آراء

الإعلام العربي يتحمل الجزء الأكبر( الإعلام العربي وأغلاطه )

محمد رمضان
بلا ريبٍ حقبة الترهّل والكهولة التي وصلت إليها الإمبراطورية العثمانية بغضّ النظر عن الأسباب ، تؤرّخ مرحلة تبلوّر النزعة القومية والنفور من الأيديولوجية الجامعة وفوق القومية في منطقة الشرق الأوسط والتي كانت سبباً مباشراً في انهيار تلك الإمبراطورية التي شُهِد لها بالعدالة والتعايش في بعض مراحل نشؤئها ،وعلي هذه الحال باتت النخب بمختلف صنوف مسمياتهم تصبّ جلّ اهتمامها وتفكيرها ورؤاها في خدمة تدشين حقبة فارقة في تاريخ المنطقة ، وسعت جاهدة بعنفوان الرغبة الجامحة لإثبات وتحقيق الذات بالأيدبولوجية ذات اللون والبعد الأحادي ألا وهي الدولة القومية بالحدود الجغرافية الحصينة والسيادة القومية الطاغية باللون الواحد.
بلا شك كان لا بدّ لهم البحث عن السبل والوسائل النضالية الكفيلة بتحقيق هذا الحلم ، حتى لو تطلّب الأمر الضرب بتحطيم كلّ القيم الأخلاقية والإنسانية المثلى على صخرة حدود الدولة القومية الناشئة ،ومضى قطارهم صارخاً صاخباً بالملاحم والبطولات على سكة الترويج وأدلجة المفاهيم المستحدثة ، وكان لا بدّ من خوض غمار المقاربات المضنية بين المستحدث والفلسفات التربوية المسبقة للمجتمعات ،وتمّ ذلك التنظير وإسقاط التعريفات المحدثة للمفاهيم بكلّ الطرق الممكنة بما فيها المغالطة، فإنتاج المغالطة يرافق توجساً وخيفة من التصادم مع الفلسفات المتوارثة والراسخة في الضمير الجمعي، والممزوجة بالعادات والتقاليد والقداسة العقائدية الدينية.
ما يهمنا في هذا السياق انتهاج المغالطة بغية التسويق الأيديولوجي بغية تسليط الضوء على المخرجات وانعكاساتها على المنطقة والتي باتت جلية في المرحلة الراهنة من مراحل التطور الفكري والسياسي للمنطقة برمتها ، كون هذه الممارسة السلوكية الخالية من المحتوى الأخلاقي لا يمكن البتة أن تصبح فضيلة يوماً ما ، بطبيعة الحال اتخذنا المغالطة كمفردة جامعه لكافه ممارسات الرذيلة التي انتهجتها النخب في سبيل إحداث تغيير جذري في المنطقة ، فالمغالطة دفعت المنطقة برمتها وبكافة مكوناتها العرقية والدينية إلى نفقٍ مظلم طافح بكلّ السلوكيات القميئة ، كالإقصاء والإلغاء والتهميش والتمييز على الخلفية العرقية والدينية والمذهبية ، فوصلت إلى درجة انتهاج الكذب والتدليس والفذلكة و الذريعة من أجل إثبات إقصاء الأخر أو إنكار حقوقه أو انتمائه ، حتى أمسى الكذب ضرورة أيديولوجية وفكرية ، والعنصرية القومية صفة وسلوك يدعو للفخر والاعتزاز، والأنكى من كلِّ ذلك لم تعكف أية نخبة لامتطاء هذه الموجه العارمة التي اجتاحت المنطقة ،وتمرّس الجميع خلف حدودهم الجغرافية كذلك ضمن حدودها القومية الأيديولوجية، بينما الحراك الثقافي الذي يجسّد القيم الأخلاقية للمجتمعات الإنسانية أصبح جسماً صلباً صمّا من الأفكار أحادية البعد والتفسير والمغزى ، مما أعطى الإبادة والتخوين ومحاكمة النوايا صفة المشروعية ، وبالتالي التصفية أنجع وسيلة مشروعة أيدولوجياً لكلّ من تسول له نفسه المطالبة بحقوقه القومية أو الدينية وحتى الفكرية السياسية ، وبالمناسبة لم تسلم المبادىء السماوية السمحاء من التحريف و التوظيف بالاتجاه المعاكس للقيم الأخلاقية المثلى ، حتى باتت الفتوى الدينية سيفاً في أوج سلاطته ولمعانه بيد الأنظمة الحاكمة وبمساعدة وتهليل النخب.
وقد تمّ ذلك في عهد نظام البعث في العراق بحق ’’القومية الكردية ’’ وارتكبوا بحقهم الجريمة المشهورة تحت مسمى الأنفال علماً أنّ النظام السياسي كان يتّخذ تفسيرات وتعريفات نظريات الفلسفة الماركسية شعاراً في كافة مناحي الحياة وفي مؤسسات الدولة ، وتمّ أيضاً بحق الكرد في إيران بتهمة الإلحاد والعلمانية والتطاول على مقدسات الدولة علماً بأنّ النظام الإيراني عبارة عن دولة قومية في أبشع صورها العنصرية.
وحصل كل ما ورد بمباركة النخب الدينية من أجل استغلال المشاعر الدينية في سبيل أهداف عنصرية قومية ،وما دامت النخب الدينية لم تتمكن من تمثيل مبادئها بصورة تليق بالقداسة الإلهية ، كيف لنا معاتبة باقي النخب التي لم تجد حرجاً في الافتخار والاعتزاز بالقوة والحظوة والعزوة التي تمتاز بها بني جلدتهم بالمفهوم القومي البحت لا بل وصلت الجرائم بحقّ المختلفين عرقياً وأثنياً مقام الإنجازات.
ما يعني أنّ النخب هي التي خلقت مناخاً ملائماً لنشر الأفكار الظلامية ،كالحقد والضغينة والتحامل والعنصرية ونشر حالة فقدان الثقة والشكّ بين كافة الاختلافات ،ويمكننا الجزم بأنّ مفاهيم التعايش و التآخي والتكامل اختفت تماماً من المنطقة قرابة خمسة عقود ،عدا بعض المحاولات الفردية الخجولة والبائسة التي كانت تدعو إلى الحرية الفكرية لإعادة النظر في التنمية من منظور التعددية ودور الحريات العامة والعدالة الاجتماعية في تحقيق الرفاهية والرخاء المجتمعي ، وبكلّ أسفٍ لم يكن هذا الأمر نابعاً من الضمير الإنساني البحت إنّما كانت نتاج مظاهر الفساد التي كست الأنظمة السياسية الحاكمة ووصلت إلى حدٍ لا يطاق.
وخلاصة ما ورد آنفاً المنطقة الجغرافية التي تغرق في الدماء والصراعات الطائفية والعرقية والدينية نتيجة طبيعة لسلوكيات النخبة التي غيّبت العقل والاحترام والاعتراف بالأخر طيلة العقود الماضية من تاريخ المنطقة وهنا يكمن دور الإعلام الحيادي أقصد بذلك الإعلام العربي في تقريب وجهات النظر بين أبناء الوطن الواحد والوقوف على الثوابت التاريخية والجغرافية لمكوّنات المنطقة خاصةً في كلٍ من سوريا والعراق.
 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي يكيتي ميديا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى