آراء

إدارة PYD ” الى أين ؟

د. محمد جمعان

الأمن والأمان يعتبران أهم شروط الحياة في مجتمعٍ ما ، فبدونهما لا يستطيع الفرد أن يعيش ويتعايش داخل مجتمعه، بالإضافة إلى أنّ الشعور بالأمن يوفّر للمواطن الاطمئنان على رزقه ومستقبله . و هناك شرط آخر هام هو توفير المعيشة الطبيعية، أي توفير الحاجيات الضرورية للناس.. وكذلك حرص السلطات بتوفير ظروف الاستثمار و تشجيع رؤوس الأموال لبناء البلد الخ .

كلّ هذه المتطلبات الضرورية وأخرى كثيرة لا يسعنا هنا ذكرها ، هي اللبنات الجوهرية لبناء مجتمعٍ ما. مسؤولية تأمين هذه الضروريات تقع على عاتق السلطة القائمة في البلد.

ولكي نظهر الحالة التي تمرّ بها المناطق الكُردية في سوريا تحت سلطة وإدارة ما تسمّى ” الإدارة الذاتية ” لا بدّ من التطرق إلى بعض جوانب الحياة ،والتي تبيّن ،وللأسف الشديد أنّ مستقبل الشعب الكُردي في سوريا بخطرٌ :

في المناطق الكُردية في سوريا لم تستطع الإدارة القائمة أن تؤمّن أبسط مقومات الحياة الكريمة واللائقة للمواطنين .
فما سبب بقائها واستمراريتها سوى بفضل واستمرار نشاط داعش.

مع أنّ الحرب على داعش دمّرت مدناً مثل كوباني، وخسرت مناطق واسعة وشاسعة مثل عفرين وسرى كانييه و گرى سبي إلا أنها ربحت بقاءها في مناطق محاربة داعش ؛ وذلك لأنّ تلك المناطق هي مناطق الجبهة ضد داعش والتي أراد لها أمريكا أن تبقى هكذا صامدة ، دون الاهتمام بتوفر الشروط الأدنى لعوامل الاستقرار للمواطنين، وبالتالي دون بناء مؤسسات مجتمعية تلعب دورها في تفعيل المجتمع ككلٍّ.

بالإضافة إلى أنّ تلك الإدارة خلقت جواً من الخوف بين الأهل على أطفالهم ، حيث تخطفهم بشكلٍ شبه يومي لزجّهم بحروب ب ك ك و قسد ..

والمصيبة الجديدة القديمة والتي لا تستطيع الإدارة إدارتها بشكلٍ عقلاني ومتزن هي المعابر.

فمعبر طبقة مهدّدٌ بالإغلاق في ظلّ تداعيات تأهيل النظام ، وهذا يعني أنّ التجارة وتأمين مستلزمات الناس قد تنقطع مع النظام والمناطق الأخرى، إلا أنه يفتح المجال للتهريب للمستفيدين من هذا المعبر.

وأما عن معبر سيمالكا فحدّث ولا حرج ، هذا المعبر الذي يعتبر الشريان شبه الوحيد، حيث أنّ أكثر من 60% من واردات وصادرات والمساعدات التي تأتي من الخارج تمرّ من خلال هذا المعبر . لقد أغلق هذا المعبر لعدة مرات خلال السنين الأخيرة.

وقد أغلق المعبر هذه المرة بتاريخ 11.05.2023، بعد أن منعت الإدارة قيادات من ENKS و شخصيات وطنية أخرى من الذهاب إلى إقليم كُردستان، بدعوةٍ من الرئيس بارزاني لهم لحضور افتتاح متحف بارزاني الوطني. أي تستخدم ” الإدارة ” هذا المعبر لأهداف و مصالح ضد متطلبات الكُرد عموماً وبالتالي لاستخدامه للابتزاز السياسي.

والخطر الآخر والأكبر هو توجيه الشعب بسياسات وتوجيهات من ال ب ك ك الحزبوية المتطرفة والتي تعادي كلّ القيم والمبادئ الديموقراطية التي بني عليها المجتمع الكُردي من العادات والتقاليد العائلية والعشائرية والدينية والأخلاقية وكذلك محاربة أعلامه الموجه ضد الحركة التحررية الكُردستانية . وما حرق وإغلاق مكاتب الأحزاب الكُردية ومنع نشاطاتها السياسية إلا مثالاً حياً في هذا المجال.

والخطر الآخر الذي تعمل عليه هذه الإدارة هو محاربة الإعلام والإعلاميين الكُرد ذوي التوجه الحر والمخالف لسياسات الإدارة. فعلى سبيل المثال لا الحصر : سجن وتعذيب الكثير من الإعلاميين والصحفيين الكُرد بشكلٍ مستمر و ما إغلاق مكاتب قناة روداو الفضائية في قامشلو ومنعها من العمل في روج آڤاي كُردستان ، بالرغم من أنها تدعم سياساتها واستراتيجياتها حيث أنّ الكثير من إعلامييها المعروفين لهم تاريخ طويل في العمل مع إعلام ب ك ك.

والأمر الخطير الآخر و الذي يهدّد استقرار المواطنين هو أدلجة النظام الدراسي والذي كان يعاني الشعب الكُردي منه تحت ظلّ النظام البعثي . فاستبدل النظام الدراسي البعثي بنظام مستورد من أفكار اوجلان البعيدة عن الواقع ومطاليب الشعب الكُردي، مع العلم أنّ الأول( أي النظام الدراسي للنظام ..) كان مستواه العلمي جيداً و كانت شهاداته مقبولة من المؤسسات والجامعات الدولية، في حين أنّ النظام الدراسي للإدارة ليس مقبولاً من أحد سوى من الأكاديميات والجامعات التابعة لمنطق وفكر وتجارب كهوف قنديل.

كلّ هذه المشاكل والإخفاقات والسياسات المتهورة واللا مسؤولة تجعل حياة المواطنين والمنطقة في خطرٍ، وبالتالي لم تبقِ إلا هدفاً واحداً أمام الشباب الكُردي ،وهو الهجرة والهروب من هذا المجتمع المحاصر من كافة الجوانب . وما سياسة التجويع إلا سياسة قديمة جديدة لكي يشغلوا المواطن في البحث وتأمين لقمة العيش ، وعندما يصعب الحصول على هذه اللقمة فلا يبقى أمام المواطن الميؤوس إلا الهجرة إلى الخارج، وتبقى الفرصة الذهبية للمجموعات من الناس الفاسدين والمنافقين والمستفيدين لكي يكسبوا على حساب الباقين الآخرين من عامة الناس فهم ضحية للجوع والخوف و انعدام الرؤى .

فإلى أين تتجه هذه الإدارة اللا مسؤولة، بشعبنا ؟

الحقيقة الظاهرة تبيّن أنه مستقبل غامض ومخيف ، لأنّ شعبنا لم يحصل على شيء من أهدافه أو طموحاته مقابل خسائره البشرية والمادية و هو الآن يخسر مستقبله أيضاً أمام السياسات الرعناء التي تقودها هذه الإدارة و القائمين عليها .

والسؤال الأخير هنا : هل ممكن لهكذا إدارة أن تسيّر أمور شعبٍ ما ؟

و هل تستطيع تأمين الأمن و الأمان والحريات لشعبٍ مظلوم ؟

بهكذا توجه الذي يشوبه العنف ضد الكُرد الوطنيين والشرفاء ومنع الحريات و تجويع الناس وخلق البلبلة والمشاكل مع جميع الجيران ومن ضمنهم إقليم كُردستان، لن يعوّل على هكذا توجه أو سياسات ، ويظهر وبشكل جلي كلّ يومٍ أنه لمستقبلٌ قاتم وخطير للمنطقة تحت سلطة هذه الإدارة ، وبالأخص إنّ جميع المعابر تغلق ما حولها ،وهو بضغطٍ روسي ، لكي تهرول الإدارة وتستسلم كلياً للنظام دون أية مكاسب أو حقوق تذكر للشعب الكُردي في كُردستان سوريا.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “308”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى