آراء

انتفاضة المحروقات- دلالات وعِبر

فؤاد عليكو

ما أن صدر القرار 119  في 17/5/2021من قِبل ” الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا ” حتى كان وقعها كالصاعقة على الشارع في كلّ مناطق شرق الفرات، وتحرّكت الجماهير بعفويةٍ مطلقة في معظم المناطق، يقيناً منها بأنّ القرار سيطال معيشة الجميع بتداعيات غير مسبوقة ، لايمكن تجاوزها ومعالجتها في الأمد القريب، وأنّ الأوضاع ستسوء أكثر  مما هي عليه ، وإن ارتفاع أسعار المحروقات سيطال أكثر من 360 مادة ضرورية للحياة اليومية، كأجور السفر والتنقل و المواد الغذائيه وغيرها، سيؤدّي إلى تدمير قطاع الزراعة كاملاً، خاصةً إذا علمنا أنّ أكثر من 75%من أبناء المنطقة يعتمدون في دخلهم على القطاع الزراعي، نظراً لعدم توفّر مصادر الدخل الأخرى كالصناعة والتجارة، بسبب حجب النظام عن القيام بأية مشاريع إنتاجية في الجزيرة لغاياتٍ عنصرية، بممارسة سياسة التجويع على الشعب في هذه المنطقة، ولأنّ القرارات التي كانت تصدر بحق المنطقة كانت عامة، فقد كان يتضرّر منها الجميع كُرداً وعرباً و غيرهم ، لذلك بقيت المحافظات الثلاث (الحسكة- الرقة – دير الزور ) محافظات نامية منذ تأسيس الدولة السورية ولا يزال ،رغم أنّ معظم خيرات سوريا تأتي من تلك المحافظات (حبوب و قطن -ثروة حيوانيه – نفط).

وبدلَ أن تلجأ هذه الإدارة إلى معالجة هذا الخلل الكبير والاهتمام بالتنمية فيها وإشعار الناس بأنّ نظام القمع والإقصاء والتهميش والنهب  قد ولّى إلى غير رجعة، تقوم هذه الإدارة بتكرار  تجربة البعث السيء الصيت نفسها على الشعب المنكوب، رغم تحذيرنا مرارا وتكرارا  من مغبة  استنساخ  تلك التجربة المقيتة للبعث  في الإدارة على شعبكم، وكنا على قناعة  بأنكم ستجدون اناسا كثر  من المصفّقين والانتهازيين حولكم .

لكن وبكلّ أسفٍ ما كنا نخشى منه قد وقع، فكانت سياسة كمّ الأفواه والاعتقالات ومدّ اليد إلى جيوب المواطنين هي الطاغية منذ سبع سنوات وحتى اليوم، تماماً كما كانت تمارسه سلطة البعث، بعيدا كل البعد عن فلسفتكم ( النظرية )في الأمة الديمقراطية التي تغنون بها ليل نهار.

لكن بانتفاضة المحروقات تغيّرت المعادلات كلياً، وكُسر حاجز الخوف، ولم يعد الشارع يأبه لا بالقمع ولا بالاعتقالات، وانتفض بقوةٍ في وجه الظلم، وقد فعلت الإدارة حسناً حين تراجعت عن قرارها، وإلا لكانت النتائج والتداعيات وخيمة على الجميع.
من هنا نستطيع أن نستنتج جملة معطياتٍ من خلال انتفاضة المحروقات منها:
1- كسر حاجز الخوف والى الأبد مهما كانت نتائجه .
2- أيّ قرارٍ سيصدر لاحقاً ويمسّ الحياة المعيشية للمواطنين سيُحسَب له ألف حسابٍ، وهذا المكسب قد تحقّق يوم 18/5/2021
3- أثبت الشارع الكُردي أنه متقدّم على الحركة الكُردية في تعاطيها مع الحدث.
4- صحيحٌ أنّ المجلس الوطني أصدر بياناً مقبولاً بالحدث، لكنه لم يستغلّ لحظة خروج الجماهير للشارع، حيث كان يفترض به النزول بين الجماهير لا البقاء متفرّجاً وانتظار الاجتماعات الروتينية، ذلك باستثناء بعض القيادات التي واكبت الحدث كما يجب ،لذلك على المجلس الكُردي مراجعة سياسته في هذا الصدد والبحث عن آلياتٍ أكثر ديناميكية في مواكبة الأحداث اليومية مستقبلاً.

5- يسجّل إيجابياً لبعض الأحزاب المشارِكة في الإدارة الذاتية ،إبداء موقفها بكلّ جرأةٍ وشفافية في الحدث، وفي الوقت المناسب، سواءً عبر بيانٍ رسمي أو من خلال الإعلام، و في الوقت نفسه كشف عن أمرٍ هام، و هو أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي  ب ي د مستفرد بالحكم و يتجاهل ” شركائه ” في اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية وهذا ما يؤسف له.
ختاماً…نأمل أن تكون انتفاضة المحروقات درسا للجميع للاستفادة منه مستقبلاً، فالشعب لم يعد يقبل أن يتمّ التلاعب بمصيره، ولن يقبل بالانقياد من قبل المتقاعسين في أداء واجباتهم.

 

منشور في جريدة يكيتي بعدد 286

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى