آراء

’’ حلب ’’ و الصراع على النفوذ

محمد رمضان
حلب ثاني أكبر المدن السورية بعد العاصمة ’’ دمشق ’’ التي أثارت جدلاً في بداية الثورة نظراً لتأخّرها حينذاك بالإلتحاق بركب الثورة ،لأسباب تمّت مناقشتها مراراًآنذاك ،وأغلبها ذهبت في اتّجاه المصالح وضخامة رؤوس الأموال المتواجدة فيها ، والمتعلّقة بالقطاع الصناعي والتجاري ، والمعروفة أيضاً بتنوّعها العرقي والخصوصية الثقافية.
وكما أسلفنا القول معروفة بثقلها الاقتصادي أيضاً ، فالحفاظ على تماسك الكيان السوري كانت من أولى أولويات هذه المحافظة بغضّ النظر عن ماهية السلطة الحاكمة ،سواء من حيث التكوين أو من حيث الايديولوجيا ، بيد أنّ نظام البعث لم يترك منذ انطلاق الثورة أيّة فرصٍ أقلّ دموية وتدميراً أمام أحد إنّما أدخلهم عنوة في صراع مسلّح لخلط جميع الأوراق والأفكار والاحتمالات الممكنة لإحداث تغيير تلبّي طموح فئة ما دونما إراقة الدماء واستباحة الأرض وحتى العرض كنوع من الانتقام والاستعلاء.
حقّقت الأقدار أغلب رغبات النظام السوري منها ما يحدث اليوم على ثلاثة أرباع مساحات هذه المحافظة ريفاً وحضراً، تدميراً وتنكيلاً ، كلّها في خدمة معركة كسر العظم بين النظام والمعارضة من جهة ،ومعركة كسر أو فضح النفوذ إن جاز التعبير بين أمريكا وروسيا من جهة أخرى ، ودهشة اليوم أقرب إلى الصدمة، كون المشهد يفسّر لنا اللا تفاهم الأمريكي الروسي في الأفق إنّما لا زالتا في طور تكوين جسور التفاهم والتقاسم ليس إلا ، فالطرفان اللذان يخوضان لعبة الخصم والحكم والضغط والتقارب بين وجهات نظر أعطتا الشعب السوري ثمة بصيص أمل لإيجاد حلّ مرتقب ، ولكنهم اليوم أوجدتا أنفسهم مضطرين للمزيد من الصراع السوري -السوري من أجل اكتشاف بعضهم البعض هنا تكمن الطامة الكبرى والصدمة الكبرى للشعب السوري ، وبلا حياء يذكر اليوم يخوضان صراعاً على النفوذ بطريقة فاضحة لعلّ أفضل توصيف يكون خيبة الأمل لكافة السوريين حيال إيجاد مخرج ما للأزمة السورية، ولكن يحدث العكس كالعادة تزداد تعقيداً ودموية.
كإطالة أمد الصراع ،فالمشهد بات الأقرب إلى السعي للبحث عن معجزة لانتشال الجميع من الورطة ، فالجميع أشبه بالمتورّط من أضعفهم إلى ذروة الهرم في سياق تصنيف القوى، بما فيه المواطن نفسه متورّط تارة مع النظام بالإكراه ،وطوراً مع المعارضة بالرضا يحذوه الأمل لإيجاد واقع أقلّ قمعاً ورعباً ، وسرعان ما يصيبه خيبة أمل( أي المواطن )حيث النظام لا تأخذه رحمة ولا رأفة بأحد.
والمعارضة لا تمتلك حليفاً يمضي معها حتى النهاية ، وفي خضم هذا الزحام العارم للأهداف والنوايا كافة الأطراف تظهر تركيا بين الفينة والأخرى لإثبات أنّ التناقض خصلة حميدة والتذبذب أفضل وسيلة لتحقيق المآرب ، بلا تردّد يذكر تفضح نفسها بنفسها ولا مصداقية تذكر في سياساتها حيال التعامل مع المعارضة السورية المتمسكة بالقشة التركية ، لدرجة تركيا باتت أقرب إلى شركة سياحية نؤمّن خدمات الإقامة والنقل للمعارضة على أراضيها ،وليست كقوة إقليمية عظمى بإمكانها استحداث الكثير في الواقع السوري بمعية المعارضة.
والمؤسف حتى هذا الأمر بين كل فترة يقضّ مضاجع المعارضة ، لأنّها قد تفقد هذه الخدمات في أيّة لحظة ،وليس ثمة أمل لدى المامول قي استمرار تركيا دعمها بغية الوصول إلى الأهداف المعلنة للمعارضة، والتي بأغلبها طرحتها تركيا هذا الأمر هو الوحيد ربّما ينفخ الروح في الأمل الآيل للغروب ،أمّا بالنسبة لروسيا حليفة النظام المتهوّرة تسعى بكلّ الوسائل إجبار أمريكا الشريك المثير للشكوك على الإفصاح عن نواياها حيال المعارضة، فقط كي يكون الأفق أكثر وضوحاً أمام الطموحات الجامحة للقوة التي تبحث لنفسها عن مكانة على الساحة الدولية بعد غياب غير قصير ،و بحكم أنّ أمريكا تنتهج المراوغة منذ البداية في معرض تعاطيها مع المعارضة السورية ولا زالت تمارس الهواية نفسها ،يكفي أن تثير المزيد من التوجّس الروسي القلق أصلاً ،فالطرف الأمريكي لم يتخذ موقفا جاداً عن المعارضة ولاهي مستعدة اليوم لاتخاذ أيّ موقف مستعجل ،بل تفضل تركها للإدارة القادمة ممّا يعني لنا لا تغيير أمريكي مرتقب سوى المزيد من المراوغة ،واستثمار عامل الوقت ،ولكن على حساب المواطن السوري البسيط و المعارضة المتشظية أصلاً ، في حين الطرف الروسي يجد الإطالة من مقوّمات الاستنزاف بالنسبة لها ،وتزيدها حيرة من أمرها للحسم مع الطرف الأمريكي و المضي قدماً نحو تحقيق مصالحها التي أتت من أجلها مما تجد نفسها مضطّرة بحكم المعطيات التي في حوزتها إلى خوض المزيد من التجارب على الأرض كما عليها الحال في المعركة الدائرة في حلب.
ولو كانت هنالك ثمة نية روسية لحلّ الأزمة والانتقال إلى مرحلة انتقالية، فهي باستطاعتها إيقاف نزيف الدمّ العبثي في حلب ، ولكن ريبتها وعدم الثقة مع الطرف الأمريكي تجد أنّ الإطالة أفضل برغم الاستنزاف هو الحل الوحيد لكشف المستور المريب، و مهما تعاظمت التضحيات تبقى أفضل من الخوض في مغامرة غير معروفة العواقب ، وما زال لديها ثمّة شكوك أخرى اقرب إلى اليقين وهي أنّ أمريكا سوف تحتفظ ببعض نفوذٍ عبر بعض ٍمن جماعات المعارضة في حلب، ولذا تحاول بشتى الوسائل وضع حدٍّ لأمرٍ كهذا ، حليفاً جديداً فضلاً عن حليفه المعلن في المشهد السوري،الذي قد يغير الكثير من مجرى الأحداث بالنسبة لروسيا ، طبعاً الحليف المعلن هو جماعة الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي بات رقماً صعباً لإعادة تحديد تصنيفه من حيث الحلف أو التفاهم.
والشيء الذي يزيد الطين الروسي بلّة حيال الشريك الأمريكي كون هذه الأخيرة على تواصل مؤكّد مع النظام ، ممّا يعزّز الشكوك الروسية حول احتمالية وجود تفاهمات تحت الطاولة بين النظام وأمريكا نفسها عبر حليف أمريكا ووكيل النظام جماعة الاتحاد الديمقراطي ممّا يزيد من حالة التخبّط والهبستريا الروسية حيال أمريكا.
هذا و بالإضافة إلى الرغبة الروسية لمعرفة ما مدى تأثير الجماعة المفترضة في حال استئناف جولة مفاوضات جديدة مع النظام ؟ والمشهد ما زال آخذاً في التعقيد والتشابك والتفاعل والطوارئ، ولعلّ التقارب الروسي التركي في لحظة كتابة هذه الأسطر من أحدث هذه الأمور التي تزيد المشهد تعقيداً وإطالة للأزمة ،و بحكم أنّ التفاهمات والتقارب الدولي تقوم على البديهة التي فحواها أنّ أيّ تقارب يكون على حساب طرف ما في حيثيات أيّة أزمة أو قضية ،وفي هذا السياق سوف تكون معظم المعارضة السورية بمثابة كبش الفداء في مضمار تبادل المصالح بين الطرفين التركي الروسي ، إذن ، كيف لتركيا أن توافق بين سياساته المبدئية في الحقبة الماضية حيال النظام السوري والسياسات الروسية المعروفة ودعمها الغير محدود لأجل إبقاء النظام ، كونها تحارب من أجل الحفاظ على النظام السوري بغضّ النظر عن كلّ الذرائع التي ساقتها للدخول بكلّ قوتها في الصراع السوري ، والانكى لا يمتلك الطرف الروسي أيّة جهة من أطراف المعارضة حتى يكون بمثابة حلقة وصل بينها وبين تركيا حتى على سبيل المجاملة.
وباختصار يمكننا القول إنّ الطرف الروسي يحاول إنهاك النظام و إنهاء المعارضة ، ولا أعتقد أنّ من السهولة القول أنّ روسيا قد تأخذ على محمل الجد أية طروحاتٍ تركية تتعلّق في تصنيف المعارضة بين المعتدل والمتطرّف بحسب الضمير الروسي أنّ تركيا هي صاحبة براءة الاختراع لمعظم الأيديولوجيا ت المتطرّفة في المنطقة هذا إضافة إلى افتقار الطرف التركي لأيّة ورقة ضغطٍ في معرض تعاملها مع روسيا ووجودها في المنطقة المتاخمة للحدود التركية من الطرف السوري ، ماذا لو افترضنا أنّ روسيا طالبت بإغلاق الحدود بغية إنهاء المعارضة .؟ ولكن مقابل ماذا … ؟ المرجّح سوف يكون مقابل وضع حدٍ لجماعة الاتحاد الديمقراطي ، بالوقت ذاته هذه الجهة تعتبر من الوكلاء المخلصين للنظام السوري ما يقتضي أنّها على تفاهم عميق مع الطرف الروسي .
إذن تركيا تخوض رهانات خاسرة سلفاً في كل الاتجاهات ويمكننا القول أنّ الطرف التركي لا يرى المعارضة أبعد من التصنيف أنّهم مجرد ثوار تحت الطلب ، وهنالك ثمة تسريب مقصود من جهة ما أيضاً يحتاج لمناقشة عميقة حول دلالات مثل هكذا تصريح ، وهو التهجير القسري من أجل التغيير الديمغرافي في مناطق حلب ، فالتغيير المنشود لصالح من ؟ وما هي تبعات مثل هكذا فعل ؟ إذن هنالك ثمّة نية لتقسيم النفوذ وتوزيعه على الخريطة السورية السابقة ، فالخارطة الجديدة قد تكون الأمل الوحيد لكافة الأطراف للخروج من ورطتهم بأقلّ الخسائر إن لم نقل بماء الوجه فقط ، و،قد تجعل التقارب الروسي الأمريكي التركي بما فيه النظام السوري مشهداً أقلّ غموضاً و سريالية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى