هل أصبحت ” الثورة الإيرانية” خطراً على العالم؟
محمد جمعان
انطلقت الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الخميني في عام 1979. السلطة النهائية منوطة بـ «المرشد الأعلى للثورة الإسلامية» الأوتوقراطي (الحاكم الفرد، أو من يحكم بنفسه). وهو المنصب الذي يشغله علي خامنئي منذ وفاة الخميني في عام 1989.
ومنذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا الثورة مستمرة . و الشعار الأبرز لهذه الثورة هو : الموت لأمريكا ولإسرائيل . انطلقت تلك الثورة بعمليات عسكرية و الخطف و الهجمات وبأشكال مختلفة ضد المصالح الأمريكية و الإسرائيلية في جميع أصقاع الأرض.
فقد هاجمت عن طريق ضباطها وعملائها في دول و عواصم مختلفة بعمليات عسكرية وإرهابية من أمريكا اللاتينية إلى آسيا وأوروبا، حيث تنوّعت هذه الهجومات من تهديد إلى قتل معارضيها السياسيين إلى الهجوم على المراكز أو المؤسسات التابعة للغرب ولإسرائيل و الجهات الأخرى لمجرد معارضتها النظام في طمس الحريات العامة في إيران .
التزمت الثورة الإيرانية مذهب الاثنى عشرية أو الأمامية ( تؤمن الطائفة الاثنا عشرية / إثنا عشرة إماماً معصوماً) ويعتقدون بأنّ محمد المهدي ابن الحسن العسكري وهو عندهم الإمام الثاني عشر هو المنتظر الموعود الذي غاب عن الأنظار وأنه سيعود ليملأ الأرض عدلاً).
إيران تعتبر ثاني أكبر قوة بشرية في المنطقة بعد مصر( 85) مليون نسمة. يوجد في إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم ورابع أكبر احتياطي مؤكد من النفط .
في السنوات الأخيرة استطاعت إيران السيطرة على عواصم كثيرة في الشرق الأوسط وبطرق مختلفة. فحرب النظام الإيراني تأتي باسم الدين لنشر التشيع في كلّ أنحاء العالم وبالأخص في العالم الإسلامي.
وكذلك استغلالهم لروح التطرف الديني الموجود لدى الكثير من المسلمين لعودة الإسلام المتطرف ودعمها للمنظمات الإرهابية و بحجة محاربة الكفار. الكثير من شعوب الدول الإسلامية تعارض طهران نهجاً وممارسةً و ديناً و كيفية تعاملها مع دول الجوار .
أما كيف نجحت طهران في نهجها الديني المتطرف للسيطرة على دول كثيرة فيمكننا إيجاز ذلك للأسباب التالية:
طهران سخرت إمكاناتها المادية الضخمة لإرسال رسائل وبأوجه متعددة للعالم الاسلامي بأنها هي التي ستقوم بتحرير القدس و لذلكً فهي تحارب الشيطان الأكبر و ربيبتها إسرائيل في المنطقة ، و بهذا استطاعت كسب قلوب الملايين من المسلمين من خلال استغلال ضعاف النفوس والهيمنة العسكرية والدينية والاقتصادية لبناء جبهة تابعة لها باسم : ” جبهة المقاومة” .
وهكذا استطاعت السيطرة على صنعاء و بيروت ودمشق والعراق . أما أساليب وأدوات السيطرة فهي : التشيع، وكسب النفوس الفقيرة والضعيفة و التأثير عليها مادياً وبرفع شعارات دينية خلبية.
وما شعار تحرير القدس ومحاربة إسرائيل و دعم حماس إلا شماعة استطاعت ايران الاستفادة منها لتوجيه الأنظار من الداخل الإيراني وأزماته المتفاقمة إلى صراعٍ مفتوح مع الخارج حيث ارتضاه الله و كتبهم و أئمتهم .
أما الطرف الآخر في الحرب ضد ايران وهي أمريكا وحلفائها فهي لا تريد توسيع تلك الجبهة مع إيران وذلك لأسباب كثيرةً ، منها : إنه ليس لصالح أمريكا وأصدقائها أن تتوسّع الحرب مع إيران لتشمل دول الشرق الأوسط ، فالكثير من تلك الدول لها مصالح استراتيجية مع أمريكا وبأنّ الطرف الرابح في خلط الأوراق وزعزعة أمن واستقرار المنطقة هي ايران والجهات المتطرفة الأخرى.
لكن المفارقة أنّ أمريكا وبالرغم من أنها تصرّ على عدم تطوير إيران لأسلحتها وتطالب إيران بأن تنزع فتيل الصراع مع إسرائيل والدول الأخرىً والكفّ عن توسيع الحرب في المنطقة وعدم التدخل في شؤون دول الجوار ولكنها عملياً لا تأتي بحلول عملية، إن كانت بالطرق السلمية أو العسكرية ، وهي تعلم أكثر من غيرها بأنّ طموحات إيران كبيرة وهي لا تكتفي بمحاربة إسرائيل و نشر التشيع الديني، لا بل تعمل على السيطرة على المنطقة عن طريق الحروب وزعزعة الامن والاستقرار في المنطقة وبذلك تهدّد السلم العالمي وتعمل ضد المصالح القومية و الاستراتيجية لأمريكا والكثير من دول العالم.
وما إصرارها في تطوير ترسانتها العسكرية إلا إحدى أساليب الضغط و الإكراه في إجبار الجميع على القبول بها في نادي الكبار.
إيران تحاول السيطرة على العالم الإسلامي ” بنكهة فارسية” حيث يقول لسان حالها بأنه جاء الآن دورها بعد الدولة الإسلامية- العربية و العثمانية- التركية ، هذه هي المؤشرات القادمة من ” قم ” للسيطرة – الشيعية – الفارسية و هذا ما لا تقبله جميع الدول العربية والإسلامية و العالم .
من الواضح أنّ أغلبية الدول العربية تدرك ما تخفيه طهران من وراء شعار : الموت لأمريكا وإسرائيل فهي لا تؤيّد السياسات الإيرانية ولا التشييع لا بل تعاديها لأنها تعلم علم اليقين بأنّ هذا التشييع ما هو إلا وسيلة لخلق بؤرٍ من التوتر الاجتماعي والسياسي والعسكري ، و لكن تلك الدول لا تستطيع مجاراة إيران بشكلٍ علني وصريح نظراً لضعف الحال لمجابهتها وهناك أطراف كثيرة دولية أخرى مثل روسيا والصين وتركيا وما شابههم، فإنّ مصالحها ترتأي استغلال هذا الصراع بين أمريكا وإيران لمصالحها الخاصة وفي كثيرٍ من الأحيان تتعامل مع الصراع الإيراني- الأمريكي – الإسرائيلي بشكل مقايضات في صراعات أخرى.
وبهذا يتضح و بشكلٍ جلي أنّ ” الثورة الإيرانية” لم تعد خطراً فقط على شعبها لا بل خطر على أمن واستقرار شعوب المنطقة برمتها و كذلك يهدّد مصالح الكثير من دول العالم.
إيران تستفيد من ازدواجية المعايير لدى تلك الدول التي تستغلّ هذا الصراع المفتوح بين أمريكا والتحالف الدولي حيث مبادئ هذا التحالف تتمحور في محاربة الإرهاب و التطرف والتعصب الديني ودوره المتزايد في العالم من جهة و بين السلطة الإيرانية- الدينية المتطرفة .
وما الهجوم الصاروخي الإيراني – الاستعراضي ضد إسرائيل في ليلة السابع عشر من الشهر الحالي و مواقف نتانياهو المتطرفة إلا إنذار بحروب دائمة شاملة وتوتر تدفع ثمنها باهظاً شعوب المنطقة وبذلك فإننا نصل إلى نتيجة مفادها أنّ ” الثورة الإيرانية الإسلامية ” تحاول تصعيد التوتر في المنطقة وبأنّ سياسات إيران أصبحت خطراً ليس فقط على شعوب إيران لا بل على الأمن والسلم الدوليين .
ويبقى التوتر هو سيد الموقف واحتمال حدوث حربٍ شاملة لا زال قائماً.