متى يتّعظ كُرد سوريا؟
الدكتور عبدالحكيم بشار
في مقابلةٍ مع هاريت تابمان أيقونة تحرير عبيد أمريكا، تلك المرأة التي عُرفت بكفاحها وسعيها الدؤوب لإلغاء نظام وثقافة الرق وتحرير العبيد في أمريكا، وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين على اختلاف أثنياتهم وألوانهم، والتي طُبِعت صورتها فيما بعد على الدولار الأمريكي ، فئة العشرين دولار ، لتصبح أول امرأةٍ تحظى بهذا الامتياز، حين تمّ سؤالها : ما هي أصعب مرحلةٍ في تحرير العبيد؟
فكان جوابها :إنّ أصعب مرحلةٍ لتحرير العبيد هي مرحلة القدرة على إقناع العبيد بأنهم عبيدٌ وبعد اقتناعهم بذلك تصبح المهمة سهلة جداً.
وما قالته الأيقونة الأمريكية تابمان حيال العبيد، ينسحب بتمامه على كُرد سوريا مِن منتمي وأنصار حزب العمال الكُردستاني، هذا الحزب الذي غرّر الآلاف من الشباب الكُرد السوريين من الجنسين في أواسط ثمانينيات القرن الماضي بشعاره تحرير وتوحيد كُردستان، شعاره الذي كان أشبه بصريخ طفلٍ ضعيفٍ هزيل ولكنه مغرور، لذا يرفع من وتيرة صراخه بكلماتٍ هي أضعاف أضعاف حجمه وقدراته.
ورغم طوباوية ذلك الشعار ضمن الظروف والمعطيات الذاتية والموضوعية، إلاّ أنّ تلك الثقافة الشعاراتية كانت وراء انخداع شريحة كبيرة من العامة بها، كما دفع ذلك آلاف الشباب الكُرد للانخراط في صفوف ذلك التنظيم، هذا إذا ما قلنا بأنه وقتذاك كان ثمة ما يبرّر ذلك الانخراط والاندفاع لدى شريحةٍ من الشباب، بسبب حالة القمع والاضطهاد القومي وحتى الإنساني للكُرد السوريين، وحيث أنّ سيكولوجية الإنسان المقهور تعزّز حبّ التمرّد المتضخمم لديه، وتدفعه بالتالي للبحث عن الخلاص الوهمي الممكن في مكانٍ آخر.
ورغم أنّ كلّ المعطيات تؤكّد بأنّ حزب العمال الكُردستاني وزعيمه الذي كان يعيش في أحضان النظام السوري قد تحوّل إلى أداةٍ غير كُردية لتصفية حسابات إقليمية وتحديداً الخلافات بين النظام السوري وتركيا حول العديد من القضايا ومنها قضية المياه، والذي صُنّف فيما بعد على لائحة الإرهاب أوربياً وأمريكياً، وكان الشعار المُعلَن لحزب العمال الكُردستاني آنذاك هو إقامة دولةٍ كُردية، ولكن في حقيقته كان مجرد أداة لتحقيق مصالح النظام السوري، إلى أن تمّ اعتقال زعيم التنظيم عبدالله أوجلان في عام 1999.
ولكن مع اعتقال أوجلان وتصريحاته التي يخجل منها أيّ سجينٍ بسيط لا يعلم شيئاً عن ماضي التنظيم والشعارات التي كان يرفعها الحزب وزعيمه، والتي كانت وراء التضحية بمئات الشباب، وتنازله بذلك الشكل المهين عن كلّ ما جاء في لقاءاته وأدبيات حزبه، كان من المتوقّع أن ينفضّ من حوله كُرد سوريا بعدما شاهدوا وسمعوا من على شاشات الفضائيات تصريحات الزعيم الوهمي، وذلك ليس فقط في بداية الاعتقال الذي بدا فيها خائفاً ومرتبكاً وهي الصفات التي لا تناسب أيّ ((زعيم )) يدّعي بأنه صاحب قضية، وإنما ظهر كذلك الأمر بنفس الملامح المُخجلة في محاكماته فيما بعد، والذي أظهر فيها المزيد المزيد من التنازلات مقابل الحفاظ على حياته، بل وذهب أبعد من ذلك حيث عرض على الحكومة التركية خدماته لجعل كلّ الكُرد مرتبطين مع تركيا وأبدى إستعداده لإجهاض أية مطالب تتعلّق بالحقوق الكُردية حتى في الدول الأخرى، وحيث سيعمل أوجلان على كلّ ذلك فقط مقابل اِطلاق سراحه وخلاص رأسه؛ وفي هذا الإطار يمكن للسائل أن يُراجع الكثير من فيديوهات وتصريحات قائد ذلك التنظيم !!!؟؟؟؟
ومع كلّ تلك البيّنات والأدلة التي تؤكّد بأنّ خلاص الذات بالنسبة لأوجلان أهمّ من كلّ شيء لديه، وأنّ القضية الكُردية هي مجرد وسيلةٍ وأداة زعامة لديه، بقي قسم من الكُرد السوريين مرتبطين به، مكذّبين كلّ وسائل الإعلام وعيونهم وآذانهم وحتى فيديوهات القائد!!!!??? معتبرين تصريحاته على أنها نوعٌ من التكتيك السياسي، والغريب أنّ ذلك التكيتك المزعوم يُسمح لأوجلان فقط دون غيره من أطراف وقادة الحركة الكُردية!!
والشيء الذي يستدعي الخيبة والأسف هو أنه بعد تنازل حزب العمال الكُردستاني عن القضية القومية للشعب الكُردي وتحوّله لمجرّد أداةٍ لتنفيذ أجنداتٍ إقليمية ودولية، هذا إنٔ لم يكن نشوءه أصلاً قائم على هذا الأساس، وحيث أصبح شعاره الأساسي فيما بعد والمعلن هو أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية، كنسخة مشوّهة وقزمة من الشيوعية، ما يزال قسم من الشباب من أبناء شعبنا الكُردي في سوريا مؤمن بفكرهم رغم طوباوية هذه الفكرة وفشلها على الصعيد الدولي كفكرة شيوعية، والأسئلة التي تطرح نفسها حيال ذلك كثيرة منها: لماذا إذن بعض الكُرد السوريين ما يزال يسير في ركب سرابه السياسي؟ فماذا يقولون لأنفسهم فيما يتعلّق بماضي الحزب وحاضره؟ وعن ماذا يدافعون؟ ومن أجل أيّة قضيةٍ يضحّون بأموالهم وأرواح شبابهم؟.
ومع كلّ القرائن المتوفّرة في الشبكة العنكبوتية عن كنه الحزب المدمن بخصوص التنازلات الكبيرة، والذي لا يعتاش إلاّ على التضحية بالمزيد من الشباب الكُرد والتجارة بدمائهم، ومع أنّ الأدلة المتوفّرة كانت كافية لإيقاظ جمهور ذلك التنظيم من سباته العقائدي، ولكن رغم ذلك لم يحصل ما كان مرجوّاً إلى تاريخ اليوم، إذ ما يزال هناك مَن يؤمن بأيديولوجيته المتقلبة، لذا أعتقد بأنّ الفكرة وبكلّ بساطةٍ هي أنّ هؤلاء الشباب تحوّلوا إلى عبيد مودرن، على غرار عبيد أمريكا في تلك المرحلة التاريخية، وبرأيي أنّ أصعب مرحلةٍ ستواجه الحركة الكُردية والمثقف الكُردي والمجتمع الكُردي برمّته، هي مرحلة إقناع هؤلاء بأنهم عبيد.
4-5-2021