آراء

تناقض المصالح الدولية تعرقل الحل السياسي في سوريا

فرحان مرعي

تكونت في سوريا أرض خصبة لاندلاع ثورات وانتفاضات بعد سنين طويلة من الاستبداد والديكتاتورية والقمع, وخاصة بعد عام 1963 – عام وصول البعث إلى السلطة.. هبَّ الشعب السوري أكثر من مرة ضد النظام البعثي, في بداية الثمانينات, وفي عام 2004 – انتفاضة قامشلو – وثورة آذار 2011 التي مازالت مستمرة …,.
ولكن بسبب الدور الاقليمي والسياسي لسوريا وموقعها الجغرافي الاستراتيجي في المنطقة,  كانت سوريا دائماً محل أطماع ومحل صراع دولي… لذلك ما أن اندلعت ثورة 2011 آذار حتى تحولت سوريا بسرعة إلى ساحة صراع دولي واقليمي كبير لتتحول هذه الثورة فيما بعد إلى أزمة دولية مستعصية وحرب طائفية مقيتة انتشرت تداعياتها إلى العالم كله, فجذبت مع استمرارها الإرهاب الدولي والقوى المتطرفة والظلامية الإسلامية كي تعيث فساداً وخراباً في سوريا في سابقة لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية, بعد ست سنوات من الحرب ومع استمرار الأزمة وبسبب تناقض واختلاف المصالح الدولية المتداخلة والمتصارعة على الساحة السورية يتعرقل الحل السياسي ويتأجل ولم تتبلور بعد رؤية واضحة لدى هذه الدول حول الحل وحول مستقبل الدولة السورية.
يبدو واضحاً إنَّ الدول المتورطة الرئيسية في الشأن السوري, ايران – تركيا – روسيا – أمريكا – السعودية – قطر وغيرها… غير منسجمة مع بعضها سياسياً وثقافياً وايديولوجياً, قد تجمعهم المصالح الاقتصادية لكنهم لا يجتمعون في سلة واحدة ولا يتمكنون من الاجتماع على طاولة واحدة في أكثر الأحيان.. فلكل من هذه الدول والقوى أجنداتها الخاصة ومصالحها المتناقضة مع الآخر .

  • ايران والتي هي عقدة المشكلة في سوريا, دخلت منذ بداية الثورة على الساحة وبقوة من الباب الطائفي والرغبة في الامتداد الايديولوجي في المنطقة, لذلك هي تحارب وتصارع بكل امكاناتها من أجل بقاء النظام السوري والحفاظ على الدولة المركزية, كما وأنها تعمل بشكل نشط وممنهج من خلال العمليات الحربية وعبر ميليشياتها على إحداث تغييرات ديمغرافية ضد المكون السني عرباً وكرداً وحصل مثل هذا في كثير من المناطق السورية العربية والكردية – في دمشق وحلب وحمص والقلمون والشمال السوري(كردستان سوريا) والمناطق المتاخمة للبنان… (1)
  • أما تركيا كمحور اقليمي منافس لإيران تاريخياً والمختلف معها عقائدياً, لها أطماع تاريخية في سوريا كبوابة نحو العالم الإسلامي وتسعى دائماً إلى تقوية نفوذها في سوريا حيث تشترك معها بحدود طويلة تصل إلى أكثر من 900كم تعبر مناطق إقامة المكون السني الإخواني, والحفاظ على الدولة المركزية لمنع الكرد من أي طموح في بناء كيان قومي لهم على حدودها الجنوبية حيث (غرب كردستان) وهي في هذه الجزئية تتفق مع ايران والنظام السوري رغم اختلافهم في كل الجزئيات الأخرى …
  • أما أمريكا البعيدة, القريبة, فمصالحها في المنطقة كدولة عظمى استراتيجية ولا تسمح بأية زعزعة لهذه المصالح وتجد ذلك تهديداً مباشراً لأمنها القومي, فهي غير متفقة مع ايران بل هي في حالة العداء لها منذ ثورة الخميني ولديها رغبة – أي أمريكا – في إنهاء الدولة المركزية في سوريا والعراق وحماية الأقليات وإقامة الدولة الكردية, ولكن هذه الرغبة تصطدم دائماً بممانعة إيرانية وتركية وعربية ومما قد تهدد مصالحها في هذه الدول وعند هذه الشعوب, لذلك تضع مصالحها في الميزان وتأخذ بالكفة الأرجح دون أي اعتبار للمسائل الأخلاقية وحقوق الشعوب.
  • أما روسيا التي دخلت إلى الساحة السورية من أوسع الأبواب لفرض مصالحها الدولية والاقليمية عبر هذه الأزمة, من خلال حلفائها, إيران والنظام السوري وتركيا أيضاً لتكون قطباً موازياً ومنافساً لأمريكا على السيطرة على العالم, وهي في الصميم لا تجمعها مع ايران قواسم مشتركة سوى البحث عن خطوط النفط والغاز ولا تملك تاريخاً مسالماً مع تركيا .. وهي في حرب باردة شبه دائمة مع أمريكا و أوربا الغربية, وهي بوضوح لا تبحث إلا عن مصلحتها وتمارس الابتزاز والبيع والشراء في القضايا الدولية ضاربة بعرض الحائط مصالح الشعوب.
  • أما بالنسبة إلى السعودية, الدولة الدينية المحافظة, الستاتيكية والتي تخشى من أية حركة وتغيير في الثقافة والمجتمع سواء في داخلها أو محيطها, ولكن هي ذات ثقل كبير في المنطقة دينياً واقتصادياً هي منبع النفط عالمياً, ومهد الإسلام الأولي ومعقل الإسلام السياسي السني المتشدد, ومحل الصراع السني – الشيعي تاريخياً لذلك هي في حالة صراع دائم عقائدياً وسياسياً مع النظامين السوري والإيراني وفي مواجهة مشاريعهما في المنطقة …

هذه التناقضات والاختلافات الايديولوجية والثقافية بين الدول المتداخلة والمتحاربة على الساحة السورية تعرقل الحل السياسي, مما يزيد من معاناة الشعب السوري وتساهم في إطالة عمر الأزمة .

  • يستنتج من لوحة الصراع على الساحة السورية : إن تركيا وإيران والسعودية دول محورية اقليمية تتنافس على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط, بينما أمريكا – روسيا – أوربا, تتنافس على قيادة العالم وعلى توزيع مناطق النفوذ بينهم ولكن من الواضح أكثر إن إيران هي عقدة الأزمة السورية فهي مختلفة مع الجميع تقريباً ثقافياً وايديولوجياً وهي راعية الإرهاب العالمي,.. وتمتلك ملفاً نووياً غير مرغوب فيه وتعتبر قضية دولية.. هذه القضايا وغيرها يتفق عليها الجميع بالنسبة لإيران ولديهم دافع قوي لتقزيم وتحجيم الدور الإيراني وميليشياتها في سوريا والعراق من أجل البدء بالخطوات الأولية للحل السياسي في سوريا بالإضافة إلى دور الشعب السوري والمطلوب منه وضع ثورته على سكتها الطبيعية, فك الارتباط مع القوى الدينية المتطرفة والمتشددة والتي شوهت الثورة السورية وأن يعلب الشعب السوري دوره الحقيقي في الدفاع عن حقوقه الديمقراطية التي نادى بها في بداية الثورة قبل تحولها إلى صراع طائفي وأزمة دولية.

(1) غاية إيران من التغيرات الديمغرافية بالنسبة لعرب السنة – غاية طائفية,  أما بالنسبة للكرد فهي غاية عرقية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى