ثورة أيلول الكُردستانية ، ولبنات البنيان فيها تاريخاً ومستقبلاً
نزار موسى
بالعودة لثورة أيلول الكُردستانية ، يستلهمنا أن هكذا ثورة فاصلة في تاريخ الحركة التحررية الكُردية في المنطقة ، أتت كمحاولة لتصويب تلك العقلية الراجحة والمنقلبة على ذاتها في التعامل مع القضايا الوطنية الشريكة ، فما سبق وتزامن قيام ثورة أيلول ١٩٦١ هو أنّ حاكم العراق آنذاك عبدالكريم قاسم ، وبعد نجاح ثورة تموز ١٩٥٨ دعا الملا مصطفى البارزاني الخالد للعودة إلى العراق ، بعد لجوئه ورفاقه للإتحاد السوفييتي ، لينقلب قاسم نفسه على دعوته تلك ،ويعلن التضييق والحرب على التطلعات الكُردية ، ضامناً حكمه المطلق لذلك البلد ، فجعل منها أولوية سبقت ركائز بناء الدولة بمفهومها العصري المؤدّي للسير باستقرارٍ يمنح الجميع حقوقهم .
تلك الآية استمرّت حتى بعد قطاف ثمار ثورة أيلول ونيل الحكم الذاتي عام ١٩٧٠ ، ليليها ظهورٌ لتلك العقلية الطاغية مجدداً في أغلبيتها ، حيث بادر وقتها صدام حسين بقمع الكُرد بوحشيةٍ رغم مساهمته نفسه باتفاق آذار القاضي بمنح الكُرد حكمهم الذاتي ، وها قد تكرّر المشهد لمراتٍ في مرحلة مابعد ٢٠٠٣ في العراق ، وبصيغته المحوّرة ومن معارضي تلك الأنظمة الشمولية آنذاك .
من أحد العوامل التي تجعلنا نعود ونستذكر ثورة أيلول ، مابها من ملاحم وعبر ، وما يجذبنا لها ، هو بعض المبادئ التي كانت فاعلة في إنجاحها ، في كونها حركة تحررية متكاملة ، عالجت إنكار الآخر ، وبيّنت لا إرادة تسلب من شعب مطالب بحقوقه ، ناهيك عن أنها شملت مكونات المنطقة الجغرافية تلك ، فكانت كُردستانية بإمتياز ، كما وترافقت بدبلوماسية موجّهة وصحية ، فحقّقت نتائج ملموسة ، وعزّزت من ثقة الفرد الكُردي بنفسه ، وبإمكاناته ، رغم مرورها بمحطاتٍ صعبة مما أدّى لاستكمالها بثورة كولان ١٩٧٦ بعد تآمر الوسط وأن سادت العقلية تلك فنتجت اتفاقية الجزائر ١٩٧٥ .
ما يستوقفنا هو المنطق المخالف للعيش المشترك ، والقائم على صعوبة تقبل تطلعات قومية محقة لشعب له كلّ مقومات قضيته ووجوده المشترك ، وبعد أن تمّ إدراك قيم وأبعاد ثورة أيلول ونجاحاتها ، ظهر تحدٍّ مفتعل ومن نوعٍ آخر للوقوف في وجه السير بتطلعات هذا الشعب ، فبدأت بعض القوى بالتحضير لولادة حركاتٍ جديدة في نهاية السبعينيات تتولى المهمة ، بعد بروز كيان كُردي قائم ، بعد النجاح الكُردي الملموس ووضع أولى لبنات فرض الذات .
لا تتشابه الظروف والحالة في أجزاء كُردستان الأخرى ، ولكن يسود المنطق آنف الذكر في النظر للغير في المنطقة ككلٍّ ، ففي الحالة السورية مثالاً وفي شكلها العام ، فلا السلطة الحاكمة بعد ، تخلصت من تلك العقلية رغم مرورها بتقلباتٍ هزّت من كيانها ، وذلك تجاه المكون الكُردي ووجوده وتطلعاته المحقّة ، ولا بعض أطياف المعارضة نفسها بادرت بشكلها السياسي والأخلاقي المطلوب للإيفاء بمستلزمات العيش المشترك ، وأسس البناء الحديث ، ولازالت تترقّب بعضها بعضاً في ذلك ، رغم الإنفتاح الكُردي في رؤاهم لسوريا المستقبل.
إذاً ولإختصار الكثير ، و تغلباً على هذه العقلية المزمنة في بيئتنا المتنوعة حيوياً ، يستوجب منا جميعاً أن ندفع بحوار مكوناتي حقيقي في المنطقة ، وأن تلعب فيها الطبقة المثقفة والمفكرة دورها الريادي ، واضعين نصب أعينهم قيم سامية تنصبّ في خدمة الفرد أولاً والجميع ثانياً ، مستلهمين العبر مما سبق ، ومالها من تداعيات كانت ، لابل واستذكار الحالة والأسباب التي زامنت ثورة أيلول في معالجتها للفكر ذاك ، ولكن هذه المرة بحوار له أسسه ، و متكيف مع وقتنا وظروفنا الحالية ..