آراء

الوهن المريح pkk نموذجاً

فؤاد عليكو
من الحقائق العلمية نفسياً، أن هناك حالة يخلقها الإنسان عند تعرضه للألم الممزوج بالعجز المطلق على تغيير الواقع وذلك بخلق عالم افتراضي يعيش من خلاله ويتماها به فيعمل ويخطط ضمنه في محاولة منه لإراحة ضميره وتخفيف وطأة الألم عن نفسه، لكنه يجهل أو يتجاهل بأن هذا العالم الافتراضي الذي يخلقه بعيد كل البعد عن الحقيقة وعن أرض الواقع وكذلك صعوبة الوصول إليه، وهذا ما يعانيه قادة ثورة حزب العمال الكردستاني منذ فترة طويلة وتحديداً منذ اعتقال قائده عبدالله أوجلان.
1999 إنه الهروب…الهروب بطريقة احترافية مريحة للضمير، لعدم قدرتهم على مواجهة الواقع المؤلم الذي وصلوا إليه وإيجاد حلول حقيقية له فينسج عالماً من الخيال ويحاول التأسيس له على الأرض فيخرجون بفلسفات ودراسات يقنعون بها أنفسهم قبل غيرهم بأنهم يعملون لمستقبل موعود بعيداً عن الحالة التي هم فيها ، ثم يضفون هالة على أنفسهم و مشروعهم نوعاً من الشرعية الافتراضية المطلوبة بوسائل شتى كي يريحوا أنفسهم عما فشلوا فيه، فكان الخلاص والهروب من مواجهة الواقع في ابتكار نظرية الأمة الديمقراطية، هذه النظرية التي هي خليط معقد من مجموعة من الأفكار الماركسية/الغرامشية ونظريته في الأمة الاجتماعية الديمقراطية مخالفاً بذلك نظرية ديكتاتورية البروليتاريا التي كانت تمارس بقسوة حينها من قبل ستالين، ولما كان ب ك ك ومنذ تأسيسها كانت قد تبنت الفكر الستاليني / الماوي ( نسبة إلى ماوتسي تونغ زعيم الحزب الشيوعي الصيني) ذات الطابع العنفي الصارم في تغيير المجتمعات سياسياً وثقافياً واقتصادياً، إضافة إلى محاولات زعيم الحزب عبدالله اوجلان الذاتية إضفاء طابع القداسة الدينية على أفكاره وتشبيهها بأفكار الأنبياء، كل هذا المخزون الفكري الخليط استخدم في تكوين نظرية الأمة الديمقراطية، التي تدعوا إلى بناء مجتمع خالٍ من الحالة القومية والدينية والعشائرية في مجتمع لاتزال الأرومات القومية والدينية والعشائرية تفعل فعلها القوي والمؤثر في منطقة الشرق الأوسط برمته وتتفاعل بشكل هستيري اليوم من خلال الصراعات العرقية والمذهبية والطائفية وبنتيجتها حولت الشرق الأوسط إلى كتلة من النيران الملتهبة تحرق الأخضر واليابس والشعب الكردي اليوم يدفع اليوم ثمناً باهظاً في هذا الصراع وعلى الهوية القومية أو الدينية( الإيزيدية).
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه بقوة هل هذا المناخ الجيو/سياسي المتخلف والمعقد في الشرق الأوسط مناسب لطرح أفكارٍ خالٍ من الحالة القومية أوالدينية وتدعو إلى مجتمع مثالي بعيداً عن هذه الأرومات التي تعصف بالمنطقة بموجبها؟وهل هذه الجمهورية الفاضلة التي يحلمون بها أصحاب النظرية ستجد طرقها إلى النور في هكذا مجتمعات؟ وهل تستطيع هذه النظرية التي تدعو إلى تجاوز الحالة القومية في الحفاظ على تماسك الكرد ووحدتهم؟
وماذا عن الدول القومية التي تقتسم كردستان في الاستفادة منها ويتجاوزون بها معضلة القضية الكردية في بلادهم لأن أصحابها تخلٌو عنها، بينما هم يكرسون حالتهم القومية أو الدينية في بلدانهم بعمق؟ من كل ما تقدم نستطيع القول أن نظرية الأمة الديمقراطية هي حالة هروب من الواقع بطريقة مهنية ذكية وبديل مريح ناجم عن عجز ب ك ك عن تحقيق طموحاته في تأسيس الدولة الكردية الموحدة حسب ماكانوا ينادون به منذ تأسيس الحزب 1979م,وكان حري بهم إزاء هذا العجز التراجع قليلا عن حلم الدولة القومية إلى المطالبة بالحقوق القومية ضمن إطار الدولة الواحدة(إقليم فدرالي) أسوة بإقليم كردستان العراق التي لاقت قبولاً لدى المجتمع الكردي والدولي ومن المكن أن يشكل نموذجاً يحتذى به في الدول الأخرى كحل للقضية الكردية بدلا من التخلي عن الحالة القومية نهائياً، وبذاك نفقد الحامل الجامع للكرد الذي هو ضروري جداً لشعبنا في هذه المرحلة الحساسة التي نمر بها، وكل المقولات المغلفة والقائلة بأن الموضوع برمته تكتيك سياسي آني ويهدف إلى طمأنة المكونات الأخرى المتعايشة معنا لامعنى له في الصراع الدائر اليوم في المنطقة، ويخشى أن يذهب دماء الشهداء هدراً على مذبحة الأمة الديمقراطية ويجني شعبنا الأشواك في النهاية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى