آراء

▪︎عن المثقف ودوره ▪︎

*نوروز بيجو

لا شكّ أنّ هناك فرق بين المثقف والمتعلّم، وليس من الصواب أن نطلق أو نصفَ كلّ مَن درسوا فى المدارس والجامعات وتخرّجوا فيها بالمثقفين، وكما يقول المختصون في تعريف المثقف والثقافة، لغةً ، مشتقان من مادة (ثقف)، والتي تدلّ – حسب ما جاء في معاجم اللغة العربية وقواميسها – على عدَّة معانٍ، منها : الحذق وسرعة الفهم، والفطنة والذكاء، وسرعة التعلُّم، وتسوية المعوج من الأشياء، والظفَر بالشيء، و كلمة ثقافة cuIture مشتقة من الكلمة اللاتينية culture، وهذه مشتقة من كلمة colere وهي تعني كلمة «يزرع» وهو اصطلاح متعدد المعاني، حتى أنه فى عام 1952 قدّم عالم الاجتماع” ألفريد كروبر وكلايد كلاشون” قائمة تحتوي على 164 تعريفاً لكلمة ثقافة فى كتابهما (الثقافة، عرض نقدي للمفاهيم والتعريفات) وبعد أن كانت الثقافة تعنى الزراعة أو الاستنباط… تطوّرت الكلمة، وأصبحت تعني الجانب الفكري من الحضارة أو مجموع العادات والاِنجازات عند الشعوب.

فالمثقف ليس ذاك الذي يحمل شهادةً ورقية معترَف بها من دولة أو جامعة عالمية ما، وإنما هو ذاك الذي امتلك من العلوم والمعارف ما يمكّنه من خدمة مجتمعه وقضايا شعبه والإنسانية جمعاء، ويصبح ناقداً اجتماعياً متى ما اقتضت الحاجة، همُّه أن يحدِّد، ويحلِّل، ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظامٍ اجتماعي أفضل، نظام أكثر إنسانية، وأكثر عقلانية، كما أنه الممثِّل لقوَّةٍ محرِّكةٍ اجتماعيّاً، يمتلك من خلالها القدرةَ على تطوير المجتمع، من خلال تطوير أفكار هذا المجتمع ومفاهيمه الضرورية، و لأنه يصبح متنوراً، ذو فكرٍ منفتح بعد امتلاكه للمعارف والعلوم، فمن المفروض أن ينعكس ما امتلكه من معارف على مبادئه وأخلاقه ايجاباً.

فالمثقف الحقيقي هو الذي يلعب دوراً كبيراً في بناء المجتمعات ويمهّد الطريق نحو التغيير الإيجابي والمستقبل المشرق لأمته.

وفي هذا الصدد، قد لا أكون مبالغةً عندما أقول ربّما لم تمرّ على النخب المثقفة الكُردية بشكلٍ عام والسورية منها بشكلٍ خاص حالة انكشاف وتعرٍّ قيمي وأخلاقي للكثيرين منهم، كما هي حالها اليوم، في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ كَردستان سوريا، ولا سيما بعد الثورة السورية، حيث نجد أنّ الغالبية من المثقفين الكُرد لم يقوموا بواجبهم الحقيقي تجاه شعبهم والعمل على سد الثغرات الموجودة وإيجاد الحلول، بل أنّ معظمهم بدت عليهم الانتهازية والتسلق وتفضيل مصلحته الشخصية على المصلحة العليا، بعكس ما يفترض أن يكون عليه المثقف الحقيقي، وكثيرون من هؤلاء فضّلوا السكوت وعدم الخوض في المواضيع والقضايا الهامة التي ينبغي على المثقف المتنوّر خوضها، إما خوفاً من فقدان منصبٍٍ ما، أو خوفاً من العواقب الأمنية من السلطات الحاكمة أو خوفاً على علاقاته الاجتماعية التي تدرّ عليه مكاسب اجتماعية آنية، ومنهم لأسباب أخرى ثانوية من هذا القبيل.

ويرى ليفي شيراوس عالم الانثروبولوجيا الشهير، أنّ الانثروبولوجيا الثقافية قد قامت بدراسة اللغة «كنظامٍ رمزي وكعلامةٍ مميزة جوهرية للثقافة البشرية من حيث أننا نستطيع أن ندرك ما هو إنساني فينا انطلاقاً من فعل التواصل، والشيء الجوهرى الذى تركّز عليه الانثروبولوجيا الثقافية، هو أنها تنظر إلى الثقافات باعتبارها شيئاً متغيراً ونسبياً.

فهل يمكننا أن نتفاءل بغدٍ ثقافي معرفي توعوي كٌردي أفضل من الذي مررنا ونمرّ به، بعد هذه المكاشفة والعري والتجربة المريرة التي عاشها شعبنا، وعاشه مجتمعنا، وخاصةً في السنوات القليلة الماضية، وبعد ثورة المعلوماتية، وعلى مبدأ عالم الانثروبولوجيا الإنجليزى إدوارد تايلور، بأنّ الثقافة هي ذلك الكلّ المركّب الذي يحتوي على المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادات والتقاليد، وأيّ قدراتٍ تكتسب بواسطة الإنسان باعتباره عضوأ فى المجتمع، وحيث أنها تظلّ عاملاً أساسياً، فإنّ الثقافة تحتوي على الأفكار التي تحدِث التطور الاجتماعي.

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 288

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى