آراء

نهج البارزاني، ما هو؟.. الحلقة الأولى (1 – 3)

محمد زكي أوسي

كلَّ عامٍ تمرُّ ذكرى تأسيس الحزب الديمقراطي الكُردستاني – الجنوب, (16- آب 1946)م, وتليها يوم (11 – 9 – 2022)م. ذكرى اندلاع ثورة أيلول المجيدة, ذات الأثر والوقع الأكبر في تاريخ حركة التحرر الوطني القومي الكُردي في التاريخ الكُردي الحديث, والمعاصر, وبهذه المناسبة رَغبتُ بإلقاء الضوء على بعضٍٍ من جوانب نهج البارزاني الخالد, الذي حمل همّ وعبء قضية كُردستان وشعبها بكل أمانةٍ وبطولةٍ واقتدار، لِما يزيد عن نصف قرن ،دون كلل أو ملل, فأين نحن من هذا النهج.

أولاً: البارزاني والأحزاب والحياة الحزبية والحزب الديمقراطي الكُردستاني تحديداً:

تطرّق كثيرون ،من الكتاب و الباحثين، سابقاً والآن إلى هذا الموضوع.

1- فريق يقول: إنّ البارزاني كان حزبياً ملتزماً تماماً بمنهاج الحزب ونظامه الداخلي مثل أي حزبيّ آخر.

2- فريق ثانٍ يقول: إنه كان يؤمن بضرورة وجود حزبٍ جماهيري قوي في كُردستان, وهدفه من هذا احتواء هذا الحزب والهيمنة عليه واستخدامه وسيلة لتحقيق غاياته الخاصة.

3- فريق ثالث زعم أنه لم يكن يؤمن بالأحزاب ولا بالحياة الحزبية أصلاً.

إننا نعتقد بأنّ أصحاب الاتجاهات الثلاثة ليسوا على صواب فيما ذهبوا إليه, لذلك تفاوتت آراؤهم بين مغرضٍ مسيء إلى سمعة هذا المناضل الكبير, وبين مخطئ لا يملك الإلمام الكافي بتفاصيل هذا الموضوع, وبين مخلصٍ متحمّس يفتقر إلى القدرة لإصدار حكمٍ بعيداً عن العاطفة والانحياز, وللوصول إلى رأي قاطع أكثر واقعية وصدقاً وعدلاً, لا بدّ من العودة سراعاً إلى الوراء، لنسلّط الأضواء على الجوانب المتعددة لهذا الموضوع, وعلى سلوك البارزاني الخالد في تعامله مع الحزب منذ قيامه بدور المؤسّس له وحتى رحيله (1 – آذار – 1979)م.

نشأ البارزاني في أسرةٍ مناضلة، قُدِّر عليها مقارعة الطغيان والخيانة، بدءاً بالعثمانيين ومروراً بالبريطانيين، وخدمهم حكام العراق والخونة والمرتزقة من شيوخ القبائل، الذين وقفوا بالضدّ من حقوق شعبهم، وضحَّت هذه الأسرة ومَن معها بكلّ ما تملك ولعلّ المآسي التي حلّت ببارزان وأبنائها (12 نكبة ونكسة) وبذلك تأتي ثانية في تاريخ الكُرد بالمآسي بعد شنكال وأخوتنا الكُرد الايزيديين (74 مجزرة أكثر من وحشية)، ولعلّ الشاهد الأبرز هو إعدام شهيد كُردستان الشيخ عبد السلام البارزاني عام (1914)م. هذا الحدث ترك أثراً عميقاً في نفس شقيقه الأصغر مصطفى الذي كان طفلاً صغيراً، رهن الاعتقال مع والدته, وحافزاً له لخوض غمار الحرب والسياسة وتجلّى هذا بوضوح في ثورات بارزان (عام 1931 – 1933 – عام 1942 -1945م – عام 1961 – 1975م)، وزادت شخصيته التي كانت مفعمة بكاريزما القيادة صقلاً من خلال المفاوضات والاتصالات السياسية والمفاوضات التي اقتضتها الظروف مع مختلف الأطراف, ومن خلال إقامة الروابط مع المنظمات والأحزاب والشخصيات في كُردستان وخارجها، وكذلك التجارب الإضافية التي اكتسبها خلال تواجده في شرق كُردستان مع قادة جمهورية مهاباد ومداولاته مع حكام إيران, واكتسابه المزيد من الخبرة الدولية وسعة الأفق السياسي أثناء مكوثه في الاتحاد السوفييتي.

معروف أنّ الحزب الديمقراطي الكُردستاني تأسّس بناءً على مبادرة وتوجيه البارزاني شخصياً، وصادق مؤتمره التأسيسي عام (1946)م على المنهاج والنظام الداخلي الذي أعدّه البارزاني مع الضباط الكُرد الأحرار, ورغم وجوده في الاتحاد السوفييتي كان رمزاً للوطنية وانتُخُب وبالإجماع رئيساً للحزب في مؤتمراته كافةً، رغم عدم ترشحه لهذه الرئاسة ولا مرة واحدة, لقد توفّرت له مستلزمات القيادة من خلال مواهبه ومؤهلاته التي صقلتها التجارب إلى جانب امتلاكه قوة ضاربة من البارزانيين علاوةً على نفوذه الواسع داخل مجتمع جنوب كُردستان وعلى صعيد الأمة الكُردية جمعاء, لقد كان البارزاني والحزب قوتان تكمل إحداهما الأخرى, وكان البارزاني له دور الأب القوي العادل الذي يضمر له رفاقه كلّ الاحترام والتبجيل, فقد كان البارزاني طوال فترة قيادته يؤكّد باستمرار على وحدة الحزب وقوته، ويحثّه على التعاون مع الأحزاب والشخصيات الوطنية في كُردستان والعراق ، لحشد قواها الموحّدة في النضال لتحقيق الأهداف في التحرر والتقدم الوطني والاجتماعي.

وكان أحد عوامل الخلاف بينه وبين بعض الاتجاهات هو نزوع هؤلاء إلى تسليم مقاليد أمور الشعب الكُردي إلى الحزب وأصلاً هذا المجال رغم عدم توفر المقومات المطلوبة لهذه القيادة لذا كان البارزاني يتردّد في الاستجابة لهذه الطلبات ويقف ضد نزعات التسلط, وينظر إلى المجتمع الكُردستاني نظرة مختلفة، ويتصرّف على أساس كونه زعيماً للشعب مؤتمناً على مصالحه من جهة وقائداً للحزب من جهةٍ أخرى ساعياً إلى المحافظة على التوازن والانسجام بينهما, مع مراعاة كون الحزب هو الأداة والوسيلة ، وأنّ الشعب هو الأساس والغاية الأسمى, ويرى أنّ الحزب مهما أوتي من قوة غير قادر على استقطاب كلّ الشعب ؛نظراً لاختلاف التكوين الطبقي والديني والعشائري والفكري بين أفراده, ويشدّد على ضرورة أخذ هذه الحقائق بنظر الاعتبار, وعدم إهمال هذه الشرائح من المجتمع، وضرورة تأمين الصلات معها؛ لأنها قوة نضالية إضافية يجب استثمارها بالشكل الأمثل تفادياً لبؤر الاحتكاك بين الجانبين؛ كي لا يؤدّي ذلك إلى خلق فجوة بينهما, وكان هو يتولّى تنفيذ هذه المهمة إلى جانب قيادته للحزب والثورة, وقد تصدّى وبقوةٍ ولأكثر من مرةٍ عندما كانت هذه المبادئ تتعرّض للتجاوز والانتهاك جراء رغبة بعضهم في فرض سيطرته على الحزب والشعب ،دون وجه حق، وتسخير الأمور لتحقيق مآربهم الخاصة، دون الأخذ بنظر الاعتبار مصالح الوطن والشعب والحزب، كما حدث في عام 1959م وعام 1964م ،عندما حاولت أقلية تسلطية منحرفة فرض إرادتها بالضدّ من مصلحة الشعب، لقد كان تعالمه مع الشخصيات والهيئات الحزبية والشعارات والمصطلحات المختلفة وفق تفكير علمي واقعي، بما يتماشى ومصلحة الشعب والثورة أولاً وأخيراً بعيداً عن عبارات التبجيل والمديح, كان سهلاً ممتنعاً, يتطلّع لأن يكون هو والحزب والقيادة عوناً للشعب وفي خدمته ورهن ارادته.

وخلاصة القول: فإنّ البارزاني الخالد كان يؤمن بالحزب والحياة الحزبية, ويمده دائماً بعوامل الوحدة والقوة, بهدف وضعه في خدمة الشعب الذي يمثّل بنظره الغاية الأسمى, التي يجب أن يضعها كلّ حزب مخلص نصب عينيه, وهنا تكمن قوة و وحدة وجماهيرية الحزب الديمقراطي الكُردستاني، الذي تمكّن من تجاوز كلّ النكبات والمصاعب باقتدار؛ لأنّ خطه النضالي كان على الدوام مواكباً لطموحات وآمال الشعب.

فما أحرانا اليوم أن نستلهم من هذا التراث المجيد في هذه الأيام الشاقة جداً التي أخذ فيها شعبنا يشعر بالتبَّرم من هذا التكاثر والانشطار، الذي اختلط فيه الغث بالثمين والحابل بالنابل، وأصبحت مصالح الشعب الأساسية في مهبّ الريح.

يتبع.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “302”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى