آراء

الانتخابات الرئاسية في سوريا.. استعراض مسرحي إيراني – روسي

علي تمي

متى بدأت المسرحية ؟
بعد انطلاقة الثورة السورية في آذار 2011 دخل النظام ومنظومته الأمنية في حالة التخبط بعد عاصفة الانشقاقات التي عصفت بالجيش العقائدي لهذه المنظومة ، وسرعان ما بادر هذا النظام إلى الالتفاف على حالة الغليان في الشارع السوري بعد توريثه الحكم من والده ( حافظ الأسد ) من خلال مسرحية أعِدّت في طهران وبضوءٍ أخضر روسي وصمتٍ غربي ، فقد أدّى اليمين الدستورية رئيساً لسوريا في السابع عشر من يوليو عام 2000 و لم يتبادر إلى ذهن الكثيرين أنّ بشار الأسد ،هذا الشاب اليافع طويل القامة ،سيظلّ في السلطة لعقودٍ قادمة دون الرضوخ لإرادة السوريين ومطالبهم المحقّة .

الدستور المعمول به في سوريا حالياً تمّ اإعداده على قياس منظومة البعث الأمنية في عام 1973، والذي عُدّل مرتين، الأولى عام 1981، والثانية عام 2000 لتعديل السن القانونية لرئيس الجمهورية من سن الأربعين إلى الرابعة والثلاثين.

وفي 15 تشرين الأول عام 2011، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرسوم الجمهوري “رقم 33” القاضي بتأليف لجنة إعادة كتابة الدستور، المكوّنة من 29 عضواً، إلى أن صدر “المرسوم 94” في شباط 2012، القاضي باعتماد الدستور الذي يُعرف بدستور 2012.

ونصّ دستور 2012 على اعتبار سوريا “دولة ديمقراطية، ذات سيادة لا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها”، وأنّ النظام جمهوري والحكم فيه للشعب، وقد حافظ على أغلب بنود ومواد الدستور السابق 1973، وأضاف إليه 14 مادة، وأدخل عليه 47 تعديلاً، وحافظ على السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية، وبناءً عليه أفسح هذا الدستور المعدّل ل بشار الأسد بالترشح والإعداد لمسرحيةٍ جديدة ( الانتخابات الرئاسية ) في 2021 ، وقد فُتح باب الترشح ل51 شخصاً جميعهم ممثلو الأجهزة الأمنية ،وتمّ استبعادهم فيما بعد ، والإبقاء على ثلاثة فقط لعدم استيفاء البقية لشروط الانتخابات بحسب ما أعلنت عنه المحكمة الدستورية في دمشق والذي حُدّد موعد إقامته يوم السادس والعشرين من أيار/مايو في استحقاقٍ تبدو نتائجه محسومة لصالح رئيس النظام بشار الأسد في بلد دخل النزاع الدامي فيه عامه الحادي عشر وسط غياب أيّ آفاقٍ لتسويةٍ سياسية في البلاد .

ما مصلحة إيران – و الروس في إعداد هذه المهزلة ؟

جاء التدخل العسكري الروسي – الإيراني المباشر في سوريا ( عام 2015 ) بعد وصول فصائل المعارضة السورية المسلحة إلى ساحة العباسيين في دمشق، وقرع باب قصر المهاجرين من هناك ، فيقول الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في مقابلة سابقة له مع قناة ( الميادين ): إنّ (قاسم السليماني) هو مَن أقنع الرئيس الروسي ( بوتين ) بالتدخل، لمنع سقوط المدن السورية، الواحدة تلو الأخرى، بيد المعارضة ، مضيفاً أنه في تلك الأثناء، حدث “تنسيق إيراني-روسي” من أجل ترتيب زيارة سليماني إلى موسكو الذي “التقى بوتين مدة ساعتين” وقام بوضع الخرائط على الطاولة” أمام الرئيس الروسي، وكشف له مناطق توزع القوات الحليفة للأسد، وقوات معارضيه، ثم قام بتقديم “قراءة استراتيجية” لبوتين، حول سوريا والمحيط الإقليمي، والنتائج المتوقعة” بعد التدخل ، بينما كان للروس هدف أبعد من ذلك ، و مصلحة إستراتيجية بالتدخل العسكري في سوريا لإعادة الاعتبار للجيش الروسي في الشرق الأوسط، والبحث عن الأسواق لبيع أسلحتها بعد اختبارها والدعاية لها على الساحة السورية ،ومن ثم وضع موطئ قدم لها في المياه الدافئة ، و ما يراه المراقبون بأنّ ذلك تحقّق ولو بشكلٍ نسبي ، أما الإيرانيون فلديهم أطماع تاريخية في المنطقة ، وتدخلهم في سوريا جاء لإنقاذ منظومته في لبنان ( حزب الله ) خوفاً من السقوط بعد أن يتمّ الإطاحة بالنظام السوري ،وبالتالي تفقد طهران أكبر ورقةٍ تفاوضية لها في مواجهة تل أبيب وواشنطن حول ملفها النووي، وبالتالي استمرار منظومة بشار الأسد الأمنية في الحكم مصلحة إيرانية – روسية مشتركة، وذلك لحماية تواجدهما العسكري في سوريا على المدى البعيد ،ولتطويق تركيا وعزلها عن محيطها العربي .

المواقف من الانتخابات

في المناطق الشمالية التي تسيطر عليها المعارضة السورية لن توضع فيها صناديق الاقتراع ،بحسب تصريح الائتلاف السوري المعارض ،معتبراً أنّ الانتخابات الرئاسية التي يعتزم النظام إجراءها في مايو/ أيار المقبل، غير شرعية ومسرحية هزلية، داعيةًالمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته بدفع النظام للانخراط بالحلّ السياسي.
بينما المجلس الوطني الكُردي اعتبر إجراء انتخابات رئاسية هو تحدٍّ سافر لإرادة السوريين وللإرادة الدولية وكل قراراتها لحل الأزمة السورية في ظل غياب البيئة الآمنة والمحايدة، وغياب أكثر من ثلثي أبناء وبنات شعبنا السوري عن البلاد، بين مُهجّر ونازح، بدوره وصف تيار المستقبل الكُردي هذه الانتخابات أنها غير شرعية وتفتقد إلى المصداقية، من المتوقع ألا تسمح قسد أيضاً بإجراء هذه الانتخابات في مناطق سيطرتها باستثناء المربعين الأمنيين في القامشلي والحسكة.

دولياً – وفي جلسة مجلس الأمن التي عُقِدت قبل شهرٍ من الآن ، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد: إن “هذه الانتخابات لن تكون لا حرة ولا نزيهة ، ولن تُكسب نظام الأسد أيّ شرعية”، و”لا تستجيب لمعايير القرار الدولي 2254 الذي ينصّ على إجرائها بإشراف الأمم المتحدة، أو بموجب دستور جديد”.

وفي بيانٍ مشترك، دعا وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، التي “لن تؤدّي إلى أيّ تطبيعٍ دولي للنظام السوري”، بينما وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو ذهب الى أبعد من ذلك ، حيث قال: “إذا كان النظام في سوريا يريد تنظيم الانتخابات بنفسه ولنفسه، لا شرعية لهذه الانتخابات ولن يعترف بها أحد”.

الخلاصة : الكُرد في سوريا هم من أكثر المكونات المتضرّرة منذ وصول منظومة البعث الدكتاتورية إلى الحكم قبل أربعين عاماً ، فقد فرضت هذه المنظومة مشاريع استثنائية على المناطق الحدودية ، ومنعت الكُرد من استملاك أراضيهم ، وقامت بتجويع المنطقة الحدودية من عفرين حتى ديريك من خلال منع إقامة مشاريع اقتصادية ، فيما أوصلت مياه نهر الفرات إلى إدلب وريف حلب وتل أبيض، بالإضافة إلى تهميش منطقة مثل كوباني التي تعاني حتى يومنا هذا من العطش وشحّ المياه بعد أن تحوّلت معظم الأراضي الزراعية فيها إلى أراضي جرداء ، فضلاً عن غياب المشافي والطرق السريعة والخدمات الأساسية الأخرى كما في بقية المدن والقرى الكُردية ، وفي 4 حزيران 1974 أصدرت منظومة البعث الأمنية أمراً بتطبيق مشروع “الحزام العربي” وهذا ما زاد الطين بلةً ، وحرمان الناس من أبسط حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية ، لهذا السبب الكُرد في سوريا لديهم مصلحة استراتيجية في عدم المشاركة في هذه المهزلة ، وعدم شرعنة هذا النظام من جديد من خلال مسرحيةٍ أعِدّت في طهران وموسكو بعد أن فقد شرعيته السياسية والقانونية والأخلاقية منذ توجيه أول رصاصةٍ إلى صدر السوريين في 18 آذار 2011 .

منشور في جريدة يكيتي بعدد 286

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى