في الحديث عن مآلات الجولة السادسة للجنة الدستورية
فؤاد عليكو
لم تعد خافيةً الإخفاقات المتكررة للأمم المتحدة منذ بدء الجولة الأولى للمفاوضات بين المعارضة والنظام في جنيف2في كانون الثاني 2014م، وما رافق ذلك من استقالة المبعوث الدولي الثاني، الأخضر الإبراهيمي، وتكليف الدبلوماسي السويدي ستيفان ديمستورا الذي حاول جاهداً على العمل من أجل حصول اختراق لعقد اجتماعٍ ثانٍ مثمر ، وفق القرار الدولي 2118 لعام 2013، إلا أنه فشل نتيجة عدم قبول النظام مناقشة فكرة ” هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات التنفيذية” الواردة في القرار الدولي، ثم تلت ذلك اجتماعات فيينا1 وفيينا2 في تشرين الأول وتشرين الثاني 2015 ، التي شاركت فيها إيران لأول مرة مع المجموعة الدولية المعنية بالملف السوري ،ثم تلا ذلك اجتماع آخر لمجلس الأمن انبثق عنه القرار الدولي 2254 والذي استبدل صيغة هيئة الحكم بكامل الصلاحيات إلى صيغة ” حكم شامل ذا مصداقية” واختلف الفقهاء القانونيون في المعارضة المتمثلة بالهيئة العليا للمفاوضات التي انبثقت من مؤتمر رياض 1 نهاية 2015 مع النظام حول تفسير الفقرة، ما بين حكومة وحدة وطنية ، كما يفضّلها النظام، و هيئة حكم بكامل الصلاحيات كما ترغبها المعارضة، ورغم حنكة المبعوث ديمستورا ، وبذل كلّ جهده من أجل تحقيق تقدم ملموس لكنه فشل أيضا، وهكذا توقّفت المفاوضات مجدداً. لكنّ ديمستورا لم ييأس والتفّ على القرار الدولي ، وأخرجه من سياقه المنصوص عليه، ذلك بتقسيم القرار الدولي إلى أربع سلال والبدء بالسلة الدستورية بدلاً من سلة الانتقال السياسي والتي من المفترض أن تنبثق عنها اللجنة الدستورية كتراتيبية منطقية منسجمة مع القرار الدولي، لأنّ الدستور في الجوهر هو عقد اجتماعي/سياسي، فكيف سيتمّ إعداد دستور قبل التوافق السياسي على شكل الدولة ونظام الحكم وكيفية الفصل بين السلطات ومعالجة القضايا القومية والمذهبية وعلاقة الدين بالدولة، كلّ هذه القضايا سياسية بامتياز، وتحتاج إلى توافقٍ سياسي قبل تشكيل لجنة لصياغة الدستور ، كلّ هذا أربك مشهد المفاوضات، من حيث التداخل ما بين القضايا السياسية والقانونية، وعليه فليس غريباً أن يتعمّد النظام زجّ القضايا السياسية والابتعاد، ما أمكن ، عن الملف الدستوري، ويبدو أنّ هذا كان متعمّداً ،لدى المجتمع الدولي أيضاً ، من حيث إدارة الأزمة لا معالجتها، علماً أنّ النظام لم يقدّم شيئاً يستحقّ الوقوف عنده ،في الجولات الخمس الماضية ، سوى تضييع الوقت والدخول في مناكفات فارغة واتهام المعارضة بالعمالة للخارج، لكن يبدو أنّ هذه الجولة مختلفة قليلة عن سابقاتها ،حيث يستجيب وفد النظام لطلبات المبعوث بطريقةٍ تغرق اللجنة في تفاصيل وقضايا لا فائدة منها، أو تُعتبر من البديهيات، كسيادة الدولة وخروج القوات الأجنية من سوريا ومحاربة الإرهاب وتحرير الأراضي المحتلة وكلها قضايا سياسية خارج إطار صياغة الدستور، فمن الواضح من طرحه لهذه القضايا بأنه قادم إلى جنيف لا لقناعةٍ في إيجاد مخرجٍ وحلٍّ للأزمة بقدر ما أنه قادم تحت ضغط حلفائه، وخاصةً روسيا لا أكثر، وعليه فلم يكن مؤمّلاً من هذه الجولة أيضاً حصول أي اختراقٍ جدي في تقدم التفاوض، وهذا ماعبّر عنه السيد غير بيدرسون في نهاية الجولة(الجولة الحالية فشلت ولم نتوصّل إلى أي تفاهمات بشأن المبادىء التي نوقشت ) كما أنّ هذه المماطلة في مناقشة البنود الدستورية سوف نحتاج سنواتٍ لإعدادها (لأنهم اتفقوا في كلّ جولةٍ أن يناقشوا أربعة بنود فقط )، هذا إذا تمّ الاتفاق على البنود الأربعة في كلّ جولة وهذا بعيد المنال أيضاً لأنّ الاتفاق على بندٍ يحتاج الحصول على 75% من أصوات أعضاء اللجنة ، وهذا صعب التحقيق في إطار حالة عدم الثقة بين الطرفين .
وعليه فلا يؤمل الوصول إلى أيّ تفاهمٍ في الجولات القادمة أيضاً ، مالم يتدخل المجتمع الدولي بقوة، وتحديد سقفٍ زمني للمفاوضات يرغم النظام على الدخول بجدية في صياغة دستورٍ جديد لسوريا المستقبل.
المقال تم نشرها في جريدة يكيتي عدد 292