عرض أمريكي لـ”حلّ الأزمة” السورية… هل يرضخ الأسد وداعموه؟
أمين العاصي
لم يحدّد مسؤول أميركي كبير ماهيّة عرضٍ قدمته بلاده لرئيس النظام السوري بشار الأسد لـ”الخروج من الأزمة” في سوريا، في أحدث تحرّكٍ أمريكي من أجل إعادة الحياة للعملية السياسية المتوقّفة بسبب رفض النظام تسهيل مهام الأمم المتحدة. ولكن من الواضح أنّ واشنطن تعوّل على انهيار الليرة السورية وتردي الحالة المعيشية لعموم السوريين، في دفع النظام وداعميه إلى إبداء مرونةٍ يمكن أن تؤدّي إلى حلٍّ سياسي قبل أن تغرق سوريا في فوضى عارمة نتيجة تطبيق قانون “قيصر” الذي يفرض عقوباتٍ صارمة على النظام و مسانديه.
وقال المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري، في وقتٍ متأخّر من الأحد ــ الإثنين، إنّ بلاده قدّمت للرئيس السوري بشار الأسد طريقة للخروج من هذه الأزمة، مضيفاً في تصريحاتٍ صحافية، أنه “إذا كان مهتماً بشعبه فسيقبل العرض”. ولم يتحدّث جيفري عن ماهية هذا العرض وهل هو متعلّق بانهيار الليرة السورية وتردّي الوضع المعيشي أم أنه يتعلّق بحلّ للأزمة السورية برمّتها، حيث لا يزال النظام يرفض تسهيل مهمة الأمم المتحدة في إيجاد حلٍّ سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وخاصةً القرار 2254 المستند إلى بيان جنيف1 الصادر في عام 2012، والذي يدعو إلى انتقالٍ سياسي في البلاد ويرفضه النظام حتى اللحظة.
وعزا المسؤول الأمريكي انهيار قيمة العملة السورية إلى الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة، وكشف أنّ بلاده قدّمت لرئيس النظام بشار الأسد عرضاً للخروج من هذه الأزمة. وقال جيفري في تصريحات، إنّ انهيار الليرة السورية “دليل على أنّ روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على تعويم النظام”، مضيفاً أنّ النظام “لم يعد بدوره قادراً على تبييض الأموال في المصارف اللبنانية التي تعاني هي أيضاً من أزمة”.
وأضاف المبعوث الأمريكي أنّ واشنطن تريد أن ترى عمليةً سياسية ومن الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام، فهي تطالبه بتغيير سلوكه وعدم تأمين مأوى “للمنظمات الإرهابية”، وعدم تأمين قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة.
واعتبر جيفري أنّ العقوبات المشمولة بقانون “حماية المدنيين السوريين” – المعروف بقانون قيصر – ستطال أيّ نشاطٍ اقتصادي بشكلٍ تلقائي، وكذلك أيّ تعاملٍ مع النظام الإيراني.
ويدخل قانون “قيصر”، الذي صادّق الكونغرس الأمريكي عليه في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيّز التطبيق بعد أيامٍ ، في “خطوة مهمّة لتعزيز المحاسبة عن الفظائع التي ارتكبها النظام، ويقدّم للولايات المتحدة أداة للمساعدة في وضع حدٍّّ للصراع الرهيب والمستمرّ في سورية”، وفق وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
ويشمل القانون في مرحلته الأولى سلسلة عقوباتٍ اقتصادية ضدّ النظام وحلفائه والشركات والأفراد المرتبطين به، حيث من المتوقّع أن يؤدّي إلى شلّ الاقتصاد السوري المتهالك أصلاً، نتيجة الحرب التي شنّها النظام على معارضيه منذ عام 2011، والعقوبات التي يفرضها المجتمع الدولي على النظام نتيجة تماديه في قتل وتهجير السوريين.
وقبيل تطبيق القانون بأيام، انهارت الليرة السورية بشكلٍ دراماتيكي إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، ما فجّر سلسلة مظاهرات احتجاج على تردّي الحالة المعيشية وغلاء الأسعار في كلّ أنحاء سورية، سواءً تلك الخاضعة للنظام أم لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، أو لفصائل المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام”. ومن الواضح أنّ واشنطن تعوّل على هذا القانون في دفع النظام وداعميه الروس والإيرانيين للرضوخ وتقديم تنازلاتٍ سياسية على طاولة التفاوض الأممي في مدينة جنيف، وخاصةً على صعيد تسهيل مهمة اللجنة الدستورية المناط بها وضع دستورٍ جديد للبلاد. ومن المرجح أن يضغط الجانب الروسي بشكلٍ كبير على النظام قبل أن تغرق البلاد في موجة احتجاجاتٍ كبرى ربما تطاول العاصمة السورية دمشق، التي يرزح قاطنوها تحت وطأة الفقر وارتفاع الأسعار الجنوبي وبدء اختفاء سلع أساسية وأدوية للأمراض المزمنة.
تصريحات دبلوماسية
ويرى يحيى العريضي، عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، أنٍ تصريحات المسؤول الأمريكي “دبلوماسية بامتياز”، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ الدعوة الأمريكية إلى العملية السياسية في سوريا “تعني عملياً القضاء على النظام، لأنها تؤدّي إلى انتقالٍ سياسي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي”. وأشار العريضي إلى أنّ الإدارة الأمريكية “منحت النظام ستة أشهر قبل تفعيل قانون قيصر ليغيّر هذا النظام سلوكه، ولكنه لم يفعل”، مضيفاً أنه “بدأت مفاعيل القانون بالظهور قبيل تنفيذه من خلال انهيار العملة السورية بشكلٍ متسارع”.
ورجّح العريضي أن يكون العرض الأمريكي الذي قُدم للأسد يتضمّن الالتزام بالدخول في عمليةٍ سياسية، والإفراج عن المعتقلين، والسماح بدخول لجان دولية إلى سوريا، وخاصةً إلى المعتقلات، وملاحقة مرتكبي الجرائم، وعدم استخدام الأسلحة المحرّمة دوليا.
كما أعرب عن اعتقاده بأنّ الجانب الروسي “فشل سياسياً في سورية”. وأضاف أنّ روسيا “تتصرّف في سوريا تصرٍف الدولة المنتدبة محاولة وضع يدها على كلّ مقدرات سورية، في مخالفةٍ واضحة للقانون الدولي، وهو ما سيتيح لنا مستقبلاً مراجعة كلّ الاتفاقيات التي وقّعتها موسكو مع النظام كون الأخير بلا شرعية”.
وفي السياق، قلل عضو آخر من أعضاء هيئة التفاوض عن أهمية تصريحات المسؤول الأمريكي . وأشار إبراهيم الجباوي، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إلى أنّ تصريحات جيمس جيفري “تأتي في سياق تصريحات أمريكية متلاحقة منذ بداية الثورة السورية لم تؤدِّ إلى حماية السوريين من بطش النظام”.
وأعرب الجباوي عن اعتقاده بأنّ تأكيد جيفري أنّ العملية السياسية “من الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام”، يتضمّن “عرضا مغريا”. وأضاف في هذا السياق: “وكأن واشنطن تسمح للنظام بالبطش بكلّ الأسلحة ما عدا الأسلحة المحرّمة دولياً. لو أرادت الولايات المتحدة الأمريكية حماية المدنيين لفعلت ذلك بعد استخدام النظام للسلاح الكيميائي في عام 2013، ولكنها انتزعت أداة الجريمة (السلاح الكيميائي) وأبقت المجرم طليقاً”.