أنقرة تراجع سياستها حيال سورية
عدنان بدرالدين
شهدت الأيام الأخيرة بوادر تقارب أمريكي- تركي حيال تطورات الأوضاع الدراماتيكية في سورية. أنقرة التي إنتهجت خطا متشددا يقوم على ضرورة الأطاحة بنظام الأسد كمدخل ضروري لحل الأزمة المستعصية في جوارها الجنوبي باتت تتكلم هذ الأيام بلهجة مختلفة، وهو ما تبدى بصورة واضحة في رد وزير الخارجية التركي – مولود شاويش أوغلو – على سؤال وجه إليه أثناء مؤتمر صحفي يتعلق بالهدف الأساسي لبرنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية التي تتشارك فيه أنقرة وواشطن عندما قال: “الهدف الأول والأخير بطبيعة الحال هو داعش” ، ولم يقل نظام الأسد، الجواب القطعي الذي كان السائل سيتلقاه من الوزير التركي إلى ما قبل أيام قليلة خلت.
إستراتيجية تركية جديدة
الموقع الألكتروني لصحيفة – ديلي صباح – المقربة من أوساط حزب العدالة والتنمية نقل عن مسؤول حكومي قوله أن أنقرة وضعت اللمسات الأخيرة على إستراتيجية جديدة حيال سورية تنص على التصدي ل”المجموعات الإرهابية” التي تثير الفوضى على حدود البلاد الجنوبية بما يحول دون تدفق موجات جديدة من اللاجئين الذي بات عددهم في تركيا الآن يقارب المليونين. وكان رئيس الوزراء المؤقت أحمد داوود أوغلو قد شخص مؤخرا كل من تنظيم داعش وحزب الإتحاد الديمقراطي والنظام السوري كأطراف مهددة للأمن القومي التركي مؤكدا على جهوزية البلاد لأي طارئ.
وتنص إستراتيجية أنقرة الجديدة في تفاصيلها، بحسب المصدر ذاته، على قصف مدفعي مباشر لمقاتلي داعش في حال تقدمهم أكثر في مناطق شمال حلب ذات الأهمية الإستراتيجية، على أن يتم ذلك بتنسيق مع قوات التحالف الدولي التي تقاتل التنظيم الإرهابي في سورية منذ شهور دون أن تحقق أي نجاح ذو أهمية إستراتيجية على الأرض، بإستثناء طرده من كوباني وتل أبيض على يد القوات الكردية . كما أن تركيا تبحث الآن مع واشنطن شروط إمكانية إستخدام قاعدة – إنجيرلك – العسكرية من جانب القوات الأمريكية لقصف مقاتلي داعش في سورية في إطار إسترتيجيتها الجديدة التي تقضي بكون داعش، وليس الأسد وحده، يشكل تهديدا للأمن القومي التركي. وهذا بحد ذاته يعد تطورا كبير في الموقف التركي ستكون له آثار إيجابية على علاقتها مع واشنطن التي شابتها الكثير من البرود خلال السنوات الخمس المنصرمة بسبب قراءتهما المختلفة لطبيعة الأزمة السورية وطرق تجاوزها. .إلى ذلك كتب الموقع أن جهاز الإستخبارات التركية أكد على صحة تسريبات إعلامية عن لقاء جمع بين ممثلين عن النظام الأسدي و قياديين عن داعش في معمل إنتاج الغاز في منطقة الشدادي القريبة من مدينة الحسكة في 28 أيار – مايو – المنصرم حيث أتفق فيه الطرفان على تنسيق جهودهما ضد العدو المشترك المتمثل بفصائل المعارضة المسلحة التي يعتبرها النظام “تنظيمات إرهابية”، في حين يرى فيها داعش العقبة الأساسية أمام قيام دولتها الإسلامية المزعومة. وبحسب – ديلي صباح – فإن هذا يعد دليلا آخرا على صوابية الإستراتيجية التركية الجديدة، وذلك لأن هزيمة داعش ستؤدي منطيقا إلى سقوط النظام أيضا.
التدخل التركي في كردستان الغربية غير وارد حاليا
“نحن نتبادل الرسائل مع حزب الإتحاد الديمقراطي. قنواتنا للحوار (معه) مفتوحة. علاقات تركيا مع (ب ي د) تعتمد على سلوكهم. تل أبيض هو إمتحان إختبار لهم”. هذه الكلمات تنقلها الكاتبة في صحيفة – حرييت ديلي نيوز – فيردا أوزر على لسان مسؤول تركي رفيع رفض الكشف عن هويته أكد في حواره الحصري معها أيضا بأن (ب ي د) قد يتحول في المستقبل إلى “لاعب عقلاني” في السياسة السورية إن هو رضخ للشروط التركية. وكان رئيس الوزراء التركي المؤقت – أحمد داوود أوغلو – قد صرح بأن بلاده لاتفكر في التدخل في المناطق الكردية في سورية، إلا إذا صدر من أنصار أوجلان الذين باتوا يسيطرون بمساعدة أمريكية على مناطق واسعة من “شمال سورية” يبلغ طولها مع تركيا 250 ميلا ما من شأنه أن يهدد الأمن القومي لبلاده. الصحافة التركية كانت كشفت مؤخرا عن خطة عسكرية لغزو مناطق كردستان الغربية بعمق ثلاثين كيلومترا من أجل ماقالت أنها ستكون بمثابة تدابير ضرورية لمنع قيام دولة كردية تابعة لجزب العمال الكردستاني في سورية. بيد أن الكثير من المراقبين يعتقدون أن نشر قوات تركية على حدود كردستان الغربية، ومارافق ذلك من (هوبرة) أعلامية صاخبة، هي بدوافع مرتبطة بتطورات الوضع الداخلي التركي، خاصة تللك المتعلقة منها بإنتخاب رئيس للبرلمان الجديد، وبالمشاورات الرامية إلى تشكيل حكومة جديدة بالتحالف مع حزب الشعب الجمهوري الكمالي أو حزب الحركة القومية التركية ذو التوجهات الفاشية، وذلك لأن حزب الشعوب الديمقراطية ذو التوجهات الكردية سيظل، على الأرجح، في المعارضة، كونه أعلن، وعلى لسان زعيمه – صلاح الدين ديميرتاش- بأنه لن يشارك أو يدعم أية حكومة يدخل في قوامها حزب العدالة والتنمية. والواقع أن التدخل التركي في كردستان الغربية، على الأقل في ظل الظروف الراهنة، هو أمر صعب للغاية. فالحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، أي أنها ذات صلاحيات محدودة ، تكمن مهمتها الأساسية في العمل على تشكيل حكومة إئتلافية جديدة، أو تنظيم إنتخابات برلمانية مبكرة في تشرين الثاني – نوفمبر – المقبل في حال فشل المفاوضات بين الأحزاب الفائزة في إنتخابات السابع من حزيرن – يونيو – في تشكيل الحكومة العتيدة . علاوة أن قيادة الجيش غير متحمسة لفكرة التدخل هذه، خاصة أن رئيس هيئة الأركان الحالي – نجدت أوزال – سيحال على التقاعد في آب – أغسطس المقبل، أي بعد شهر تقريبا، بالإضافة إلى الخوف من إرتدادات مثل هذا القرارعلى الإستقرار الداخلي وعلى مصير عملية السلام الكردية، وأخيرا وليس آخرا، تحفظ الولايات المتحدة على الخطة رغم أنها حرصت على ضمأنة تركيا سفيرها في أنقرة بأنها تراقب الأوضاع عن كثب، وأنها ملتزمة بوحدة الأراضي السورية ودعم تركيا في وجه كل مايهدد أمنها وإستقرارها.
خطر التدخل التركي ليس الخطر الوحيد التي تواجهه كردستان الغربية حاليا. فهناك خطر داعش الداهم الذي يهدد كردستان من أقصاها إلى أقصاها. وهناك المؤامرات والدسائس التي تحيكها أجهزة النظام الذي يتواجد بقوة في كافة مناطقنا وخاصة في قامشلو والحسكة أكبر مدينيتين في كردستان الغربية. كما أن هناك كارثة إستفراد الحركة الأوجلانية بمصير الشعب الكردي في سورية وإستخدامها ورقة لجني المكاسب الحزبية على حساب حقوق شعبنا الغير قابلة للتصرف، بالإضافة إلى النزيف البشري المروع الذي يهدد قضية وجود شعبنا من الأساس وغيرها أيضا كثير. المخيف حقا أن رد الفعل على كل هذه الأخطار هو من الضعف والهزالة لدرجة تدعو إلى القنوط. فإذا كان المجلس الوطني العتيد لايزال يعتقد، حتى بعد مؤتمره الأخير، أن بإمكانه بث الروح في إتفاقية دهوك التي ولدت بالأساس ميتة، أو أنه سينجح في إقناع الأوجلانيين بدخول بيشمركة روجآفا إلى الوطن عن طريق المزيد من “الحوار الأخوي” ، أو أن الفرج – ربما- سيأتي من السماء، هكذا بمعجزة ما، ليطيح بكل الأشرار، فهو واهم. ذلك لأن السماء لاتمطر ذهبا ولافضة كما قال الصحابي عمر بن الخطاب قبل مايزيد على أربعة عشر قرنا، ناهيك أن زمن المعجزات ولى دون رجعة منذ أمد بعيد.