السهل الممتنع في حوار حزب الاتحاد الديمقراطي PYD مع النظام السوري
فؤاد عليكو
قد يبدو للوهلة الأولى لدى الكثير من المتابعين للواقع السياسي السوري، بأنّ الحوار بين النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي(pyd) يدخل في خانة الحوارات السهلة بين طرفين لم يصطدما معاً منذ بداية الثورة وحتى اليوم ، كما أنّ pyd لا يطالب بإسقاط النظام أو تغييره أو تطبيق القرارات الدولية المعنية بالشأن السوري (2118 , 2254)، ولا يطالب بالإفراج عن المعتقَلين السياسيين في سجون النظام، ولا بانتهاج الديمقراطية الحقيقية في تشكيل البرلمان ومؤسسات الدولة، ولا بالعدالة الانتقالية بحقّ مَن ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانيه، ولايطالبون بمحاربة الفساد وتغيير هيكلية الأمن والجيش، ولا بدستورٍ جديد وهيئة حكمٍ انتقالي ؛ لأنّ هذه كلها مطالب المعارضة السورية، وفحوى القرارات الدولية التي يرفضها النظام بشدةٍ منذ عشر سنواتٍ وحتى اليومَ ، رغم حصول عددٍ كبير من جولات التفاوض منذ 2014 وتعاقب أربعة مبعوثين دوليين مشرفين على عملية التفاوض تلك.
إذاً السؤال :لماذا يتهرّب النظام من التفاوض مع p y d ، طالما لم يطالبها بكلّّ هذه المطالب؟. خاصةً وأنّ حزب الاتحاد الديمقراطي لم يطرح نفسه يوماً كحزبٍ معارض للنظام، وكان يكرّر دوماً بأنهم ليسوا مع المعارضة ولا مع النظام، علماً أنّ التنسيق والتعاون الأمني كانا قائمين بين الطرفين ، منذ بداية الثورة إلى أن تمّ دخول الأمريكيين على الخط في نهاية 2014 ، أي أثناء هجوم داعش على كوباني، حينها فترت العلاقة بينهما، لكنها لم تنقطع، كما أنّ حصول بعض الحوادث العرضية بينهما في قامشلو والحسكة والشيخ مقصود لم يؤدِّ إلى توتير العلاقات بينهما، و لم يؤدّ إلى القطيعة، حيث كانت تتمّ معالجتها بطرقٍ ودية دائماً أو عبر الروس، ولازالت العلاقات والتنسيق بينهما قوياً في حلب والشهباء، وكذلك في المربعات الأمنية في قامشلو والحسكة.
كلّ هذه المقدمات مشجعة للنظام للدخول في حوارٍ جدّي مع PYD ومجلس سوريا الديمقراطي، خاصةً وأنها تحتفظ بمساحةٍ تقارب 30% من مساحة سوريا، وتمتلك ثرواتٍ نفطية وغذائية لايُستغنى عنها سورياً، كما تمتلك قوة عسكرية لايُستهان بها ، ولدى PYD الاستعداد لضمّه إلى جيش النظام إذا ما حصل الاتفاق.
الحقيقة، الجواب يكمن في نقطتين أساسيتين:
الأولى: ما يطرحه pyd دائماً في بياناته بأنه يجب أن تكون هناك خصوصية لهذه المناطق، وأنّ ما هو حاصل على الأرض يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، ولا يمكن العودة إلى ما قبل 2011.
هذا يعني أن يكون هناك خصوصية إدارية وخصوصية عسكرية وثقافية واقتصادية، وهذا ما يفسّر عملياً أننا أمام نظام حكم لامركزي قريبٍ من الفدرالية، إن لم يكن فدرالياً، كما أنّ الخصوصية الثقافية تعني الاعتراف بالوجود القومي الكُردي والسرياني ،وحقهما في ممارسة حقوقهما الثقافية، ويتطلّب هذا تغييراً في الدستور ، وتغييراً في شكل نظام الحكم ، وهو مطلب مشروع بالمطلق، وهذا ما يرفضه النظام بشكلٍ قطعي ؛ ولايقبل النقاش فيه، حيث أقصى ما يعمل عليه النظام في حواره هو تطبيق قانون الإدارة المحلية لديه وتسليم امتيازاتها ل PYD في هذه المرحلة، وكأنّ شيئاً لم يكن ، (وقد بدا واضحاً في خطاب بشار الأسد الأخير حيث حصر اللامركزية بقانون الإدارة المحلية)، وهذا ما لا يقبله PYD بعد كلّ هذه التضحيات الجسام.
السبب الثاني : هو شعور النظام بأنه انتصر في الحرب ، والعمل جارٍ لتأهيله عربياً ودولياً، ومسألة قبوله في المجتمع الدولي باتت قريبةً ، وبأقلّ التنازلات الممكنة، وبالتالي لم يعد بحاجةٍ إلى اتفاقاتٍ مناطقية جزئية، كما يدرك بأنّ أيّ حلٍّ مرتقب يتطلّب إعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا، وهذا يعني بدايةً العودة مع تركيا إلى تفعيل اتفاقية أضنة 1998 بخصوص حزب العمال الكُرستاني pkk، وعليه فإنّ أيّ تفاهمٍ مع PYD حالياً قد يعقّد التفاهم مع تركيا مستقبلاً، وهي تدرك أنّ لتركيا دوراً أساسياً في أيّ حلٍّ سياسي مستقبلاً، لما تملكه تركيا من حدودٍ جغرافية طويلة مع سوريا، وكذلك تأثيرها القوي على المعارضة السورية، لذلك يحاول النظام التعامل مع PYD كجسمٍ وظيفي لمرحلةٍ مؤقتة خاضعة للظروف التي يمرّ بها النظام، واستثمارها كورقة ضغطٍ على تركيا لتقديمها تنازلاتٍ مشجعة لها في عملية السلام النهائي.
لذلك أرى أنّ الخيار الأنسب ل pyd هو التوجّه إلى الطرف الآخر من المعادلة ،أي الانتقال إلى صف المعارضة لأنها تملك مرونة أكثر من النظام في التعامل مع الدولة اللامركزية والحقوق الكُردية، ونقطة البدء في ذلك هي في التفاهم مع المجلس الوطني الكُردي، خاصةً وأنّ الرؤية السياسية المشتركة قد تمّ الاتفاق عليها منذ أكثر من عامٍ ، وعليها التعامل بمرونةٍ مع المجلس في القضايا الخلافية الأخرى، كما على pkk أن يتخلى عن وصايته على pyd، لأنّ من شأن ذلك إفساح المجال أمامه في التعامل مع المعارضة والمجتمع الدولي وحتى مع تركيا بأريحية، خاصةً وأنّ لدى كوادر pyd السوريين تجربة ثرية في العمل السياسي، وبإمكانهم إدارة العمل السياسي بجدارةٍ دون الحاجة إلى كوادر من قنديل أو تركيا أو إيران ، الذين لا يعرفون طبيعة العلاقات السورية أكثر من السوريين أنفسهم ، وكما يقول المثل
(أهل مكة أدرى بشعابها).
وإذا ما تحقّق ذلك فإنّ فرص تحقيق نظام اللامركزية السياسية وخصوصية المناطق وحقوق القوميات الأخرى تكون أكبر، خاصةً إذا لاحظنا أنّ الكثير من أصوات المعارضة ترتفع مؤخراً بهذا الاتجاه، وآخرها بيان عشائر حوران في 7/8/2021.
نأمل أن يدرك PYD خطورة المرحلة من جهة، واهميتها من جهةٍ أخرى، ولايمكن تجاوز الخطورة وتحقيق نتائج إيجابية الا بوحدة الموقف الكُردي.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 289