محمد شيخو حنجرة الحزن الكوردي
بهجت شيخو
تاريخ ميلاده حدثٌ غير طبيعي كما سلخ أجزاء وطنه حدث غير طبيعي و تلتها طفولة غير طبيعية و أيضا ظلم و اضطهاد في ريعان الشباب لذا حدد موقفاً و تمرداً على واقع لم يكن هو فيه سوى الضحية.
هذه هي سورية كانت ومازالت بتلك الأنظمة المتعاقبة منذ استقلالها و الذين لم ينصفوا الكورد كشعب و أرض و تاريخ وقضية.
لذا أصر الفنان الخالد محمد شيخو أن لا يكون كبقية أبناء قومه فالتمرد كان واضحاً عليه لأنه وهب حنجرته الحزينة بكأبة و آنين( آي فلك … أي فلك… جما أم بي دوست و كسن ) و الفلك الكوردي لفظاً و اسما هو حزنٌ لا تضاهيها الأحزان و لا كل الأسماء المتمرسة في الحزن و أكثر ما كان يؤلمه بأن هذا الشعب لا صديق له … و كما أكدها لاحقاً أيضا الشاعر الفلسطيني محمود درويش عندما أهدى قصيدته الرائعة للشعب الكوردي و قال: الكوردي ليس له سوى الريح … فاكمل هذا الفنان الذي كان الأقرب بروحه إلى أمته سواء أكان في كوردستان سوريا أم في بقية الأجزاء المغتصبة من كوردستان الجميلة لمتابعة مصير شعب يعاني الظلم و الطغيان. .
فكان وفياً لكل أزقتها بكل تفاصيلها .. حباً و أساطير … و مخلصا لوطنه و لعيني نسرين اللتين عشقهما عشق أبديا … فأبدع بأنامله المعطاءة لينسج تراجيديا الحزن الكوردي و ليشدو عزفا ببزقه ليغدو وشاحا حزيناً و رقة التفاصيل في حب ( ممو زين ) و بهذا قد اخلص لنا عزفا و حنجرة في يأس سنوات شهدت القهر و القمع القومي ليختزل بذلك جملة ما أنتجه الاضطهاد و المذابح بحق شعبه.
ففي آذار هناك طقوس كوردية معتادة ففيها جسدت عويل الإخفاقات و زغاريد الانتصارات … كما في آذار دوما هناك ربيع و روح أقسما بأنهما لا يتجزأن.
فهكذا أودع الفنان الراحل روحه المعطاءة في شهر آذار ليكون جزءاً لا يتجزأ من مسيرة شعب لا ينتهي.
– سيرة الفنان الخالد محمد شيخو و الملقب ببافي فلك في سطور:
– ولد الفنان الراحل محمد شيخو في قرية كرباوي القريبة من قامشلو عام 1948 في كنف عائلة قومية في كوردستان سوريا.
– اسمه الحقيقي محمد صالح شيخموس أحمد.
– عرف عنه أنه كان شغوفاً بالغناء و اللحن الكوردي منذ نعومة أظفاره حيث كان يعزف على التنك و الكالونات البلاستيكية.
– قدم له عمه أول آلة موسيقية حقيقية و هي الطنبور كونه كان يعمل في الموبيليا في بداية السبعينيات.
– درس المرحلة الابتدائية في قرية خجوكي، و الإعدادية في قامشلو.
– و في عام 1965 تعرض لمرض في عينه مما أدى الى ضعف في الرؤية لديه لذا أعفي من خدمة العلم في سوريا.
– عاد الى القرية ليعمل في الزراعة و خلال تجواله في بعض القرى تعرف في قرية ( خربي كرما ) إلى حسين طوفي و خليل يزيدي و حليم حسو و غيرهم حيث رافقهم في الحفلات و الأمسيات الكوردية حينها تعلم اللغة الكوردية و إتقان الشعر و خاصة أشعار الشاعر الكبير جكرخوين.
– في عام 1970 انتقل إلى بيروت لدراسة الموسيقى و من خلالها قدم الدعم و المساندة للثورة الكوردية في كوردستان العراق بالتعاون مع لجنة الفن الكوردي و في عام 1972 قدم الراحل بعض من أغانيه في صالة سينما ريفولي و بحضور رئيس وزراء لبنان السيد صائب سلام آنذاك و من ثم تم بث بعض من أغانيه في راديو لبنان الرسمي و أطلق عليه ما يسمى باسمه الفني محمد شيخو و أصبح عضواً في اتحاد فنانين لبنان.
– تعرف على العديد من فناني لبنان منهم: نصري شمس الدين و وديع الصافي و فيروز و غيرهم و بعد الحرب الأهلية عاد الراحل إلى سوريا و بالذات إلى رميلان ليأسس فرقة فنية و لكن تدخل السلطات الأمنية السورية حال دون نجاحها و طرده من الوظيفة
و في أواخر عام 1972 ذهب إلى بغداد لإقامة حفلة فنية.
– في عام 1973 سجلت إذاعة بغداد القسم الكردي بعضاً من أغانيه و تم بثها و من هنا ذاعت له شهرة واسعة في كوردستان العراق و تعرف على أغلب الفنانين المشهورين أمثال شمال صائب و محمد عارف جزراوي و غيرهم . و في العام ذاته زار كوردستان العراق و التقى بقائد الثورة الكوردية الملا مصطفى البارزاني حيث تم تكريمه و أهداه القائد العلم الكوردي.
– في عام 1974 و في دمشق سجل مجموعة من أغانيه باسم ( كوري ) فتعرض إلى المضايقات و الملاحقات الأمنية من قبل السلطات السورية مما اضطر إلى المغادرة و التوجه نحو جبال كوردستان ليشارك في الثورة الكوردية.
– في عام 1975 بعد اتفاقية الجزائر المشؤومة و فشل الثورة في كوردستان العراق توجه إلى كوردستان إيران و هناك في إحدى معسكرات اللجوء عمل على إنشاء فرقة فنية من بعض الجرحى و شباب البيشمركة.
– كما زار مهاباد و قدم أغنيته الشهيرة ( من مهاباد منبع الشهداء ) أدى هذا الأمر الى تدخل المخابرات الإيرانية و نفوه إلى منطقة بالقرب من بحيرة قزوين على الحدود مع أذربيجان وقام هناك بتدريس اللغة العربية و تعرف على فتاة كوردية كانت طالبته و هي ابنة احد أبطال بيشمركة ثورة مهاباد و تدعى نسرين حسين فأحبها حباً جماً و غنى أغنيته المشهورة ( نسرين ) و أصبحت فيما بعد شريكة حياته.
– و في عام 1983 عاد إلى قامشلو بعد إصدار عفو عام من قبل السلطات السورية و اسس فرقة فنية و قام بإعطاء الدروس الموسيقية.
وفي عام 1986 سجل آخر أعماله الفنية.
و في عام 1987 فتح محلاً لتسجيل الكاسيتات باسم فلك في قامشلو, و من جديد تدخلت السلطات الأمنية لإغلاق محله وقطع سبب من أسباب عائلته وقامت السلطات بوضع الشمع الاحمر على محله و ذلك بسبب طابع غنائه القومي.
– و في عام 1989 أصيب فجأة بمرض في معدته أدخل المشفى في دمشق و لكنه توفي في التاسع من شهر آذار من العام نفسه تاركاً خلفه إثراً فنياً رائعاً وتاريخاً نضالياً بطولياً.
وري جثمانه الطاهر بالثرى في مقبرة الهلالية بقامشلو و بحضور جماهيري غفير على وقع أغانيه القومية و الإنسانية.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٢”