الجميع ، عدا عن البحث في إزالة منغصات إستقرارها ومعالجتها بشكل عقلاني ممكن .
الحالة الصحيحة تتمثل في أن تكون أي إدارة مستحدثة ، ممثلة للشعب بشكل حقيقي ، على أرضية سليمة ، وأن تعمل على كسب معارضيها إن جاز التعبير قبل مؤيديها ، لا أن تعمل على إقصائهم بإنهاء أي حياة سياسية في حاضنتها و البحث عن حياة ظاهرية مؤدلجة كما الواقع ، مكتفيين بالزمن عله يفتح بابا مغيرا لواقع الحال .
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “282”