آراء

مجزرة سروج تدفع تركيا نحو التحالف

صبري حاجي
بالأمس شنكال وكوباني ,اليوم سروج ,البلدة الكوردية التي تقع في الطرف المقابل لمدينة كوباني ,داخل حدود الدولة التركية بشمال كوردستان ,حيث العملية الانتحارية الجبانة التي اسفرت عنها مجزرة مروعة , هزت مشاعر الانسانية والعالم المتمدن ,في العشرين من الشهر الجاري لهذا العام ,راح ضحيتها اثنان وثلاثون شاباً وشابة واصابة اكثر من مئة شخص بجروح متفاوتة ,معظمهم من الناشطين المدنيين وطلاب مدارس اكثرهم اعضاء في حزب الشعوب الديمقراطي ومن اليساريين المؤيدين لعملية السلام الداخلي التي اطلقت عام الفين واثنا عشر بين السيد عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكوردستاني وجهاز استخبارات التركي بوساطة حزب الشعوب الديمقراطي , كانوا مجتمعين في حديقة المركز الثقافي في المدينة ,استعداداً للدخول الى كوباني لمساعدة أهلها الذين ذاقوا مرارة الظلم والقهر والقتل والتدمير من ويلات حرب مدمرة ,وقساوة العيش في المخيمات تحت وطأة الخوف والمصير المجهول ,والاوضاع المعيشية القاسية ,والحرارة الصيفية العالية والمرتفعة بدون وسائل التكييف والتبريد ,لإعادة بنائها بعد الدمار الذي تعرضت له خلال معارك دامية استمرت لاكثر من اربعة اشهر ونصف بين وحدات حماية الشعب بمساندة قوات البيشمركة ومساعدة جوية لطائرات التحالف الدولي وبين تنظيم الدولة الاسلامية الارهابي السلفي ,الذي يستهدف الكورد اينما كانوا ,نعم ان الدم الكوردي لم يصبح مباحاً فحسب ,
بل ويسال من قبل قوى ظلامية شريرة ومن يدعمها في السر والخفاء ,ممن لا يريد رؤية الكورد في ديارهم واماكنهم والجغرافيا التي يعيشون عليها منذ آلاف السنين آمنين ,رافعين راية كوردستان ,ويعدون العدة لتشكيل كيان سياسي خاص بهم ,بعد ان نصب اهم العوامد الأساسية والبنية التحتية الرصينة اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً واجتماعياً في اقليم كوردستان العراق منتظرين الفرصة السانحة للطلاق الودي عن بغداد ,وما يثير امتعاض وغضب ساسة الأتراك , الشمال السوري المتاخم لحدودها بطول اكثر من تسعمائة كيلو متر ,اصبح غالبيتها بيد قوات حماية الشعب وتدار من قبلها ,بعد تمشيط مدينة تل ابيض وتطهيرها من الارهابيين الدواعش ,واصبح الطريق بين الجزيرة وكوباني سالكاً ,والسيطرة الكاملة على المعابر الرئيسة فيها التي تتغذى منها الدولة الاسلامية ,والتي تعد الشريان الذي يمد عناصره بالمؤن والمعدات العسكرية والطبية والإغاثية ,اضافة الى الانتصارات التي تحققها وحدات الحماية في جنوب الحسكة ومناطق اخرى متفرقة من غرب كوردستان ,في وقت يفضل فيه السيد اردوغان جار داعشي على جار كوردي من جهة حدودها البرية ,اضافة الى فشل وانتكاسة تنظيم الدولة في اكثر من جبهة ,سواء مع قوات البيشمركة في جنوب كوردستان أو مع قوات وحدات حماية الشعب في غرب كوردستان ,ناهيك عن فشل رئيس الوزراء المكلف احمد داوود اوغلو بتشكيل الحكومة الجديدة حتى اللحظة بسبب عدم قبول اي حزب من الاحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة في الدخول مع حزب العدالة والتنمية الحائز على الاغلبية البسيطة في التحالف معها لتشكيل حكومة إئتلافية ,
وما هذا العمل الاجرامي المشين إلا للتغطية على الأزمة السياسية التي يعيشها حزب العدالة والتنمية ,وربما التهيئة لانتخابات عامة مبكرة ,معلوم للجميع بان تركيا اكبر داعمة لتنظيم داعش ميدانياً ولوجستياً ,بدءاً من تجميع وتدريب عناصره في داخل اراضيها ,وحتى تسهيل مرورهم الى سورية ومنها الى العراق ,وذلك لمنع قيام اي كيان كوردي على حدودها ,بل وقطع الطريق امام الكورد لتحقيق مطاليبهم المشروعة التي يطمحون إليها ,ضمن حدود الدول التي يعيشون فيها تحت المسميات التالية الادارة الذاتية او الفيدرالية وصولاً الى حق تقرير المصير الذي اقره ويلسون لجميع شعوب العالم ,لهذا لم يدخل السيد أردوغان الى التحالف الدولي للقضاء على الارهاب الداعشي ,وربط ذلك بشروط تعجيزية منها انشاء المنطقة العازلة في شمال سورية ,ذات الغالبية الكوردية والتساوي بين وحدات الحماية الكوردية والدواعش ,فلاقت تلك المطالب رفضاً امريكياً مطلقاً ,من الطبيعي ان تسوق تركيا بانها مستهدفة من قبل تنظيم داعش ,لكن الحقيقة والواقع كما هو معلوم للجميع ان تنظيم داعش لم يطلق منذ ظهوره واعلانه دولة الخلافة في العراق وسورية رصاصة واحدة داخل المدن والبلدات التركية ,هنا السؤال الذي يطرح نفسه ,لماذا يستهدف تنظيم الدولة الاسلامية المناطق الكوردية أينما تكون؟ يبدوا جلياً وواضحاً ان هناك علاقة مصالحية بين الحكومة التركية وتنظيم داعش لاضعاف شوكة الكورد ,فقد ظلت تركيا محافظة على نفس النهج والسياسة التي إلتزمت بها مع ايران والعراق وسوريا قبل ظهور تنظيم داعش الارهابي في المنطقة, القاضي بطمس القضية الكوردية وهويتها القومية والثقافية ,وتشتيت قواها السياسية بل ودفعها الى الاقتتال الأخوي مجدداً ومن ثم اللعب على وتر داعش واستخدامه لطموحاتها التوسعية لاسترجاع امجادها القديمة ,بعودة عهد الامبراطورية العثمانية بطريقة اردوغانية عصرية ,تماماً كما تفعل ايران بدق اسفين حزب الله اللبناني كذراع لها في المنطقة بدفعه الى اتون الحرب في سوريا لحماية الاسد ونظامه والدفاع عنهما ضد المعارضة المسلحة لهما في جميع الجبهات, تركيا تريد ان تستخدم ورقة داعش من جهة صراع الكورد مع هذا التنظيم الهمجي المتوحش,وكذلك من جهة الصراع الكوردي التركي بالنسبة لملف عملية السلام الداخلي ,وتسويفها لخدمة مصالح واجندات تركيا الحديثة ,لايجاد مكانة ودور اكبر لها في الشرق الاوسط الجديد ,دون ان تدري عواقب ذلك ,كونها مراقبة من اغلب الجهات المؤثرة ,خاصة ايران الطليقة بعد الاتفاق النووي ,وداخلياً من قبل العلمانيين والقوى اليسارية ومؤيدي الداعية الاسلامي فتح الله غولن ,اضافة الى حزب العمال الكوردستاني وجناحه السياسي حزب الشوب الديمقراطي بقيادة صلاح الدين دمرتاش الذي اصبح له نواب حقيقيين في البرلمان لا يمكن تجاوزهم ,فلم يبق امامها سوى التوجه نحو التحالف الدولي بآفاق جديدة ,وخطوات وأطر جديدين كان لزاماً عليها ان تدرك بأنها غير قادرة وحدها على تطويق داعش وادارته واستخدامه كما تتيح لها ,وما يملي عليها مصالحها بعيدة عن قوى دولية الأكثر حجماً ونفوذاً وتأثيراً وقوة ,ومن مصلحتها ان تكون جزءاً من قوات التحالف الدولي لمواجهة ارهاب داعش ,لأن الكورد في غرب كوردستان لن يعادوا تركيا ,بل من مصلحة الشعبين ان تستقر المنطقة وان ينسقا معاً للقضاء على وباء داعش الذي بات يهدد الجميع ,وعليها ان لا تعادي مشروع الدولة الكوردية في جنوب كوردستان ,لذا فهي مسؤولة حكماًعن الجريمة القذرة التي خلفت مجزرة مروعة استناداً الى الواجب الذي يفرض عليها حماية أمن مواطنيها داخل حدودها .
المؤرخ: 25.07.2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى