الانتحار… أسبابه وطرق مواجهته
آشتي تيشي
شُهِدت مؤخّراً عدة حالاتٍ للانتحار في مناطق متفرقة بكُردستان سوريا ؛ عُزّت جميعها إلى أسباب اجتماعية ونفسية أو ظروف قاهرة مرّ أو مرّت بها المنتحر/المنتحرة، ويعرّف علم النفس الانتحار بأنه قتل الإنسان لنفسه وإزهاق روحه بطرقٍ عدة، لذلك نسمع بين الفينة والأخرى عن ظواهر عدة للانتحار في مجتمعنا الكُردي، وللانتحار أسبابٌ تدفع صاحبه/صاحبته إلى قتل نفسه وزهقها، وبالطبع من يُدفَع على فعلةٍ كهذه تكون قد سُدّت جميع الطرق في وجهه لإيجاد حلٍّ لمشكلته أو ظروفه أو مصادفة مشكلة لا يمكنه التعايش معها ، فيضطرّ مجبراً على قتل نفسه.
ويؤوّل الانتحار إلى عدة أسباب مجتمعةً، ففي السنوات الأخيرة التي ألمّت بسوريا بشكلٍ عام وكُردستان سوريا بشكلٍ خاص نتيجة الحرب الدائرة التي أفرزت واقعاً مؤلماً يصعب معايشته نتيجة للضغوطات الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والتقاليد البالية التي قد تضطرّ فيها فتاة إلى قتل نفسها درءاً للفضيحة أو بعد حالة طلاقٍ أو إبعاد أمٍّ عن أولادها كما حدث مؤخراً مع فتاةٍ من مدينة قامشلو بعد طلاقها واصطحاب زوجها أولادها إلى كُردستان العراق ، فأطلقت النار على نفسها لعدم تحمّلها مألات الوضع والتعايش مع واقعها المؤلم.
تعريف الانتحار
يُعرّف الانتحار على أنه: «حالة الموت الناتج عن فعل يأتيه الضحية بنفسه، بقصد قتل نفسه، وليس التضحية بها لشيءٍ آخر، أي هو موت إرادي يقدم عليه الفرد للخلاص من مشاكله وصعوباته غير المحتمَلة، التي نشأت من حياته في الجماعة، ويقوم بنفسه بالوسيلة التي تحقـّق له غياباً تاماً»
الأخصائي النفسي الدكتور آرام حسن في حديثه لجريدة يكيتي متحدّثاً: “الانتحار أو محاولات الانتحار تصرّفٌ يقوم به الإنسان لإنهاء حياته، لذا يجب الانتباه إلى الأفكار الانتحارية ومحاولات الانتحار،
والانتحار بالمجمل له أسبابه الكثيرة وتختلف من شخصٍ إلى آخر بسب اختلاف العمر و الجنس و الثقافة و الإيمان”.
أسباب الانتحار
الأستاذة نجاح هيفو مسؤولة الاتحاد النسائي الكُردي – رودوز تقول في معرض إجابتها عن الأسباب التي تدفع للانتحار بقولها: “بتصوّري لا يمكن وضع أسباب محدّدة، أو بناء حالةٍ تفضيلية لسببٍ على حساب سببٍ، لكن حسب ثقافة المجتمع يمكننا الحديث عن أسبابٍ يمكن أن تكون سبباً في حالات الانتحار لدينا؛ مثلاً: الخوف من الفضيحة! والقصد أنّ بعض الفتيات يلجأن للانتحار بسبب مرورهنّ بتجارب قبل الزواج يرفضها المجتمع، أو العنف الممارس من قبل الأسرة، التي لا تملك الفتاة بديلاً عن الانتحار بسبب رفض المجتمع مساعدتها وغياب القوانين الداعمة لها، أو من الممكن التعليم وضغط الأهل على الفتيات اللاتي يدرسن المراحل التعليمية المهمة، وفيما يخصّ الشباب أعتقد الظروف الاقتصادية والحرب هما العاملان الأكثر بروزاً”.
أما دكتور الطب النفسي آرام حسن فيرجع ذلك لأسباب نفسية كالاكتئاب والصدمات النفسية والعاطفية، ويمكن أن يكون السبب على حدّ قوله نتيجة أمراض نفسية كالهوس والإفراط في تناول المشروبات الكحولية وتعاطي المخدرات.
التوعية
تقول الأستاذة نجاح هيفو في ردّها على سؤالٍ عن العادات والتقاليد البالية في مجتمعاتنا التي تدفع بعض الأشخاص مكرهين على الانتحار درءا للفضيحة، والدور الذي يقع على عاتق المنظمات النسائية لتوعية الأهل والمجتمع؟
“الجهد لا يقع على عاتق منظمات المجتمع المدني المعنية بشؤون النساء فقط، وإنما على المؤسسات الإعلامية أيضاً والمنظمات الحقوقية، وعلى السلطة. هذه الجهات يمكنها أن تعمل على فرض قوانين صارمة لمنع مثل هذه الجرائم المتعلّقة بما يُُعرف بالشرف، ويمكن لهذه الجهات أن تلعب دوراً في التوعية العامة لمثل هذه القضايا، ويمكن أن تقوم بتقديم المساعدة النفسية للفتيات اللاتي يتعرّضن لضغوطاتٍ نفسية. المهمة كبيرة، وهناك الكثير الذي يمكن أن يُعمل به”.
طرق العلاج
لعلاج الانتحار طرق عدة وهي مسؤولية تقع على الوالدين بالدرجة الأولى وللإجابة عن الطرق المتّبعة علمياً يقرّبنا الدكتور آرام أكثر منها بقوله:
“العلاج طبعاً كما هو معتمد ومعروف “الوقاية، التوعية النفسية والمجتمعية” هو حجر الزاوية في الحدّ والتقليل من حالات الانتحار وكذلك علاج الاكتئاب”.
لكن ماهي النقطة الارتكازية التي يتركّز عليها العلاج، فبحسب الاخصائي النفسي “هو التحدّث بالصراحة عن الأفكار الانتحارية التي تراود الشخص ومحاولة تصحيحها”.
في النهاية يرى الدكتور آرام بأنّ “اتّباع نهجٍ داعم ومحسّن بدلاً من اللوم والعقاب يساعد الشخص على التخلص من حالة العجز والأفكار السلبية والانتحارية”.
إنّ الواقع الحالي وما يرافقه من صعوبات تؤرق الحالة النفسية لدى مجتمعنا عموماً وتؤدّي إلى خلق حالاتٍ نفسية عقيمة ومشاكل يصعب التعامل معها، يساوره شكٌّ في قيمة حياته ووجوده ويدخل في صراعٍ مع نفسه تراوده أسئلة تحرق نفسه في ظلّ الظروف المحيطة به وبعائلته او بشخصه كشاب أو شابة سلكت طريقاً خاطئاً لا تجد حولها مَن يساندها أو أن يكون عوناً لها، كلّ هذه الأسباب مجتمعةً تؤدّي بالشخص في النهاية إلى مفترق طرقٍ هي أمّا مواجهة الواقع أو الانتحار.