واقعنا ضحية أحلامنا
سكينة حسن
لكلّ شعوب العالم حق الحلم بالتحرر والحرية وبناء المستقبل المنشود لأبنائه في الحياة الحرة الكريمة. لكن في تاريخنا الكُردي وخلال مائة عام، اصطدم نضال الكُرد بأحلامهم، حيث نمارس الكُردايتي دون أن نمارس السياسة، وبما أنّ القضية الكُردية ليست (قضية جمعية خيرية)؛ إنما قضية شعبٍ وأمة تتطلّب فكراً وعملاً سياسياً في منتهى الدقة والحكمة، لديمومة الصراع لمواجهة التحديات التي تحيط بالكّرد وشكل توزيعهم وماترتّب على هذا التوزيع من مصاعب بخصوص الكُرد ووحدتهم وما أفرزه هذا الواقع من تعقيداتٍ بالنسبة لتعامل العالم الخارجي مع قضيتنا بشكلٍ أو بآخر، حرصاً على مصالحهم في المنطقة ومع تلك الدول التي ساعدتهم نتائج الحرب العالمية الأولى أن تكون كُردستان مقسّمة بينهم، بشكلها الحالي دون أي اعتبار لحقيقة وجود شعبٍ له وجوده التاريخي في المنطقة، منذ آلاف السنين.
كل هذا في ظلّ غياب الوعي السياسي الكُردي في حدّه الأدنى، للدخول إلى لعبة الأمم، والمطالبة بحقوقه من خلال ممثليه لدى دوائر صنع القرار، وكسب ولو بالحدّ الأدنى الاعتراف الدولي بأيّ نوعٍ من الحقوق الكُردية، بل بقي مطلبنا حلماً يراود الأجيال في أغانيهم؛ إلى أن جاءت ثورة أيلول بقيادة البارزاني الخالد، فجسّدت إرادة الشعب الكُردي في كُردستان العراق بشعاراتها الواقعية والسياسية؛ حينما طالبَ بالحكم الذاتي، والشراكة مع الشعب العراقي بعيداً عن الأحلام، وحقّق الإنجاز التاريخي في بيان 11 اذار عام 1970، كنقطة تحوّلٍ في مسار تاريخ القضية الكُردية، وحدّد من خلال تلك الاتفاقية حقيقة وهوية ووجود الشعب الكُردي، رغم ما أصابها من الانتكاسات التي لم تدم طويلاً، بتفجير ثورة كولان بقيادة الرئيس مسعود البارزاني وبالتحالف مع جميع القوى الكُردية في كُردستان العراق من استغلال حرب الخليج وتحقيق هذا المكسب القومي الكبير، من خلال التعامل مع الظروف المحيطة بهم بالحكمة والسياسة بعيداً عن الشعارات والأحلام الوردية التي نحن نعيشها ونقدّمها لأبناء شعبنا في سوريا ليعيش في غيبوبة الواقع بعيداً عن حقيقة وطبيعة نضالنا السياسي في سوريا الذي يتطلّب مزيداً من الواقعية السياسية في التعامل مع الحالة الوطنية التي هي تشكّل الاستراتيجية الحقيقية التي يجب أن نتمسّك بها كي لا نضيّع الفرصة على شعبنا، وكي لا نذهب بقضيتنا إلى المخاطر والعزلة والضياع.
الحركة الكُردية في سوريا تخاطر ببعض المصطلحات وتبعث برسائل سلبية إلى كلّ الشرائح السورية حينما تجهل حقوق الكُرد في سوريا، وتجعل من حقوق الكُرد في تركيا وإيران والعراق أولوية لها مجرد أمنيات، إنها طريقة تفكيرٍ سياسي خاطئ ومدمّر، علينا نحن الكُرد السوريين الالتزام ببرنامجنا السياسي الذي أقرّته مؤتمراتنا، وإنّ قضيتنا في سوريا ومطالبنا في سوريا كما هو مقرّر في برامج جميع الأحزاب، وبما أنّ قضيتنا داخل سوريا، علينا تمتين أواصر الصداقة والتحالف والشراكة مع السوريين ومع عناصر الثورة والمعارضة بغضّ النظر عن الاختلافات والتحديات ومواقف البعض، إذ لا يمكن أن نكسب المعركة بدون الأصدقاء والحلفاء وأية محاولة للقفز على هذا الواقع، وهذه الحقيقة كمن يتآمر على قضيته ومستقبل شعبه وحقوقه من حقنا أن نحلم، ولكن ليس من حقنا أن نضحّي بواقعنا وبوجودنا لأحلامنا .