عبد الحميد درويش.. داعية الحوار والحل السلمي
علي شمدين
اليوم، وبعد أكثر من أربعة سنوات من عمر الثورة السورية، يعود الجميع على بدء، ليقولوا جازمين بأن السلاح لن يحل مشكلة، وبأن الحل العسكري لم ينجح إلاّ قي إنتاج المزيد من القتل والدمار، مؤكدين بأنه لابديل عن الحل السلمي والحوار الجدي من أجل التخلص من كل هذا الظلم والقهر والاستبداد الذي عاناه الشعب السوري بمختلف انتماءاته طوال نصف قرن مضى من حكم البعث، وقد ترسخت هذه القناعة أكثر بعد أن نجح هذا النظام في توريط المعارضة في حرب مفتوحة على التنظيمات الإرهابية، وأمام توافد المتطرفين إلى الساحة السورية من كل الجنسيات ومن كل حدب وصوب.
أجل لقد توصل الجميع إلى هذه القناعة التي باتت اليوم حقيقة ثابتة، بعد أن أهدر كل هذا الوقت الثمين في معارك مفتعلة لم يستفيد منها سوى النظام الذي نجح بدعم من حلفائه في قلب المعادلة السياسية لصالحه، وجرّ التحالف الدولي نحو مصيدة الحرب ضد داعش وغيرها من المنظمات الارهابية التي استطاع أن يديرها النظام بنفسه بمهارة على طول جغرافية البلاد وعرضها، في وقت كانت المعارضة تعاني التشتت والتمزق والخلافات.
ولعل التعامي من قبل البعض عن أهمية الحل السلمي كل هذا الوقت، كان ينبع بشكل رئيسي من الغرور الذي سيطر منذ البداية على تصرفات النظام، واعتماده الحاسم على خيار شمشون في التعامل مع انتفاضة الشعب السوري وثورته، مثلما انه كان ينبع من الإرهاب الفكري الذي ظلت المعارضة بمختلف شرائحها محكومة بسيفه الجائر، هذه المعارضة التي لم يبق أمامها سوى المزاودة في المراهنة على أهمية الحسم العسكري في إسقاط النظام، وتخوين كل صوت جرئ يقول غير ذلك.
ومن بين هذه الأصوات الوطنية المخلصة المنبعثة من بين هذا الضجيج الاعلامي المضلل، تعالى صوت عبد الحميد درويش متنبئاً بهذه الثورة قبل اندلاعها ومحذراً النظام من تجاهل أسبابها، داعياً المعارضة من دون انقطاع إلى التنبه لمصيدة النظام الرامية إلى توريط المعارضة في حمل السلاح، حتى ضاعت- مع الأسف الشديد- ملامح المجاهدين من أجل الحرية والكرامة بين ملامح القتلة والإرهابيين والمتطرفين، وتداخلت جبهات القتال بين المعارضة والنظام وتلاشت الحدود الفاصلة بينها، كما إن خطابه ظل صريحاً في الدعوة إلى الحوار السلمي الشامل، وهو الذي ظل يرفضه منفرداً، دون أن يهاب سيف التخوين والتكفير الذي ظل يلوح به البعض من رموز المعارضة الذين تسللوا إليها من بين صفوف النظام.
أجل، إنه عبد الحميد درويش (أبرز رموز الحركة الوطنية على مدى نصف قرن مضى، وأحد مؤسسي الحركة الكردية في سوريا)، الذي قال في رسالة مفتوحة وجهها إلى رئيس الجمهورية بشار الأسد بتاريخ (22/11/2010)، أي قبل اندلاع ثورات ما يسمى بالربيع العربي بما يقارب الشهر، بأن هذه الأوضاع المزرية التي تعيشها البلاد سوف تتركها أطلالاً ينعق فيها البوم، إن لم يتم الإسراع في معالجتها، كما إنه دعا أيضاً إلى مؤتمر وطني شامل لايستثنى منه أحد للبحث في حل جذري لهذه الأزمة الكارثية التي حلت بالبلاد بسبب تعنت النظام وغروره في وقت كانت الثورة في بداياتها، وهو الذي قال بتاريخ (26/4/2013) لجريدة (المصري اليوم)، بأن رفض المعارضة في بلاده الحوار مع النظام السورى زاده قوة، وبأن الدول الغربية لا تريد أن ترى سوريا إلاّ (جثة هامدة) حتى تتدخل، وهو نفسه الذي ترأس بتاريخ (22/1/2014) الوفد الكردي ضمن إطار المعارضة السورية إلى مؤتمر جنيف2، ليقول كلمته هناك مستغيثاً بالمبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، أن يبذل كل ما بوسعه لإنجاز الحل السلمي المنشود وعدم ترك البلاد فريسة بين أيدي تجار الحروب من المعارضة، وأمراء الحرب من زبانية النظام، وكذلك الأمر مع خلفه ستيفان ديمستورا الذي التقاه بتاريخ (22/5/2015)، في مدينة جنيف على رأس وفد المجلس الوطني الكردي في سوريا، كما إنه جدد دعوته للبحث عن الحل السلمي خلال الندوة الجماهيرية التي أقامها في هولير بتاريخ (24/4/2015)، مؤكداً فيها بأن مثل هذا الحل لن يأتي إلاّ من خلال الحوار، وبأن الحوار لايمكن له ان يتم من دون القبول بالآخر والجلوس معه.
وهو اليوم أيضاً يؤكد في مقال له نشر بتاريخ (18/7/2015)، تحت عنوان (سوريا باتت غابة للذئاب)، من جديد بأنه لا يوجد أيّ مخرج لهذه الكارثة إلاّ عبر تكاتف أبناء سوريا المخلصين والبحث عن حل سلمي يعيد الأمن والأمان إلى البلاد وينقذها- قبل فوات الآوان- من هذه الشراذم والتنظيمات الارهابية الضالة، التي لم يعد من الممكن إحصاء عددها، ومعرفة ماهية أهدافها..
إنها دعوة مخلصة للحوار والحل السلمي .. فهل من مجيب لهذا النداء كي لايذهب كغيره أدراج الرياح.. ؟!!.
السليمانية 1/8/2015