انتخاب رئيس جمهورية العراق حالة فريدة عالمياً……
فؤاد عليكو
لم يشهد تاريخ النظم الديمقراطية أن يدخل متنافسان ينتميان إلى حزبٍ واحد في السباق النهائي لرئاسة الجمهورية كالذي حصل في العراق، فالمنطق المتعارف عليه عالمياً أن يتنافس الأعضاء ضمن الحزب الواحد بدايةً ، بغية الحصول على مرتبة المرشح الرئيسي للحزب، ثم يدخل هذا المرشح في منافسةٍ مع مرشحين من الأحزاب الأخرى ،لكن يبدو أنّ العراق حالة استثنائية عن المعايير الدولية للديمقراطية، فلقد سبق وأن استقال زعيم الكتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات بقرارٍ صادر من مدينة قم الإيرانية ومن رجل كهل (كاظم الحايري ) ليتبع بعد ذلك تغريدة من زعيم التيار( الصدر) باعتزال السياسة وانسحاب الكتلة بالجملة من البرلمان (٧٣) نائب بناءً على رغبة الحايري وترك الساحة مفتوحة لمنافسه من تيار الإطار التنسيقي، دون الأخذ بعين الاعتبار موقف حلفائه وإحراجهم والذين وقفوا معه طيلة سبعة أشهر من المنافسة الشرسة بين التيارين ، وتحمّلوا الكثير من الضربات السياسية والعسكرية، منها إطلاق الصواريخ على أربيل وإحراق مكاتبهم في بغداد ،وهذا أيضاً يعتبر مفارقة نادرة لم تحصل في تاريخ النظم الديمقراطية.
وبالعودة إلى موضوع انتخاب الرئاسة في العراق، حيث المتعارف عليه أنّ هذا الموقع من نصيب الكُرد، وهذا يعني أنّ على الأحزاب الكُردية الاتفاق على مرشحٍ توافقي فيما بينهم كما في انتخاب الرئيسين السابقين المرحوم جلال الطالباني والدكتور فؤاد معصوم، وإلا فإنّ كلّ حزب سوف يقدّم مرشحه للبرلمان العراقي ويترك للنواب الاختيار، وهذا ما حصل في ٢٠١٨ حين دخل الحزبان في المنافسة وكان من شأن ذلك فوز الدكتور برهم صالح، مرشح الاتحاد الوطني الكُردستاني، على مرشح الديمقراطي الكرستاني الدكتور فؤاد حسين، وتكرّرت المنافسة في هذه الدورة أيضاً،لكن الظروف السياسية كانت مختلفة، حيث وقف الاتحاد الوطني الكُردستاني إلى جانب الإطار التنسيقي ،بينما تحالف الديمقراطي الكُردستاني مع الصدر وكتلة السيادة السنية وهم يشكّلون كتلة الأغلبية المطلقة في البرلمان، لكنّ المحكمة تدخّلت كطرفٍ لصالح الإطار التنسيقي وذلك باشتراطها تحقيق نسبة الثلثين لجلسة البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، وبذلك تحقّق لهم الثلث المعطّل بأصوات نواب الاتحاد الوطني ، كما تقدّم نواب الاتحاد الوطني بالطعن بشرعية ترشيح الأستاذ هوشيار زيباري رغم استيفائه كلّ شروط الترشح، إضافةً إلى إصدار قرار من المحكمة ذاتها بمنع الإقليم من استثمار نفطه، وهكذا تتالت الضربات على الديمقراطي الكُردستاني والإقليم من قبل الإطار التنسيقي باستخدام المحكمة والاتحاد الوطني، مع العلم أنّ قرار منع تصدير النفط يمسّ كلّ الشعب الكُردي في كُردستان العراق، لكنّ أنانية وحقد بعض قيادات الأتحاد الوطني، وعلى رأسهم برهم صالح، على الديمقراطي الكُردستاني فلم يبدوا أيّ إعتراضٍ يُذكر على هذا القرار الجائر بحقّ الشعب الكُردستاني ككلٍّ.
لكن في الجانب الآخر بقي الحزب الديمقراطي الكُردستاني برئاسة الرئيس مسعود البارزاني ثابتاً على موفقه الحريص على وحدة الصفّ الكُردي، واضعاً مصلحة الشعب الكُردي فوق أيّ اعتبارٍ حزبي، حيث تنازل عن مرشحه لصالح مرشح الاتحاد الوطني شرط أن لايكون ذلك المرشح برهم صالح، وهنا سحب البساط من تحت أقدام الاتحاد الوطني ، ووجد حلفاء الاتحاد الوطني انفسهم أمام رؤية موضوعية وقابلة للتحقيق للخروج من المأزق، لكن بقي الاتحاد الوطني يمارس سياسة المثل القائل في التوافق (تريد أرنب خذ أرنب وتريد غزالة خذ أرنب ) ، لكن في الجانب وجد حلفاء الاتحاد الوطني أمام منطق غير عقلاني من الاتحاد إزاء تمسّك الاتحاد الوطني ببرهم صالح ،لذلك تخلّوا عنه ووقفوا إلى جانب اقتراح الرئيس مسعود البارزاني، وصوّتوا لصالح الدكتور عبداللطيف رشيد عضوالمكتب السياسي للاتحاد الوطني والذي اعتبر مرشح الديمقراطي بينما صوّتت كتلة الاتحاد لبرهم صالح ضد رفيقهم وهذه المفارقة لم تحصل في التاريخ مطلقاً.
من كلّ ماحصل نستنتج أنّ برهم صالح أبدى أنانيةً مفرطة، وتسبّب بشرخٍ كبير داخل حزبه وأبعد مايكون على الحرص على مصالح الشعب الكٌردستاني،لذلك يفترض بحزبه أن يقوم بإبعاده ليس من الحزب فحسب بل إلى خارج كُردستان، لأن كُردستان ليست بحاجة الى هؤلاء الانتهازيين والأنانيين المتسلّقين، الذين لديهم الاستعداد لبيع أوطانهم في سبيل مصالحهم الخاصة، بينما هناك في الجانب الآخر الرئيس مسعود البارزاني الذي وضع مصلحة الشعب الكُردي فوق المصالح الحزبية، وتصرّف كقائدٌ حريص على مصالح شعبه، ولم تكن عينه على منصبٍ شرفي كرئاسة العراق بقدر ماكانت عينه على كركوك وخانقين والمناطق المتنازع عليها ونفط كُردستان، واستطاع بحنكته السياسية الخروج منتصراً من هذه المعركة الشرسة مرفوع الرأس يسجّل له حتى المناوئين له.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي..عدد 303