من الصحافة العالمية

سورية: الدولة العلمانية آتية؟

فاديا فهد
الملف السوري إلى أين، في ظل التحولات الإقليمية والعالمية وآخرها فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، والبرود الأوروبي المتمثل في التعاطي مع قضية اللاجئين، والتطرف الروسي العسكري الهادف إلى حسم الحرب؟
ساهم فوز المرشح الجموري دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية في ازدياد منسوب القلق في نفوس قادة المعارضة السورية، خصوصاً أن ترامب أعلن خلال حملته الانتخابية أن الأولوية في الشرق الأوسط هي لمحاربة «الدولة الإسلامية» (داعش)، وهي تأتي قبل الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد للتنحّي.
وقال في رد على نية هيلاري كلينتون تسليح المعارضة السورية في حال وصلت إلى الحكم، أن «الأسد سيئ، لكن هؤلاء الأشخاص قد يكونون أسوأ منه»، منتقداً سياسة باراك أوباما في دعمها «أشخاصاً لا نعرف هوياتهم وقد يكونون من داعش».
ويقول محلّلون أن موقف ترامب من سورية، يطلق يد الروس عسكرياً، وهو ما تُرجم ميدانياً في نية الجيش الروسي دخول أحياء حلب الشرقية، وتوسيع المعركة لتشمل إدلب وحمص، وسط موافقة أميركية صامتة، واستنكار أوروبي عاجز.
كذلك، فإن سيطرة الجيش السوري على المزيد من الأراضي، يُسقط مخطّط التقسيم الذي تردد أن الإدارة الأميركية كانت وضعته للمنطقة، ويترك الباب مشرعاً لتصورات حلول جديدة، أبرزها ما بات يتردّد في أوروبا عن علمنة الدولة السورية الجديدة، كنموذج متقدّم للتعايش بين الطوائف المختلفة التي تشكّل الكيان السوري.
وتستشهد أصوات أوروبية بما حقّقه المفهوم العلماني في دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، والتي عانت ما عانت من الحروب الدينية والطائفية الطاحنة بين البروتستانتية والكاثوليكية، إذ أرست العلمانية ثقافة العقل والحرية والحداثة، المستقلة عن أي تأثير ديني أو فلسفي. وسمحت في المقابل باستيعاب كل التراث الفكري الإنساني بتياراته المختلفة، الديني منها واللاديني والفلسفي والوجودي.
وتسعى مصادر سورية علمانية في باريس، إلى إقناع المعارضة السورية المعتدلة، بالدولة العلمانية كحل للملف السوري، بعد تنحي الأسد ضمن اتفاق دولي بين الأطراف المختلفة. بمعنى أن تكون الدولة العلمانية السورية المرجوّة دولة تفصل بين السلطات السياسية والمالية والعلمية والدينية، وتخضعها جميعها للقانون المدني الذي يحدد أدوارها وميثاق علاقاتها.
ومن شأن هذه الدولة أن توفّق بين النسيج السوري المتنوع، وتضمن المساواة الكاملة بين الأعراق المختلفة وبين المتدينين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، واللامتدينين، وحتى الملحدين، وتدافع عن حرية أبنائها المطلقة في إيمانهم، أو عدم إيمانهم. ويتحول الدين في الدولة العلمانية إلى سلطة روحية مستقلة، لا تخضع للسلطة السياسية.
وإذا كان مفهوم الدولة العلمانية يلاقي الفكر العربي المتنور وعقائد بعض الأحزاب العلمانية المحلية، فإن تطبيقه دونه عقبات عدة أهمها يهودية الدولة الإسرائيلية الرافضة مشاركةَ الفلسطينيين الحقوق والواجبات في دولة واحدة، والمحيط الإقليمي المتديّن الرافض نموذجاً علمانياً قد يتمدّد إلى دول مجاورة، أولاها لبنان والعراق بأنظمتهما الطائفية التي نخرها الفساد على أساس المحاصصة وتقاسم موارد الدولة بين زعماء الطوائف. وبعدهما، من يدري، قد تكرّ السبحة.
الحيــــاة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى