حوار مع الباحث مازن حداد
الأستاذ مازن حداد سوري الإنتماء اختلط مع غالبية مكونات المجتمع السوري ، جمعتنا لقاءات عديدة حول سوريا وآفاق مستقبلها ، وكنت قد قرأت بحثه كووجهة نظر عن نوروز قبل تعارفنا بعدة سنين ، وناقشت افكارا منها في كتابي ( ملامح ميثولوحية ) وما كنت أتوقع بأنه هو بذاته ، الى أن جمعتنا احتفالية بعيد نوروز أقامته لقاء السبت السوري بدبي بعيد وكنا ثلاثة متكلمين : مازن حداد في عرضه لوجهة نظره ، والأستاذ حسان عزت قصيدته ( لي صديق من كوردستان ) وأنا عن نوروز كإرث لوعي ميثولوجي.. والآن لتسمحوا لنا بأن نرحب بإسم هيئة تحرير الجريدة المركزية لحزب يكيتي ومتابعيها بالصديق والباحث مازن حداد وسنبدأ بالسؤال الأول :
-أستاذ مازن: أنت من مواليد الساحل السوري، استقريتم كأسرة لفترة طويلة وبتجانس في حلب بمحيط كُردي؟ أيمكن القول بأنها من الأسباب التي دفعتك للبحث في أهم موضوعة إرثية التي تكاد أن تكون ملف – دي إن إي – للقضية القومية الكُردية والكُردستانية؟
جواب السؤال الأول: فقط للتصحيح.. أنا من مواليد حلب عشت فيها ردحاً وبعيداً عنها ردحين من الزمن.. ما دفعني لهذا البحث هو تعبير رمزي عن امتناني ووفائي للكُرد الذين عشت معهم في حلب.. وزرتهم واحتفلت معهم في عفرين وكوباني وقامشلو وعامودا ودمشق وريف اللاذقية.. كانوا أما قريباً لي أو مدرساً لي أقتدي به أو زميل مقعد دراسة أو جاراً أو بائعاً أو شريك عمل (صيغة المذكر هنا تشمل الجنسين).. وفاء لذكرياتنا معاً في سوريا التي عرفناها يوماً بحالة أفضل مما هي الآن.
-السؤال الثاني: قلتم في متن البحث بأن مهنة الحدادة لوالدكم، ومهنة أو صفة كاوا، حفزتكم أكثر للخوض في هذا المبحث؟ ماهي أهم التقاطعات وأوجه المقارنة التي وصلتم إليها؟ خاصة وأنكم اعتمدتم/اتخذتم هذه المهنة كصناعة تحويلية لا للمادة وحدها وإنما نمط الحياة البشرية والطبيعة؟
جواب السؤال الثاني: فعلاً كنيتي تدل على مهنة العائلة وتمتد إلى الجدود.. وهي من المهن النبيلة التي تحول مواد الطبيعة الأولية إلى معظم الأدوات التي استخدمها الإنسان في حياته.. الحداد هو عنصر أساسي من أي تجمع بشري منذ العصر الحديدي إلى العصر الصناعي.. مطرقة الحداد هي رمز لإعادة التوازن بين الخير والشر في العديد من ميتولوجيا الشعوب.. مثل مطرقة ثور في الميتولوجيا النوردية.. حتى العصر الحديث استخدمت كرمز للعمال والكادحين.. حتى في تفسير الأحلام تدل على الخير والشفاء وتجدد الأمل ولو استعرضنا التاريخ القصصي والروائي العالمي نجد أن شخصية الحداد في أي قصة أو رواية تدل على النبل والشهامة واحقاق العدل.. وما هي إلا تقمصات لشخصية كاوا الذي حارب الظلم ولم يرضه لنفسه أو لغيره.. هو الخير والعدل مقابل الشر والظلم، لقد اكتسبت هذه الشخصية بعداً إنسانياً تجاوز الحدود والقوميات والأديان.
السؤال الثالث: بصراحة وكمتابع ومهتم جداً بالتاريخ والإرث الكُردي والعالمي، هالني تلك الطاقة البحثية/التجميعية من جهة، والمقاربات اللغوية حتى استقلابات الحروف وتحولاتها والتي – بالفعل – تجانست تماماً ما أحببتم تفسيره؟ الأمثلة والمقاربات تشي بإتقانك المحترف للغة الكُردية؟
جواب السؤال الثالث: لا أدعي اتقانها مع أنني شغف بها.. من المؤكد أن لدي بعض المعرفة باللغة الكُردية وكانت نتيجة لحافزين.. حافز عاطفي لحبي لأهلها.. وحافز عقلي لاهتمامي بدراسات لغوية مقارنة لمنطقة سوريا وما بين النهرين (ميزوبوتاميا) وإسهامها في الحضارة الإنسانية وهي الدراسة القادمة التي كنت أعد لنشرها قبل النوروز وقبل أكيتو (رأس السنة الآشورية).. أتمنى أن أستطيع إكمالها ونشرها وأعدكم بنسخة عنها.
السؤال الرابع: ما يراه بعضهم غياب الربط بين التحولات المجتمعية من نمط إلى آخر وحتى التشارك مثل الرعوي/الزراعي وصولاً إلى اكتشاف النار واستخدام المعدن، مع أنكم أشرتم لنوروز كاليوم الأول من السنة الجديدة، ألا توحي تلك الإيماءات بانتمائية إرثية وبخاصية صريحة لميزوبوتاميا؟
كما أشرت في بحثي فإن النوروز كمناسبة تختص بها القومية الكُردية قد تجاوزت هذه الخاصية إلى البعد الإنساني.. وهذا يعكس رأياً لي بأن الجماعات البشرية يجمعها الخير (الاقتصاد) فتزدهر ويفرقها الشر (التعصب الديني والعرقي والسياسي) فتندثر، ميزوبوتاميا هي مثال واضح لهذا الرأي.. فهي عبر التاريخ كانت ممالك متجاورة ومتعددة تزدهر فيها الثقافة واللغة نتيجة للرفاهية الاقتصادية الناتجة عن تبادل اقتصادي ومصالح مشتركة.. حتى أن الآراميين انتشرت لغتهم مع أنهم من الجماعات الصغيرة نسبياً في المنطقة وطغت على كل المنطقة بالتجارة والتبادل الاقتصادي ولسهولتها وقدرة استيعابها للمفردات الجديدة.. نشبهها الآن باللغة الانكليزية لغة الأعمال التي أصبح يتقنها بجانب لغته الأصلية 60% من سكان العالم.. يساهمون جميعاً في هذا الإرث الإنساني بوجود وسيلة تواصل وهي الانترنت.. كبديل عن التبادل الاقتصادي قديماً. عندما تقول إنك تنتمي لارث ميزوبوتاميا يعني إنك منفتح على الإرث الإنساني.. هذا ما فتئنا نناضل في سبيل نشره بين المتعصبين من العرب والترك والكُرد والأرمن وغيرهم ممن تشارك هذه البقعة الجميلة من العالم.
السؤال الخامس: متلازمة ال – ديو – الحيوان الخرافي – المتعدد الرؤوس والملك الظالم والبطل الأسطوري والنار وبتلخيص شديد خيوط ترابطها بجدلية الصراع والتوافق أو الوحدة، والأهم ظهورها المتعدد الأشكال! ماذا تقولون في ذلك؟
جواب السؤال الخامس: قلت سابقاً أن تكرار هذه المتلازمة في عدة ثقافات ماهي إلا تقمصات لنفس القصة الأصلية.. قصة النوروز.. وبهذا الغنى الإنساني هي تعبير عن رغبة الإنسان الأزلية في غلبة الخير على الشر.. صراعه الداخلي بين الأنا العليا والدنيا.. أنا أراها بهذه البساطة ولا أدعي المعرفة بعلم النفس ولا الفلسفة. أنا إنسان أنتمي جغرافياً إلى سوريا بكل مكوناتها.. بما يجعل انتمائي الإنساني أغنى مع تجاوز العالم معرفياً وعلمياً للحدود الجغرافية.
السؤال الاخير: هل من كلمة في خاصية نوروز توجهونها للشعب الكُردي؟
جواب السؤال الأخير: أتمنى للشعب الكُردي خصوصاً ولادة جديدة بالنوروز توحدهم وتجدد غنى إسهامهم في الإرث الإنساني.. وعموماً لكل العالم أن يعيش هذه الحالة الإنسانية ويتعافى مما هو فيه واتطلع إلى يوم عالمي للاحتفال بنوروز.. يوم يتخلص فيه العالم من شروره.
كل الشكر والتقدير للصديق العزيز مازن حداد وكل نوروز وشعوب العالم في أمن وأمان وسلام.
الحوار منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٢”