قضايا سياسية (1)
عدنان بدرالدين
وهم – دهوك –
قبل مايقارب الأربعة أشهر أعربت عن موقفي الخاص مما كان يجري أنذاك في مدينة – دهوك- من مباحثات محمومة برعاية من قيادة أقليم كردستان بين المجلس الوطني الكردي ومجلس غرب كردستان بهدف التوصل إلى إتفاق يقضي بإقامة “مرجعية كردية” توحد طاقات الشعب الكردي في كردستان الغربية على الصعيدين السياسي والعسكري. يومها كتبت بأن العمل في هذا الإتجاه هو مضيعة للوقت والمال في ظل إختلال موازين القوى على الأرض لصالح الحركة الأوجلانية التي لاترى أي مبرر يدفعها لتقديم تنازلات مجانية لطرف سياسي ضعيف يعجز بحكم أزمته البنيوية من أن يشكل أي تحد حقيقي لها. الآن وبعد كل هذه المدة التي شهدت سلسلة طويلة من إجتماعات طويلة ومملة، ومناكفات وإتهامات متبادلة، لاأزال عند موقفي هذا.
بعض المغرقين في التفاؤل سيجادلون بالقول بأن هناك مايتم تنفيذه فعليا على الأرض، إذ أننا الآن نملك مرجعية سياسية ذات نظام داخلي مصادق عليه، وقرارات متخذة بتشكيل كل من لجنة مراجعة برنامج مايسمى ب:الإدارة الذاتية الديمقراطية” واللجنة العسكرية، وهذا صحيح. ولكن شتان بين القول والفعل، إذ أن تجربة الأعوام الثلاثة الماضية تكشف بجلاء عن أن الحركة الأوجلانية تعاملت دوما ببراغماتية وذكاء فائقين مع المطالب الجماهيرية الملحة من حيث أنها سارعت وبحماسة لافتة على الثوقيع على كل ما عرض عليها من إتفاقات ووثائق، عن طيب خاطر، طالما أن كل ذلك سيظل على الورق فقط. هكذا كانت الحال مع الهيئة الكردية العليا، ومع إتفاقيتي هولير، ومع غيرهما، وليس هناك مايشير إلى إخوتنا الأوجلانيين سيتصرفون هذه المرة بطريقة مغايرة .
أعود وأكرر: بدون إحداث تغييرحقيقي في موازيين القوى على الأرض في كردستان الغربية لن تكون المحاولات التوحيدية الجارية أكثر من تجميع آلي لقوى سياسية متهالكة في إطارتنظيمي تحت قيادة “الحزب الطليعي”، ولن يسفر هذا الجهد في أحسن الأحوال، هذا إذا قيض له أن يسفر عن أي شيئ ذو مغزى من الأساس، نقول لن يسفر عن أكثر من نسخة باهتة عن- الجبهة الوطنية التقدمية السورية – السيئة الصيت. أتمنى أن أكون مخطئا في جزمي هذا، ولكن “المكتوب” – كما يقال – “مبين من عنوانه”.
كانتوننا وكانتوناتكم
كردستان العراق بقيادتها السياسيه وأحزابها ومنظماتها الجماهيرية ومؤسساتها التعليمية والثقافية… بمختلف شرائحها الإجتماعية وإنتماءاتها القومية والدينية، وقفت بصلابة وحزم فائقين في وجه محاولات الحركة الأوجلانية إقامة كانتون شنكال أسوة بكانتونات – الجزيرة- و –كوباني- و-عفرين- في كردستان سورية.
الرفض العارم في الإقليم لهذه الخطوة مفهوم ومبرر لجهة أنها شكلت تجاوزا صارخا على الإرادة الشعبية لإرادة سكان شنكال ذاتها الذين أثبتوا مرارا عبر السنوات الثمانين الأخيرة على تمسكهم بالوحدة العضوية التي تربطهم بكردستان العراق سواء في سنوات الكفاح التحرري الكردي ضد الأنظمة العراقية المتعاقبة من أجل الحرية والإنعتاق، أو لجهة التصويت الكثيف لصالح أحزاب الإقليم الكردي، وخصوصا الحزب الديمقراطي الكردستاني، في كل الإنتخابات التي شهدها العراق “الجديد” خلال السنوات الإثنا عشر المنصرمة. الخطوة وصفت – بحق – بأنها تشكل إنتقاصا للحقوق القومية الكردية لجهة أن الأيديولوجية المؤسسة لفكرة الكانتون المثيرة للجدل تفتقر إلى أي بعد قومي ، وإن كان أصحابها يحاولون عبثا تسويقها من خلال الفكرة الغرائبية المسماة “الأمة الديمقراطية”، بحكم أن هذه الأخيرة هي بدعة سياسية بإمتياز.
وإذا كانت فكرة الكانتون سيئة لهذه الدرجة، وهي كذلك بالفعل، فلماذا يتعامل الإقليم الكردي إذن مع كانتونات كردستان الغربية؟ ولماذا دعا برلمان الإقليم بأغلبية أصوات أعضاءه إلى الإعتراف بها وتقديم الدعم لها؟ لابل أن بعض الأحزاب المهمة في كردستان العراق التي لن نسميها، لانها معروفة، تنحاز إلى جانب أصحاب الكانتونات ضد المعارضين لها، وهم الأغلبية الساحقة من سكان كردستان سورية؟
سؤال برسم القيادات المعنية في كردستان العراق.
تركيا: تململ في صفوف الحزب الحاكم
يبدو موخرا أن طموحات الرئيس التركي – رجب طيب أردوغان- الغير محدودة بأي سقف تقريبا باتت تحرك المياه الراكدة داخل صفوف حزب العدالة والتنميه الحاكم. بعض أقطاب السياسة التركية مثل الناطق بإسم الجكومة – بولند آرينج- ، والناطق بإسم الحزب الحاكم ووزير الداخلية السابق – بشير آتالاي – أشارا مواربة في تصريحات إلى الإعلام إلى معارضتهما لفكرة “الرئاسة القوية” التي لايخفي – أردوغان- نيته في إقامتها بعد الإنتخابات البرلمانية القادمة المزمع إجراءها في السابع من حزيران – يونيو – المقبل. وتتضمن فكرة مؤسس حزب العدالة والتنمية المثيرة للجدل، في بعض تفاصيلها، إلى إعادة رسم الخطوط الفاصلة بين السلطات التنفيذية والتشريعة والقضائية بما يضمن توسعا أقصى في صلاحيات الرئيس القادم على حساب السلطتين الأخريين،و إلغاء منصب رئاسة الوزراء، وتعيين نائب أول للرئيس يقوم بتنفيذ سياساته، وهو مايثير حفيظة الكثيرين داخل الحزب وفي مقدمتهم رئيس الوزراء – أحمد داوود أوغلو – الذي يرى في ذلك كله محاولة لتهميش دوره في الحياة السياسية التركية. وكانت مصادر إعلامية تركية مقربة من مراكذ صنع القرار في البلاد قد أشارت إلى إمتعاض – داوود أوغلو – من ترأس – أردوغان – لجلسة رئاسة الوزراء مؤخرا في سابقة هي الأولى من نوعها ولم يجرأ على القيام بها حتى مؤسس تركيا الحديثة – مصطفى كمال أتاتورك – نفسه، رغم توجهاته الدكتاتورية الواضحة. وهناك الآن حديث متزايد داخل أروقة السياسة التركية عن أن أوساطا، مإنفكت تتزايد مؤخرا داخل حزب – أردوغان –، باتت تجهر بخيبة أملها من سياسات هذا الأخير الذي يتعامل مع الحزب والحكومة بنمطق الشركة الخاصة.
هذا لايعني، بأي حال، أن أيام الرئيس التركي باتت معدودة، إذ أن كل إستطلاعات الرأي تشير إلى أن الحزب الحاكم سيفوز في الإنتخابات القادمة، وربما بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس ال 550 ، بما سيمكن – أردوغان – من تحقيق حلمه في أن يصبح “سلطان تركيا” الأوحد، وبصلاحيات وحقوق غير خاضعة تقريبا لأية مساءلة قانونية. نعم هذا قد يحدث بالفعل، لكن التململ ذاخل المؤسسة الحاكمة يشير إلى أن الخط البياني الصاعد لأردوغان وحزبه وسياساته باتت أخيرا تميل إلى الأسفل بوتائر سيتوقف تسارعها على مدى ظهور معارضة فعالة ذات برنامج واضح بمعالم ديمقراطية وتنموية واضحة هي، كما هو معلوم، غير موجودة حاليا.