آراء

الرُّؤى القومية العربية والقضية الكردية

محمد زكي أوسي

لا يخفى على كل متتبع أن تاريخ الكرد ولغتهم وآدابهم وحركاتهم وانتفاضاتهم وثوراتهم الوطنية لم تحظَ باهتمامٍ يذكر من قبل الأكاديميين والكتاب العرب, وكانت للسياسات الحكومية العربية عامة والعراقية والسورية خاصة إزاء الكرد وقضيتهم القومية دور مؤثر في تحديد آرائهم وتوجهاتهم, وهذا واضح من خلال تركيزهم على الجانب السياسي المتعلق بالشأن الكردي, لذا اتصف جُل ما كتبوه بالعنصرية والاستعلاء واللاعلمية والتحامل على الكرد بتوجيه من السلطات والأحزاب الداعمة لها والمثقفين والمفكرين, فجاءت آراؤهم وأفكارهم فاشية سامة بعيدة عن حقائق التاريخ والجغرافيا وفي غاية السطحية, من مثلِ إعادة الكرد إلى أصول عربية, أو من نسل الجن أو إلى روايات خرافية أخرى, أو وضع القضية الكردية على مستوى واحد مع القضية الفلسطينية واسرائيل والصهيونية (اسرائيل الثانية), أو تسمية الكرد بالشعبويين والعصاة والمتمردين وغير ذلك من المظالم والموروثات السلبية, هذا حتى بعد حسم الكثير من القضايا الهامة علمياً, مثل حقيقة أصل الكرد ولغتهم وتاريخهم وجغرافيتهم ومساحة كردستان وحدودها, وحق الكرد في تقرير مصيرهم.

وقد فات على هؤلاء حقائق علمية منها أن الشوفينية لن تفلح, ومنها أن المنطقة عامة والدول الغاصبة لكردستان خاصة لن تنعم بالأمن والاستقرار وستبقى على صفيح من نار ما دامت القضية الكردية دون حلٍ عادل وأن الكرد مضطهدون, ومنها أن الكرد وقفوا دائماً إلى جانب الشعوب العربية وقضاياها منذ أيام صلاح الدين الأيوبي وحتى الآن ولا يفوتنا التذكير بشهداء سينما عامودا تضامناً مع ثورة الجزائر, وأدانت الجماهير الكردية العدوان الثلاثي على مصر عام (1956)م. وهنا تطالعنا رسالة التضامن التي بعثها البارزاني الخالد وهو لاجئ في الاتحاد السوفييتي إلى الزعيم عبد الناصر والتي كانت فاتحة خيرٍ في العلاقات العربية – الكردية, ولكن ماذا لاقى الكرد من الآخر؟

لم يلمسوا أبداً أي موقفٍ يذكر! وهنا نذكّر بأسماء مثقفين وأكاديميين عرب، قطرت أقلامهم السُّمَّ الزُّعاف مثل: (علي عقلة عرسان – د. سهيل زكار – د. رشيد الفيل – ناجي معروف – ياسين عبد الكريم – منذر الموصلي – د. غالي شكري في كتابه /إنهم يرقصون ليلة رأس السنة/ وغيرهم الكثير…).

وجاء في بيان (عصبة العمل القومي) التي تأسست في (24/8/1933) م. في سوريا والعراق ودول عربية أخرى وأبرز رجالاتها: (عبد الرزاق الدندشي – صبري العسلي – فهمي المحايري – زكي الأرسوزي..) إثر اجتماع سري لمندوبي هذه العصبة ما يلي:

(إننا ننكر ولا نعترف بوجود الأقليات القومية أو اللغوية، وليس لسكان البلاد العربية غير جنسية واحدة هي الجنسية العربية ولغة رسمية واحدة هي اللغة العربية، وكل إخلال بهذه الوحدة جريمة وطنية يجب محاربتها).

وبعد ما يقارب من (33) سنة من البيان السابق أصدر (حزب البعث العربي الثوري) بحثاً قومياً هاماً في نشرة حزبية داخلية خاصة جاء فيه: (إن القول بوجود شعب في التاريخ اسمه الشعب الكردي وأمّةٌ اسمها الأمة الكردية, ودولة اسمها كردستان, هو قول كاذب مغلوط لا أساس له من الصحة والصواب, وادعاء باطل يفتقر إلى الحقّ والحقيقة, أما في شمال العراق العربي فإنَّ معالجة الحركات الكردية, أو بالأحرى معالجة القضية الكردية عامة كانت ساذجة بريئة وإنسانية رحومة, وكانت نابعة من فكرة الوطن والمواطن, وهي اعتبار الكرد مواطنين عرباً لهم ما للعرب من حقوق, وبالطبع فإنَّ هذه المعالجة الإنسانية لم تؤدي إلا إلى استفحال الحركات الكردية وازدياد أخطارها, إنَّ هذه الأقلية الشعبوية العميلة الضالة فاقت في تواطئها وعمالتها للدول الاستعمارية غيرها من الأقليات الأخرى).

أما (حزب البعث العربي الاشتراكي) الذي تأسس في 7/4/1947م, و (حركة القوميين العرب) التي تأسست عام (1956)م. ومعظم الأحزاب القومية العربية التي تشكلت بعد الحرب الكونية الثانية فلم تتضمن مناهجها أية إشارة إلى الكرد وكأنهم غير موجودين في سورية والعراق, وظاهر أن هذا التوجه الشوفيني انعكس على توجهات الكُتاب والمثقفين العرب وساستهم وعلى عامة الشعب العربي, بدليل عدم وجود دراسات جادة للقضية الكردية, وحتى الذين كتبوا في هذا المجال لم ينطلقوا من الواقع للوصول إلى الحقائق التاريخية, وإذا حاول أحدهم انصاف الكرد, قمعوه وشردوه كما فعلوا مع الدكتور شاكر حسين خصباك في العراق.

 

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد “264”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى