عَـقـدٌ دائـم
الكاتب: خاشع رشيد
رقصةٌ عاصيةٌ عالميّة شاذّة. كتابةٌ مختلفة الظّلال، فيزيائيّة، كيميائيّة، جيوتاريخيّة، كيانٌ نفسيٌ فلسفيّ متعدّد الأزمان، مزيج جُمليّ قائم في أطوار ما يمزج العيب مع السّلوك الاستهزائيّ المنخرط في خطوطٍ شخصيّةٍ، تقارب محاولة بلاهة الحاضر وآنيّة قراءة أصداءٍ ذاتيّة الرّسم، على ما قد يصبح لوحةً جسديّة معروضةً لممارسة عادة سريّة مغايرة، محايدة. هذه الحالة تكمن في ” أنت ” بصيغتك الغير معرّفة لك، نسبيّاً، حين تكون في عمق بعدك الجّسدي المتورّط، لزاماً، منذ فكرة مناقضة لنفسها. إذاً البعد الذي لا يمكن توصيفه، لغةٌ مدهشة، قد تدمج، تولد أو تخفي نفسها بإيجاد كلّ الأبعاد الأخرى الخاصّة بك. نحن ننساه، نضيّعه، ندفنه كلّما نناقش غرابة علاقته… نحن في متاهة ذاتيّة.
تستقبلنا هويّة أخرى، كالتي تحملها الرّياح من فوضى صامتة. أن تكون ناقل حيلٍ فكريّة أو مُستنسخ خدع عقلٍ ما، جاهزٍ لتحليلك منذ صرخة ولادتك… قد أكون أنا.
أقول كلّ ما لا يجب أن تهمسوا به… فنحن بدأنا طفولتنا سياسة!!
حوار:
ـ ماذا؟. ينظر إلى آتٍ.
* لمن تقول؟ إن كانت لي، فلا جواب لدي.
ـ ماذا؟. ينظر إلى فائتٍ.
* الجواب نفسه.
ـ ماذا؟. ينظر فحسب.
* جمع الأجوبة ليس إلا جمع أسئلة.
انتهى الحوار لحظة انفصال أو تصادم بعدين، على الأقل. كان ذلك حين اقترب من زمن نفسه الذي لم يقدر أن يوحّده أو يفصله عن كلّ تلك الاحتمالات التي كانت تعجّ في داخله، فأبقاها خارج جسده، تنتظر لحظة مغيّرة مؤلّفةٍ ما. كان داخل سيّارة شاردة، حائرة، ضائعة ومرغَمة، كان هو وأشياءٌ أخرى.
أخبرك، أحدّثك ـ ليس نوعاً من الحوار أو الجّدال ـ كما أنا… عن انقراض عواطف، ربّما فيك ومنك. وجهاً مقابل أوجه، عيناً وأعين، كما لا تكون أنت، حينها ماذا سيكون اتّجاهك عنّي؟. فلنجلس هناك، بعيداً عن ظلال تلك الشجرة، الأشجار تحسّ بيّ، وأنا أحسّ بكلّ مؤثّر فيها… أحسّ بأغلب ما يحييها. أنت وأنا، أنا كما تراني، وأنا كما لا تراني، هذه هي بعض قواعدها، أو لنقل رتوش من تفسيرها، أعتقد أنّي جلست هنا فيما سبق، مع غيرك، مع الكثير. لا تبارك لي إن اقتربتَ من فكرةٍ ما، ماذا؟ لا تنظر إليّ كالأحمق، مثلك ليس عليّه أن يجمع الخيال كي يلتمس لحناً ما، وأنا أيضاً، في لحظاتٍ ما… التّجارة اختباءٌ، فشل بعض الصّفات في الحفاظ على نفسها، إحياءٌ للكذب. الزّمن في أقصى حالاته، بطئاً أو سرعةً، أليس كذلك؟ لا تقلق فأنا لا أعني ما أقول، لا بأس، سوف تُنسّي نفسك، والأصح أنّهم سوف ينسّوك إياها أو يبعدوها عنك ـ ولو للحظة ـ وهذا ليس ضرباً فلسفيّاً. هل هناك ما يلمس ما لا تدركه؟ لم أبعدك زمناً ما، ولم أحدّدك في أيّ زمن، آسف لكلّ ما لم يحصل. أعتقد أني أوجدك في أسئلةً مباشرة لتلك التي تراقبك، إن صحّ هذا الجنون… صيغةٌ كما الدّمية.
إذاً؛ هنالك ما يمكن أن يقال بأنها فجوة معنويّة بأطرٍ متنوّعة، مستندة على تناغمات أو تناقضات الدّارات الفكريّة المنبعثة من عدد غير محدّدٍ، غير منتهٍ على الأغلب. التّقاطع الزّمني بيننا، في عدّة أوجهٍ، نقاطٍ أو في كلّ أجزائها. لحدود الإدراك تنفلق معاني التّكاثر الزّمنيّ وتعقيداته المركّزة، لا يحكم الفرَض إلا بخيالٍ فراغيٍ لا يعتمد إلا على مركز عطالةٍ واقعيّة بحتة… هذا ما يقلّل من حظوظ الخلط الأعمق للأزمان، والتّبادل الزّمنيّ أو الاحتواء الزّمنيّ وسباق الزّمن أو الأزمنة. الزّمن وأنا، أنا حين أكون في داخله، أو هو في داخلي، والرّكض أو الهروب أو التّدافع، التنافر أو التّوحّد بيننا… يلغي الآخر، يفرغه من نفسه أو يوجده. والانفراد خلخلةٌ مفاجئة ما، منحدرةٌ لعناوين غامضة ـ حالةٌ لابدّ منها ـ إلى ما قد يسمّى الموت الزّمنيّ.
كانت عيناه مغمضتان حين ركب سيّارة أجرة، طلب من السّائق أن يلفّ به المدينة بكلّ أزقّتها، دون اعتبارٍ لكل قواعد المرور، ودون أن ينطق بأيّة كلمة إلى أن يطلب منه هو. الطّرفان متّفقان. السّائق يشرب بشكلٍ غريب، ثملٌ، لكنّه دون لسان. كأنّ الطّرق والعجلات هي من تقرّر فقط. لا أحد مهتمّ بما يجري، لا أحد يعرف. كلّ الأمور تستمرّ بشكلٍ طبيعيًّ وعفويٍّ، هناك وخارجها، السّاعة تدور وتدور، الكلّ يدور، أو على الأقل يتحرّك. فجأةً تتوقف السّيّارة في إحدى أبعادها المتعارف عليها، تعطّل المحرّك، نفد الوقود أو نام السّائق وربّما مات، نزل هو واستمرّ يخطو مع الزّمن الذي ترك السّيّارة بما فيها، أحسّ بنفسه وبفقدانه أيضاً. محاولة ملاحقة الزّمن تارّة أخرى، السّائق يدقّ باب منزلٍ ما، في حيّ ما، يضع على أوّل درج، لم يكن منفعلاً، لم يكن قد خرج من شجارٍ أو نزاعٍ ما، تركها هناك وهرب دون أن يلتفت. أنا أراقب نفسي من هنا، لم ينفتح الباب، لكن لم تصرخ من كانت تنتظر ذلك، ربّما لم تكن تنتظر مفاجئة… الكلّ التقى في نقطةٍ ما.
هناك المفكّرون والمخططون والاستخبارات، أمّا السّياسيون ليسوا إلا لعب، مضحك ما سبق، بالمناسبة هذه ليست جملة اختياريّة، وليست مفصّلة، تحتاج لخبراء في هذا المجال!! لا أخفيكم سرّاً، كنت قد وعدت البعض بكتابةٍ تستطيع إشغالهم طوال الليل، وربّما كلّ الأوقات التي لا تخصّهم. ابتعدنا كثيراً، كثيراً جداً، عن كلّ شيء، في جبالٍ وبحارٍ وتحت التّراب… لا نملك أنفسنا. ما عدّت قادراً عليك يا أمّي، إلى ذلك الغد البعيد المهمَل لا أستطيع التّحمّل، تعرّيت من كلّ الكلمات دون أن تجلب لي أيّ معنىً تستحقّينه، أنت تبقين غرابتي التي تحاول تأديب كلّ نَفَسٍ ومن كلّ منظورٍ وكلّ نظريّة ـ إن وُجِدت ـ في ما لم تتم من الجمل الآتية، زاحفةً، متسلّقة، منهكة، منكسرة، متَّهمة من الجميع، لا تتبع الموتى… في لحظة ازدواج مستقبليّ قد تموّت ما أحيت.
………………………………………………………..