*شرق الفرات … رهينة التوافقات الصعبة *
هيئة تحرير جريدة يكيتي
بقلم: عبدالله كدو
الأزمة السورية التي تمرّ بعامها الحادي عشر، بات حلها حديث الساعة ،لدى القوى المتأثّرة بها و المؤثّرة فيها، و ذلك بشكلٍ متدرّج.
فمن المعروف بأنّ النظام الحاكم لا نيّة له بقبول أيّ حلٍّ سياسي للأزمة السورية، و هذا الموقف الرافض منه، إنما يُبنى على التفاهم المستند على الرؤى المشتركة بينه وبين داعميه الأساسيين، ممثّلين بكلٍّ من إيران و روسيا، أما روسيا المتدخّلة في الشأن السوري عسكرياً و سياسياً و أحياناً إدارياً، منذ أيلول 2015، بناءً على طلبٍ رسمي من النظام، فهي على عجلة من أمرها في انتظار الحل الذي يرضيها ، حيث أنّ استمرار بقائها في سوريا بالشكل الحالي، بعد كلّ ما قدّمته لإنقاذ النظام من الإنهيار الذي كان وشيكاً، يشكّل استنزافاً حقيقياً لطاقاتها المالية و العسكرية و غيرها.
رغم أنّ موسكو تريد أن تسخّر وجودها في سوريا لخدمة تواجدها العسكري و السياسي و غيره في مواقع أخرى، أيضاً، خارج روسيا، منها أوكرانيا، إلا أنها – روسيا – تسعى بشتى الوسائل للاستعجال في الخروج من الأوحال السورية، لكنّ الولايات المتحدة الأمريكية المتواجدة في شرقي الفرات ليست على عجلةٍ من أمرها في انتظار حلّ الأزمة السورية، و هي بالتالي تدفع نحو الحلّ الموافق للقرارات الدولية، و المناسب لشروطها التي تمليها مصالحها الوطنية، المتمثّلة بالقضاء التام على تنظيم الدولة ( داعش) إضافةً إلى شرط إضعاف دور النظام وحليفه الإيراني الذي يمدّ جبهته بمزيدٍ من الدعم و الميليشيات الطائفية الشيعية العراقية و الإيرانية و غيرها، ذلك الدعم الذي يصبّ في خانة مساعي اكتمال ” الهلال الشيعي” الذي يرمي، فيما يرمي، إلى سيادة قوى اللادولة في المنطقة.
و هنا يأتي الدور على منطقة شرق الفرات، الخاضعة لنفوذ قوات سوريا الديمقراطية ” قسد” المدعومة من التحالف الدولي و خاصةً أمريكا، حيث أنّ روسيا تريد أن تعلن إتمام سيطرة النظام على معظم الأراضي السورية، حتى تضع الإدارة الأمريكية أمام الأمر الواقع، أي قبول التعامل مع النظام و رفع العقوبات عنه، و القبول ب “إعادة الإعمار”.
و عليه فإنّ روسيا ترى بأنّ حصول كلّ ما سبق يستدعي إدماج قسد في جسم النظام، عبر إيجاد تفاهم بين النظام و قسد، ينهي بموجبه حالة التنافر الطارئة، بينهما ،التي بدأت مع دخول قوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي pyd في شراكةٍ عسكرية، بدون شراكة سياسية، مع الأمريكان ، حيث يؤكّد مسؤولو مسد، إعلامياً، بأنّ الولايات المتحدة هي شريكة لهم، عسكرياً، في مواجهة تنظيم داعش، لكنهم لم يأخذوا منها إجابات حول الشراكة السياسية، ولم تساعدهم أمريكا في العملية السياسية الجارية، وذلك منذ بدء إعلان التحالف الدولي ضد داعش في سوريا ، و حيث أنّ حزب pyd هو من يدير قسد، ويشكّل واجهة لحزب العمال الكُردستاني pkk في سوريا، فإنّ تهدئة مخاوف تركيا المعلنة تجاه pyd تستدعي تغييبه ، و لا تجد روسيا سبيلاً لذلك إلا في عقد صفقة بين الطرفين، النظام و pyd، اللذيْن كانا حليفين “على طول الخط” قبل العلاقة العسكرية، بين الأخير والأمريكان لمحاربة داعش، وهذا ما يفسّر دعوة موسكو رأس النظام للحضور إليها، و رغم اتهام النظام قسد بأوصاف خيانية لارتباطها بما تسمّيه بالمحتل الأمريكي، نرى بأنّ الرئيس الروسي يشير بوضوحٍ إلى أهمية شرق الفرات و الإدارة الذاتية، لتستقبل موسكو وفداً من مجلس سوريا الديمقراطية ” مسد “.
حيث نشرت الخارجية الروسية حول اللقاء بياناً ورد فيه : “جرى تبادل صريح للآراء حول الوضع في سوريا، والتركيز على الأوضاع شمال شرقي البلاد، و تمّ التأكيد فيه على ” أهمية مواصلة الحوار بشكلٍ فعّال بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق للوصول إلى اتفاقيات مناسبة تلبّي التطلعات المشروعة لجميع مواطني سوريا، آخذةً في الاعتبار الخصائص الإقليمية والتعددية العرقية والثقافية للمجتمع السوري ” .
من الجدير بالذكر بأنه تأتي تحرّكات مجلس سوريا الديمقراطي، الواجهة السياسية لقسد، ولقاءاته وتصريحاته المتناقضة، في الآونة الأخيرة، حيث إظهار التقرّب من تركيا و الائتلاف السوري تارةً ، وتارةً يحاول التواصل مع الروس ومع النظام بشكلٍ مباشر،
وأحياناً يحاول إظهار التخفيف من هيمنة pkk في مناطق سيطرته بهدف الحفاظ على (مكتسباته ) التي حصل عليها، على خلفية الخوف من انسحابٍ للقوات الأميركية بشكلٍ مفاجئ من سوريا، مثلما حصل في أفغانستان.
ففي خلال الأيام الأخيرة، أخذت موسكو تعمل على تكثيف اتصالاتها حول الوضع في منطقة شمال شرقي سوريا، بالتوازي مع الاتصالات الروسية الأمريكية الجارية حول سوريا، وتعمّد الرئيس الروسي، خلال لقائه رأس النظام السوري في الكرملين، التركيز على أنّ المشكلة الرئيسية تكمن في الوجود الأجنبي في سوريا، وجاء استقبال وفد مجلس سوريا الديمقراطي في الخارجية الروسية مؤخراً، لتوجيه رسالةٍ جديدة في هذا الصدد، حيث أنّ موسكو حرصت على تكرار دعواتها لتنشيط الحوار بين دمشق ومسد، بهدف التوصل إلى تسويةٍ تستجيب لتطلعات الطرفين.
لكن يبقى السؤال المطروح، ما هي العناصر المشتركة القادرة على تحقيق التوافق ما بين الروس والأمريكان والأتراك و النظام، حتى تنعم منطقة شرق الفرات بالأمن و الاستقرار،و ذلك بعد التذكير بأنّ المصير الذي سيقت إليه المنطقة، لم يكن مبرمجاً البتة من قبل مَن يتحكّم بإدارتها، و كذلك بعد استحضار المعلومة التي تقول بأنّ pyd عندما قبل بالوقوف مع النظام في بداية الثورة السورية، بموجب صفقة مبرمة بين الطرفين، على أساس استلام المناطق الكُردية من قبل pyd إلى أن يطلب النظام اِستعادتها في الوقت المناسب، حيث كان pyd حينئذ ينشر في أوساط حاضنته، سردية شفهية، لتتسرّب إلى بقية الأوساط، ذلك كقوة ناعمة بالترافق مع غيرها من قوى السلاح و المال، سردية تبرّر قبول حزب pyd الصفقة المذكورة، مفادها أنّ حالة الحرب والفوضى في سوريا ستمنحه الفرصة المناسبة للاحتفاظ بالودائع و الأسلحة التي أودعها النظام لديه، لاستخدامها في الدفاع عن المناطق الكُردية، عندما يكون النظام قد مني بالهزيمة، لكن واقع الأمر كان التلاقي، غير المشروط بينهما، هو المتوقع و هو الأصل، و ليس الطارئ و الاستثناء، ذلك اعتماداً على استحضار تاريخ العلاقة بينهما، و الآن قد يكون من الصعوبة بمكانٍ وضع حلٍّ لمعادلة شرق الفرات، التي وضع عناصرها pyd لوحده، انطلاقاً من غاية تمكين pkk في صراعه مع تركيا، وليس انطلاقاً من متطلبات المصلحة القومية للشعب الكُردي في سوريا خصوصاً، أو المصلحة الوطنية للشعب السوري عموماً، ذلك بعد أن تمكّن من إقصاء كلّ المكونات السياسية و القومية و المجتمعية في المنطقة، بالتوافق مع النظام.
جريدة يكيتي العدد 290