آراء

حلب والصراع الإقليمي والدولي

عبدالعزيز مشو
تعتبر حلب ذات موقع جغرافي متميز في سوريا فهي تتوسط بين الشرق والغرب والشمال والجنوب وذات بعد استراتيجي اقتصادي زراعية مهم للغاية لما تحويه من ثروات مالية هائلة جداً إضافة لعدد ضخم من المعامل والمصانع الزراعية والصناعية المختلفة وذات ثقل حضاري متعدد . وتحوي على خليط متجانس من الطوائف والقوميات منها العرب والكورد والآشور والأرمن وغيرهم آخرين الذين تأقلموا معاً في حياة مشتركة عبر تاريخها الطويل لتكون بذلك محطّ أطماع الجميع وعلى مدى مختلف العصور لتبقى حلب المدينة الجميلة واحة لخيال المفكرين والمبدعين الذين حاولوا مراراً إبراز الوجه الحقيقي لهذه المدينة المهمة حتى عندما بدأت الثورة في سوريا والتي شهدت انتفاضة شاملة في وجه سلطات الظلم والفساد وسياسة الاستبداد في سوريا في معظم مدنها إلا أن النظام السوري أستطاع من فرض طوق أمني كثيف عليها وجعلها خارجة عن نطاق الثورة خلال العام الأول خصوصاً وذلك لما تتمتع بها حلب من تأثير سلبي على الاقتصاد السوري الممول الرئيسي لآلة الحرب السورية لكن صرخات الضمير وأصوات الثائرين كانت أعلى بكثير من أصوات المدافع وهدير الطيران عندما كانت شاهداً على انتهاكات القوة الأمنية لتنتفض حلب أخيراً في وجه النظام وتتحول لساحة تصفية بين القوى المتصارعة هناك وخصوصاً الدولية التي سعت منذ البداية لفرض سيطرتها عليها وعبر أطراف موالية تتآمر وتقاتل وتخضع لقراراتها المباشرة لتشهد هذه المدينة صراعاً مريراً انتقلت فيها السيطرة الميدانية لأكثر من طرف في أوقات مختلفة عبر السنين الماضية لكن دون أن نشهد السيطرة المطلقة لأطراف بعينها وإن كان الترجيح على حساب الشعب المغلوب على أمره في الغالب حتى شهدنا التدخل الروسي المباشر بسوريا والتي غيرت كثيراً من مجريات الأحداث لصالح النظام والمحور الموال له لتجعل من حلب هدفا لضرباتها الجوية التي لم تكن أبداً وبالاتفاق والتعاون المباشر مع النظام السوري أحياناً وبالتنفيذ المباشر من القادة الروس وضد أهداف ومواقع المواليين للمحور الأمريكي والذين بدورهم حاولوا مراراً وتكراراً تثبيت وترسيخ موقع مهم لهم في المدينة المهمة والاستراتيجية لتشهد بذلك حلب صراعاً دمويا مريراً وسط تضارب المصالح الدولية والإقليمية الساعية لفرض أجنداتها في محاولة لكسب الداعمين لهم وهذا ما نشهده تماماً من خلال محاولات التقسيم التي تجري في سوريا بين عدة أطراف وفي محاولة جميعها كسب الصفقة المهمة والموقع المهم والاستراتيجي لمحورها أو دولتها المستقبلية ولكن ربما ما يؤخر التنفيذ هو التدخل التركي المحير من الصفقة الروسية الأمريكية والتي غيرت كثيرا من الاتفاقيات المبرمة بينهم , فهل سنشهد تزايداً لحالات القتل والتدمير والتهجير في حلب خلال الفترة المقبلة ولحين التوصل لحلّ ينهي الأزمة السورية ويشهد تراجع بعض الأطراف أو التخلي عن أحلامها مقابل حصولها على امتيازات أخرى وفي مواقع بديلة تكون سوريا وحلب خصوصاً من قدمت تلك التضحية . أم أن الفترة المقبلة ستنهي معاناة حلب وأهلها وسط اتفاقات جذرية بين جميع الأطراف الدولية والإقليمية , وإلى متى ستكون سوريا أرضاً خصبة لهذه الخلافات التي يذهب يومياً مئات القتلى ضحيةٍ لتجادل الفرقاء ووسط صمت المجتمع الدولي حصراً .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى